|
عودة الوعي للعرب بأهمية العراق
د. شاكر النابلسي -1- يشهد العراق الآن تدفقاً رسمياً عربياً غير مسبوق. بل نجزم أنه تسابق عربي على ركوب الطائرات والتوجه إلى بغداد للسلام على هارون الرشيد. وهذه خطوات نُقدِّرها ونُثمّنها للزعماء العرب "الأشاوس"، الذين لا يظهرون إلا عندما تنطفيء النيران، ويخرس صوت مدافع المعركة، وتفوتهم القطارات، وهم واقفون على أرصفة المحطات، ينتظرون القطار الذي لا يأتي. فهكذا هم العرب في كل القضايا السياسية التي يواجهونها، يأتون دائماً متأخرين. فكم من فرصة لحل القضية الفلسطينية – مثالاً لا حصراً - فوّتوا على أنفسهم، وظلت القضية تتآكل وتذوب بين أيديهم كقُمع "الآيس كريم"، إلى أن كاد الحوت الصهيوني يبتلعها كلها الآن. ورغم أن هذه الخطوات "الأخوية المباركة"، تأتي متأخرة جداً، إلا أنها محمودة على أي حال. فخير لك أن تأتي متأخراً من أن لا تأتي أبداً. وتدفق العرب على بغداد، يأتي بعد أن ذاق العراق مرارة الحرية ومرارة الديمقراطية وحده، ولم يشاركه العرب في هذه المرارة القاسية، بل إن بعضهم كان سبباً فيها. وبدأ العراق الآن، يتذوق حلاوة الحرية وحلاوة الديمقراطية، فتسابق "الأخوة" العرب بدقِّ بوابة بغداد، وبدأوا يتقاطرون على بغداد، واحداً تلو الآخر، في الوقت الذي أحجموا فيه خلال الخمس سنوات الماضية عن ذلك، وتركوا الحصان العراقي وحيداً، يكتوي بنار الحرية اللاهبة، ويذوق مرارة الديمقراطية الحنظلية. فللحرية مرارتها وحلاوتها، وللديمقراطية نعيمها وعذاباتها. -2- وقبل أيام دعا فؤاد السنيورة رئيس وزراء لبنان أثناء زيارته لبغداد، العرب إلى احتضان العراق. في حين أننا دعونا العرب منذ بداية عملية "حرية العراق"، عام 2003 إلى احتضان العراق، وعدم ترك الحصان العراقي وحيداً. وكتبنا في مقال (العراق والأوهام العربية، 14/5/2004) نقول للعرب، أنهم بإعراضهم عن دعم العراق ومساعدته في ولادته للعراق الجديد، سوف يكونوا واهمين أشد الوهم، وسوف يضيعون على أنفسهم فرصة تاريخية مهمة. وصدقت رؤانا الآن. فقد كان العالم العربي بمجمله خلال السنوات الخمس الماضية، يراهن على عودة حكم حزب البعث إلى العراق. وجزء آخر من العالم العربي الذي كان يعيش في الوهم، يراهن على عودة صدام، ويطلق عليه الرمز والضرورة والشهيد، الذي لم يمت بعد. والسؤال هنا هو: لماذا عاش العالم العربي كل هذا الوهم؟ لذا، فهو لن يتقدم ما دام يعتبر نفسه متقدماً غير متأخر. وهو لن يتعلم مادام يعتبر نفسه متعلماً غير جاهل. وهو لن يسعى إلى القوة ما دام يعتبر نفسه قوياً غير ضعيف. وإن هذا التضخم العُصابي، وهذا الانتفاخ المرضي، وهذه النوستالوجيا المتمثلة بالرضوخ المُذل لأمجاد الماضي الفانية في الذات العربية، وهذه الفوبيا (الرهاب أو الهلع المرضي)، كلها كانت سبباً في أننا نعيش وهماً كبيراً. -4- وقلنا للعرب، منذ عام 2004 في مقالنا (ما هي مصلحة العرب من هزيمة الإرهاب في العراق، 14/10/2004) بأن انتصار العراق على الإرهاب هو انتصار للعرب جميعاً، ولكننا كنا والعرب، مثلما قال الشاعر الجاهلي دريد بن الصمه: أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد وذكرنا للعرب الفوائد الجمة من قضاء العراق على الإرهاب، منها: 1- أن هناك حقيقة تاريخية، وهي أن الإرهاب الذي شهدناه، لو لم يوجد في السنوات الماضية، لوُجد في المستقبل القريب، نتيجة لعدة عوامل مجتمعة ومتضامنة، منها أنظمة التعليم الديني على نحو خاص، ومنها ارتفاع معدلات البطالة وانتشار الأمية الأبجدية والثقافية، وارتفاع معدلات الفساد السياسي والمالي المنتشر. وهي كلها أسباب لا ترى الأصولية الدينية والقومية لها حلاً إلا بالعنف، وبالعنف في وجه من تعتقد أنه يحمي الأنظمة التي تمارس كل هذه الكبائر. والأصولية عندما اعتمدت العنف حلاً لهذه المشاكل، فهي من حيث لا تعلم أخذت بالأسلوب الشيوعي العنيف المعروف بالثورة الحمراء البلشفية. 3- لم يعرف العالم العربي بشاعة حكم الأصولية القومية إلا بعد القضاء على الأصولية القومية في العراق بعد التاسع من نيسان 2003. وكان هذا الدرس موجهاً لكل الأصوليات القومية الحاكمة في العالم العربي. وتحاول الأصولية الدينية في العراق أن تحلَّ محلَّ الأصولية القومية. فليكن، ففي ذلك نهايتها. فالقضاء على الإرهاب لا يعني القضاء على الأصولية الدينية، التي تقف عائقاً في وجه الحداثة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. -4- وفي عام 2004 دعونا الخليجيين على وجه الخصوص إلى احتضان العراق وهي الدعوة التي أطلقها فؤاد السنيورة قبل أيام، بعد أربعة أعوام من دعوتنا تلك. وكانت دعوتنا تلك، في مقالنا (أيها الخليجيون: احتضنوا العراق، 3/8/2004) تبررها الأسباب التالية: 1- يعتبر العراق أقرب للخليج من أي بلد عربي آخر، جغرافياً وسكانياً واجتماعياً. وعندما اشتد العُصاب القومي العراقي الكاذب ببعض الحكام العراقيين، لم يجدوا بلداً يدّعون بأنه جزء تاريخي وجغرافي من العراق غير دولة خليجية كالكويت.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |