الأخضر بن يأسف!

محسن ظافرغريب
algharib@kabelfoon.nl

 ما أشبه الأمس باليوم، وبالمليون ونصف المليون شهيد جزائري شمالي أفريقيا ومثلهم عددا من العراقيين؟!. إعتمدت ثورة الجزائر على محيطها العربي وعلى ثورة العراق المتزامنة معها بذاك الأمس، بزعامة شهيد العراق الأول والوطني الأول"عبدالكريم قاسم"، لتنتصر على جبت النفس(ذاتيا - موضوعيا)، وعلى فرنستها على أيدي الإحتلال الإستيطاني الأشبه في دوامه بشر شرعنة إحتلال العراق في ظل ذل الأنجلو أميركان، حيث لا فرق جد كبير بين الإستيطان الفرنسي والأميركي صهيوني لقطري الإنتداب البريطاني التوأم بالأمس؛ العراق وفلسطين ودعم الزعيم الخالد"عبدالكريم قاسم" أيضا للقطر الثاني فلسطين، ضابطا مقاتلا فعلا، شعورا لا شعارا، في"جنين" و"كفر قاسم" قبل سنة تأسيس دويلة إسرائيل ربيع 1948م، بأكثر من عقد من زمن تأسيسه جمهورية العراق صيف 1958م، ودعم جمهوريته الوليدة تواً، لقضية العرب المركزية فلسطين التي بإسمها تمت تصفية قيادة وسيادة ووحدة أراضي التوأم العراق وفلسطين، بخارطة طريق واحدة جارية الآن لتصفيتهما في آن معا، إلا أن عصابات الصهاينة ومثل الغائب سريريا"شارون"، كانت أشرف من عصابات البعث الفارة وراء"صدام" في الغُرم بعد الغُنم، لأن الأولى(الصهيونية) تعففت عن النذالة مع شعبها الإسرائيلي، والثانية(البعثفاشية) كانت شوفينية مع العراقيين الذين يحتضنون أشقائهم الفلسطينيين، ومع ثلث نفوس الشعب العراقي الحرة الأبية النفيسة في الشتات اليوم، ومع ثلثي نفوس شعب العراق الجريح القائح قلبا وروحا، ذبيحا بدياثة حليف وخلف مبدع(الحملة الإيمانية)"صدام" العبثي العدمي المعدوم، وكيل الإحتلال بسم الله وبإسم الديانة والمذهبية، الذي نسى أمس المنفى ورفاق الغربة في مثل هذه الأيام الرمضانية، الكريمة بمكرمات اللئيم(صدام المدان دوليا والمعدوم)، ومنع ماعون المؤونة عنهم وعن الداخل العراقي معا مساواةً للشتات بشظف عيش الداخل في ظل ذل الإحتلال، ريثما يجوع العم توم في كوخه وببابه كلب العم سام يعوي تحت وطأة قدم المستقدم الإحتلال، وتحت وطأة لكز ولي ذراع يسوغ إذ يسوق ضرع الأرض والعرض ويتضرع بذرائع سمسار سيرك السياسة في مزاد علني، لا تخطأ فيه العين الباصرة والأذن الواعية وجوه شاهت ولعنت في لعبة العملية السياسية غير الكفء بين الوكيل والأصيل.

إعتمدت الجزائر أحرارا منهم مجاهد العاصمة الجزائر "يأسف سعدي" وحرائر منهن"جميلة بوحيرد"، في جهادها التاريخي بين القرنين 17- 20م، على دفء بيئة رحم، مثل هذي الأيام الرمضانية؛ ما انفك يردد الجزائريون في رحاب نفحاتها التي بشىء من الوعي الفطري السوي النفيس، لا تشيىء روح الإيمان بالوطن الى جدل مادي أصم عقيم خسيس المعدن، كعملة معدنية تتآكل بالتداول ذات وجهين؛ "يأسف سعدي" و"سعدي يؤسف" له، يردد الجزائريون مجموعة من القصائد الشعبية الشهيرة في رمضان، منها على سبيل المثال:

صلى الله على المصطفى * سيدنا محمد نرجا أشفاعتو

يارجال الله الصلاح وين كنتو حضرو

من زار وزار انزوروا لمقام ما هنانــي

يالشيخ مولاي الطيب ياللي ضامني

رسول الله وين كانت النوبة

من عندو المفتاح أيحل الباب

نوحي وأبكي ياعيني

وعلى المنوال ذاته، يذهب"يأسف سعدي" و"جميلة بوحيرد"، لتمضية ليالي رمضان في المسارح، لحضور عروض ركحية أو الإستمتاع بنوتات"فن المالوف"، بينما يفضل الشباب الذهاب الى نوادي ألعاب وكرة(مولودية الجزائر - إتحاد الجزائر) وزيارة معارض الكتب، الإنترنت وتقليد دور النشر بإقرار تخفيضات كبيرة على إصداراتها بمناسبة شهر الصيام، وإستقبال قصر الثقافة وقاعة ابن خلدون ودار الأوبرا وغيرها، أشهر المعارض والنشاطات، كما تسخّر قاعات"مقام الشهيد" ومسارح الهواء الطلق، ناهيك عن الساحات العامة، للفنانين والرسامين التشكيليين لعرض لوحاتهم على الجمهور، والقيام برسم صور للأشخاص الذين يرغبون في ذلك. بيد أنّ الزوار من الشباب أعدادهم قليلة.

"البوقالة" حاضرة بين الفتيات: تجتمع الكثيرات بنسق جميل خلال رمضان، بعد أداء صلاة التراويح، ووسط صينيات الشاي وأباريق القهوة ومنتخبات الحلويات التقليدية والعصرية، تلتقي الفتيات للسهر والسمر، وتنتشر في العاصمة وضواحيها لعبة(البوقالة) وهي تقليد جزائري قديم يقوم على الحكم والأمثال الشعبية تتفن الفتيات في ممارسته على طريقتهنّ. يشتق اسم" البوقالة " من الكلمة الأمازيغية"بوقال"، وهي عبارة عن إناء يصنع من الفخار للشرب كما يوضع به الحليب، والعلاقة الموجودة بين الإناء"بوقال" والموشح الشعبي، باستعماله أثناء جلسات القراءة، حيث تضع فيه النسوة العازبات شيئا من حليّهن ثم يغطى بقطعة قماش، وعقب ذلك يشرع في قراءة الموشح الشعبي، وبعد قراءة مقطع منفرد تسرب القارئة يدها داخل"البوقال " لسحب قطعة من الحلي الموضوعة فيه، ثم يفسر طالع صاحبة الحلية المسحوبة على ضوء ما جاء في الموشح الشعبي المقروء وتسمى هذه الجلسة الترفيهية الأدبية بـ"البوقالة"، التي تتعدد نماذجها داخل الموروث الأدبي والثقافي الشعبي الجزائري الأصيل، الذي يقوده أعلام من طينة:"سيدي الأخضر بن خلوف " و" ابن مسايب "، و" ابن التريكي" و" ابن سهلة "، و"مصطفى بن براهيم "، و" سيدي سعيد المنداسي"، والشيخ " عبدالقادر الخالدي "، والشيخ " قدور بن عشور الزرهوني"، والشيخ " أحمد بن قيطون "، وغيرهم. مقطع من "البوقالة":" التويزة ": تعبر بصدق عن تضامن وتكاتف أهل المنطقة، نتيجة للظروف الطبيعية التي تفرضها عوامل الطبيعة في المنطقة وهي تؤدى عندما تزحف الرمال والمياه على منطقة سكنية حيث يشارك فيها عدد كبير من الجمهور ويعملون تحت نغم المزمار ودق الطبول وزغاريد النساء: طفلة امجيحة دلالي مـقواني/ منها القلب زاد اعزابو/ يامن ادرا أيدور شرع الله/ في ناسها ايعود ايصيبو/ مشيت للقاضي نشكي/ تما نعيد ليه اونحكي/ لوصبت راحتي مهلكي محبوبـي * عازفي قلبي/ ارحايلي عليها غابو لله بالقاضي قدر.

الأخضر بن يؤسف يقول؛"لا يمكن لثقافة وطنية، في بلد محتل، أن تنهض، إلا إذا اتخذت موقفا ضد الإحتلال. هل تعتقد أن مفهوم ثقافة الداخل(ياسف سعدي) وثقافة الخارج(سعدي يوسف) مارسا دورا سلبيا في إعادة تشكيل الثقافة الوطنية؟!. "أنا ضد هذه الأطروحة العجيبة. ألا تسمع بمحاولات مثل(مجلس أعلى للثقافة)، (نادي القلم العراقي)، (جمعيات مثقفين عراقيين) في المهجر؟"("الحوار المتمدن"، عدد 1875 April 2007م) في المصدر الأخير عدد 2395، September 05, 2008، كتب أحد أخوة يوسف، يؤسف له، لا يحسن العربية، (مثل بطل الداخل الجزائري ياسف سعدي الذي فرنس الإحتلال لسانه لاجنانه وموروثه الثقافي):.. فنشر قصيدته المعروفه(البلاد التي) مخاطباً سعدي من(إنك اليوم لاتحسن حتى الكلام)!. مخاطبا الأخضر(الشيوعي الأخير)، بمقال عنوانه بهذا التوصيف الأحمر الأخير، مستهلا بخطأ أقل ما يقال عنه، أنه لا يعرف الرحمة و لا أداة الجزم"لم ينبر(ي) له أحد محتجاً". كان الإحتلال يعطي الهنود الحمر الصليب ويأخذ منهم أميركا، وكان"كريستوفر كولومبس" على دين الراهب بحيرى وديره عند مسجد مبرك الناقة في مدينة بُصرى الشام مفترقُ طرق على طريق جزيرة العرب، جزء من طريقِ الحرير التاريخي، مليئةً بالآثار تعج بالحركةِ الفكرية، وفيها رهبانٌ من المسيحية يؤمنون بالنبي القادم وبشاراتِه لديهم، جاء بُصرى مرتين، الأولى طفلا مع عمه أبي طالب، وفي الثانية جاوز 25 عاما في القافلة التي جاء بها من أجل خديجة قبل أن يتزوج منها. كما جاء الأخضر من أول حاضرة عربية بناها الإسلام محطة فتح لفارس العجم، البصرة الطيبة الخربة الحلوب.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com