|
البعث يتسلل إلى السلطة من خلال كركوك
محمد علي محيي الدين من القنابل الموقوتة المهيأة للانفجار بين فترة وأخرى قضية كركوك،وقد بينا في مقالات سابقة ضرورة معالجة هذه القضية وفق رؤيا عراقية بعيدا عن ألأجندات الخارجية ذات الأهداف التي لا تخدم القضية العراقية،وبعيدا عن تدخلات دول الجوار العراقي التي تلعب بهذه الورقة، وقد ألقت هذه الدول بكل ثقلها في المعركة لتحقيق مصالحها والاستفادة القصوى من الكعكة العراقية التي تناهبها الحكام الداخليين وأسيادهم الخارجيين،في ظل تشرذم عراقي وهيمنة لقوى هامشية فرضها التغيير لا تفكر بغير مصالحها الآنية ،وكيفية الحصول على المكاسب الذاتية التي تؤمن لها الهيمنة والنفوذ. وفي المعركة الأخيرة التي رافقت التصويت على قانون الانتخابات ،وإقحام المادة (24) التي حصل الإجماع عليها بين القادة السياسيين،وتنصص على تأجيل انتخابات كركوك لفترة لا تتجاوز ديسمبر 2009،ويستمر خلالها مجلس المحافظة في أداء مهامه وإبقاء وضع كركوك على ما هو عليه،لحين أكما مستلزمات الانتخابات المقبلة بما ينسجم مع المواد الدستورية ذات الصلة بقضية كركوك،فيما يستمر مجلس النواب العراقي في أيجاد الصيغة المناسبة لأجراء تلك الانتخابات،وأضاف إليها أنصار المادة (24) مادة تقول((في حالة تعذر اللجنة تقديم صيغة مناسبة،تقوم لجنة من رئاسة الجمهورية مجلس النواب ومساعدة دولية بتقديم صيغة مناسبة لأجراء انتخابات في كركوك في موعد لا يتجاوز 31ديسمبر 2009. في هذه المشكلة برزت اتجاهات جديدة لم تكن محسوبة للأطراف الممسكة بأزمة العملية السياسية – الائتلاف – التحالف الكردستاني ،حيث ظهر عند التصويت أن الكتلة التي صوتت على قانون الانتخابات الجديدة،وفرضت هذه المادة بالتصويت السري ،وأطلقت على نفسها فيما بعد كتلة (22) تموز في أشارة ليوم التصويت السري على المادة وتمريرها،فقد ظهر خواء الائتلاف الحاكم،وتبعثر أصواته في التصويت السري،حيث صوّت الكثيرون من أعضاء الائتلاف على هذه المادة،مما يعني أن هناك تأثيرات أخرى دفعت بهم إلى التصويت،وأن وحدة الائتلاف المزعومة قد تزعزعت أمام أول هزة،وظهر فيها أن الكثير من أعضاء الائتلاف ممن زجوا على عجل في قائمة الائتلاف الموحد قد عادوا لجذورهم الأصلية ،وارتباطاتهم السابقة،وتمردوا على الثوب الطائفي الذي لبسوه لتمرير دخولهم إلى مجلس النواب،رغم انتمائهم المعروف للعراقيين بوصفهم من أنصار النظام السابق أو مؤيديه،وتمكنوا في غفلة من الزمن التسلل إلى البرلمان عن طريق العلاقات الشخصية والقرابة وحماية عوائل الشخصيات المؤثرة في الائتلاف في زمن النظام السابق، فقد صوتت هذه المجاميع إلى جانب المجموعات المعارضة للعملية السياسية،والساعية لإفشالها،مما جعل قادة الائتلاف في موقف عصيب ،واثبت أن وحدتهم الزائفة لا تصمد أمام نسمة هواء صغيرة،مما يستوجب أجراء تحالفات جديدة،وإعادة ترتيب الأوراق،بما يضمن لهم البقاء في الواجهة،ونرى من خلال هذه التداعيات: · تحول الصراع في العراق من صراع طائفي إلى صراع قومي بإثارة النزعات القومية،وهذا التوجه يقف خلفه البعثيون وأتباعهم ومسانديهم من الأطراف الخارجية التي تحاول إدامة الصراع العراقي – العراقي لتحقيق أجنداتها في العودة إلى السلطة،وعودة العناصر الموالية لها المتمثلة بالبعثيين ممن ارتدوا الأقنعة الجديدة تحت واجهة عروبة كركوك،رغم أن بعض هذه العناصر أعلنت انتمائها الصريح للبعث ورفعها لرايته لكسب أكبر عدد ممكن من أعضاء البعث ومؤيديه ،والدليل أن صالح المطلك عندما وضع ورقته في صندوق التصويت قال(هذه ورقة البعث) ومعهم المتضررين من العملية السياسية أو الذين تضرروا بسبب الأخطاء الجسيمة للحكومة العراقية وفشلها تحقيق الحد المقبول مما وعدت به الجماهير التي صوتت إليها،واستشراء الفساد الإداري وسرقة المال العام بشكل مكشوف،والعجز عند تقديم وتأمين الخدمات الضرورية للمواطنين وانصراف القادة العراقيين لتحقيق مكاسب ذاتية بعيدا عن مصلحة الوطن والشعب. · أن التشرذم في التوجهات العراقية أفسح في المجال للقوى الخارجية التدخل في الشأن العراقي فالأتراك الذين بدئوا يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة من خلال عملائهم المعروفين ،ومغازلة أطراف أخرى تحت مسميات معروفة،وقيامهم بعمليات عسكرية داخل الأراضي العراقية،ودفعهم البعض للانفصال عن العراق وإقامة كيان خاص بهم،فيما تحاول جهات في الحكومة الاستفادة من الموقف التركي والحصول على تنازلات في القضايا الأخرى،وقد أغرت المواقف التركية التركمان العراقيين ممن دخلوا تحت عباءة الائتلاف أو التحالف إلى محاولة الاستفادة من التوجه الجديد والتصويت على المادة مما يعني أن التحالف الكردستاني يمر بمأزق هو الآخر وأن كان أقل تأثيرا من مأزق الائتلاف. · أما حزب الدعوة الحاكم ،فقد تشرذم هذا الحزب إلى تيارات مختلفة وفقد تأثيره في البرلمان وأن كان تأثيره كبيرا في السلطة التنفيذية ،فقد أخذت أطرافه المتصارعة تتحالف مع هذه الجهة أو تلك ،وتحاول أيجاد ركائز لها بحكم وجودها في السلطة من خلال الصحوات التي ترتبط ارتباطا مباشرا برئاسة الوزراء ،وتوجه رئيس الوزراء لاستقطاب العشائر من خلال تحركاته وتحركات المحسوبين عليه في هذا الاتجاه،وهذا التوجه جاء في الوقت الذي تسعى أطراف الائتلاف الأخرى إلى تقوية قواعدها من خلال سيطرتها على مجالس المحافظات وأدارتها ،ووجود ارتباطات متينة لها بأطراف دينية لا تزال تحتفظ ببعض البريق الذي يمكن أن يؤثر على توجهات الناخبين،ويحاول رئيس الوزراء من خلال سياسته المعلنة على كسب ود الدول العربية ،والتحرك باتجاه أيجاد علاقات معها قد تنفعه في صراعه مع حلفائه السابقين وقد بدء بالتوجه نحو الجانب القومي ، ومحاولة التقليل من التزمت الديني الذي أتخذه في البداية طريقا لكسب الناخبين ،وهذا التوجه القومي لن ينزع عنه صفته الإسلامية وإنما يحاول الاستفادة من الجانبين خصوصا أن حزب الدعوة بدأ يشعر بانفضاض حلفائه السابقين الذين كانوا وراء استلامه رئاسة الوزراء،وأن حلفائه الحاليين لا يغفرون له هيمنته على السلطة التنفيذية في فترتين،وربما سيكون التالي بعد تشذيب التيار الصدري وإنهاء فاعليته في السياسة الداخلية وتأثيره على المواطنين. · والاتجاه في العراق الآن ينح بإذكاء الصراع القومي ،ومحاولة البناء عليه وخصوصا من القوى البعثية المتمرسة في العمل التآمري،والاستفادة القصوى من الآخرين بالركوب على أكتافهم والعبور إلى الجانب الثاني كما حدث أوائل الستينيات عندما ارتدوا العباءة الدينية وتمكنوا من كسب قوى أسلامية مؤثرة كانت طريقهم للوثوب على السلطة،ثم أعادوا لها الجميل مضاعفا بأتباع سياسة القتل والتنكيل والإبادة،واليوم عاد البعثيون مجددا للاعتماد على الحس القومي بأذكاه ومحاولة تأجيجه بما يخدم توجهاتهم بالعودة إلى الواجهة السياسية تمهيد للوثوب على السلطة من جديد والدليل كثرة القوى السياسية التي تراهن عليهم وتحاول الاستفادة منهم ،متناسية أنهم ليسوا أهلا للثقة وأنهم حزب انقلابي ينقلب على نفسه وعلى أقرب المقربين إليه كما جاء في برامجه المعلنة وسياسته المتبعة ،فالقيادة الصدامية أنهت جميع القيادات البعثية السابقة وجاءت بمجموعة من النفعيين والانتهازيين ليكونوا الواجهة في خدمة أم القرى العوجه الحبيبة. · ويتحمل التحالف الكردستاني وحزبيه الرئيسيين التسلل البعثي والنزوع القومي الجديد بسبب التشدد الذي يتعامل فيه بعض ممثليهم أولا ،واهتمامهم بشأنهم القومي –وهو حق شروع- دون الاهتمام بما يجري في العراق ثانيا،وحمايتهم لأنصار النظام البائد وخونته ممن وجدوا في كردستان ملاذ له بما فيه الكورد البعثيون الذين عملوا مع المخابرات الصدامية ثالثا،ورابعة أثافي أبتعادهم عن الخط الوطني والتيار الديمقراطي من خلال تحالفاتهم التي لا تخدم الاتجاهات العراقية الوطنية،وعليهم تغيير سياستهم في هذا الجانب والعودة إلى العراق بوصفه الحاضنة التي يمكن من خلالها تحقيق مشاريعهم الوطنية بعيدا عن أي انغلاق أو تحجر.. · والمطلوب في هذه المرحلة من الأحزاب والعناصر الوطنية أن تأخذ جانب الحيطة والحذر فأن التسلل البعثي إذا قدر له النجاح فستعود الأمور إلى الدكتاتورية المقيتة التي عليها الفكر البعثي الذي لا يؤمن بوجود الآخر،وأن المراهنة على الأمريكان في تفعيل الممارسة الديمقراطية وبناء عراقي ديمقراطي من الخرافات والأوابد التي لا يمكن تصديقها أو الركون إليها ،فهم من أجل تحقيق مصالحهم البعيدة المدى على استعداد لتسليم السلطة إلى أي جهة تضمن لهم تلك المصالح،وعلى المغرورين بالتأييد الكاذب من قبل العراقيين مراجعة حساباتهم وإعادة ترتيب أوراقهم فإذا عاد البعث هذه المرة فلن ينجيهم اللجوء إلى الدول الأخرى فالأيدي البعثية ستصلهم أين ما يكونون وعليهم قطعها وهي قصيرة قبل أن تطول فإذا طالت فلن ينفع معها أي شيء آخر،وستكون النهاية المأساوية لجميع العراقيين الذين ذاقوا الويلات في النظام السابق ،و(شبعوا كلاوات) من النظام الجديد.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |