|
الأزمة بين المركز والإقليم وآفاق الحل
جاسم الحلفي تقوم العلاقة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كوردستان على جانبين، جانب دستوري وآخر أجرائي. والواقع ان الجانب الثاني، الإجرائي، هو المهم الآن، لأنه يمثل الجانب العملي والتطبيقي للعلاقة. فحينما نظم الدستور العلاقة بين المركز والإقليم، اعتمد على مبدأ التوافق وبصياغات محددة، وكحزمة واحدة، مثلت حدا مقبولا للمشتركات والخصوصيات في إطار الدولة العراقية الجديدة. وبطبيعة الحال لم تلبِ جميع مواد الدستور تطلعات هذا المكون الاجتماعي أو ذلك، لكن بكل تأكيد وجد كل مكون في الدستور ما يؤمن ويحترم حقوقه ويحافظ عليها. لذا لا ينبغي التعامل مع مواد الدستور بصورة انتقائية. لذا ونحن نشهد هذه الأيام تأزما في العلاقة بين الإقليم والحكومة الاتحادية، نجد ان كل طرف يرتكز في إظهار حقوقه في هذه القضية او تلك بالاستناد الى الدستور. وإذ تلوح في الأفق، بين حين وآخر، خلافات في فهم تلك الحقوق الدستورية، لكنها لا تشكل حافزاً لأي طرف يدفعه الى التراجع عن الدستور. وهذا بحد ذاته شيء جيد، إذ أصبح للعراقيين مرجعية قانونية يستندون عليها حين تواجههم مشاكل وأزمات، رغم ما يحمله الدستور من صياغات ملتبسة وغير واضحة وحمالة أوجه، في بعض الأحيان. وفي هذا الإطار، ينتظر العراقيون حلا ناجزا من لجنة التعديلات الدستورية، طال انتظاره، لمعالجة تلك الالتباسات، مع توفر الادراك ان عملية مراجعة الدستور لا تعني العودة الى المربع الأول. ربما لم تكن وجهات النظر المتباينة في تفسير الصلاحيات المثبتة في الدستور هي أساس الخلافات الحالية، ولكن تم توظيف ذلك لتعزيز حجة كل طرف ووجهة نظره بشان الاختلافات التي حصلت، من بينها عقود النفط التي وقعها الجانب الكوردستاني، وكذلك انتشار الجيش العراقي في قرة تبه وخانقين ومندلي، وغيرها من القضايا. وكان من الممكن تلافي هذه الخلافات، عبر سلوك الطريق الصحيح الذي يعزز الثقة ويخلق أجواء طيبة، من خلال التشاور المسبق قبل الإقدام على اتخاذ أي خطوة، من شانها ان تثير الشك والريبة عند الطرف الآخر، ولا تساعد، في الوقت ذاته، على تعزيز العمل المشترك وتحمل المسؤوليات. ففي الوقت الذي نؤكد فيه على ان النفط ثروة وطنية ينتفع منها عموم الشعب، نؤكد كذلك ان الجيش هو جيش العراق كله، واجبه الدفاع عن الوطن ومحاربة الإرهابيين، ولا ينبغي استخدامه في الاختلافات الداخلية كورقة سياسية، بل الواجب إبقائه محايدا يحتفظ بمسافات متساوية بين الجميع، والتأكيد على مهنيته. وفي هذا الصدد لا بد من الإشارة إلى ان هناك من تعاطى مع الموضع بنظرة ضيقة، بعيدا عن إدراك التبعات السياسية لهذا الموقف او ذلك التصرف والتداعيات التي تخلفها، فتجد حماسة البعض للتصعيد اكبر من حماسة العقلاء للحل، ما يعمق الأزمة ويعقدها ويخلق لها مزيدا من الإشكالات غير المستوجبة. من جهة أخرى يتطلب من الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم الابتعاد كليا عن التصعيد في الخطاب السياسي والإعلامي، والتعامل مع الإحداث والتطورات من منطلق الحرص على العملية السياسية والتي تتجسد في بناء عراق ديمقراطي فدرالي موحد، والتوجه نحو المؤسساتية والمشاركة الفعالة في تحمل المسؤوليات الوطنية. مع التأكيد بان الإشكاليات الحالية، لن ترتقي الى استخدام لغة السلاح. فقوة الدولة الفدرالية تكمن من خلال تأمين مشاركة فعالة للإقليم والمحافظات في إدارة الدولة الاتحادية، كما لا يمكن النظر بذعر للإشكالات التي تحصل، فان أرقى الفدراليات في العالم ليست بمنأى عن ذلك. غير ان الديمقراطية بحد ذاتها تطرح آليات مناسبة للحل انطلاقا من الاحتكام إلى لغة الحوار والتنسيق. وعلى القوى الديمقراطية مسؤولية نشر ثقافة التفاعل البناء والعيش المشترك والتأثير الايجابي على الرأي العام العربي والكوردي لتفويت الفرصة على من يعولون على استنفار مشاعر التعصب وضيق الأفق القومي والكراهية، بعد ان فشلوا في تحويل الفتنة الطائفية الى حرب أهلية، وفضح مشروع المتربصين بالعراق والطامعين بخيراته. والتركيز على المهمات التي تضع حاجات المواطن وتأمينها في أوليات كل حل، فلا يمكن للعراق الجديد ان يكون لأي طرف على حساب الطرف الآخر.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |