تعليق على ادعية الصحيفة السجادية للامام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام .. سلسلة من الحلقات –  الحلقة الثالثة –  رمضانيات 2008

 

محمود الربيعي/ كاتب وباحث عراقي

mahmoudahmead802@hotmail.com

ضياء من ضياءات ادعية الصحيفة السجادية الكاملة -  دعاء يوم الثلاثاء

 شروحات الصحيفة السجادية

 هناك العديد من الشروحات للصحيفة السجادية، لعل اهمها الذي نود الاشارة اليه هو شرح نور الانوار للسيد نعمة الله الجزائري رضوان الله تعالى عليه،  وشرح المجدد الثاني الامام السيد  محمد الحسيني الشيرازي رضوان الله تعالى عليه، وشرح الشيخ عز الدين بن العلامة محمد الجواد الجزائري رضوان الله تعالى عليهما.

 مميزات الصحيفة السجادية

 ان الحديث عن مميزات الصحيفة السجادية طويل ولكننا نشير هنا الى اللغة البلاغية الفائقة التي يتمتع بها الامام زين العابدين عليه السلام كونه امام معصوم يتمتع بصفة الكمال البشري اذ هو يمثل قمة المخلوقين من البشر كسائر المعصومين من الانبياء والرسل والاوصياء عليهم السلام وهو منهم.. وثراء هذه الصحيفة بكم (كمية) الادعية النوعية، والمتنوعة، وكم المعلومات الضخمة التي تنسجم وصفاء العقيدة الاسلامية الحقة التي تشير الى منزلة الامام وجلال قدره عند الله سبحانه وتعال، وماتشتمله هذه الصحيفة من الادبيات والاثار العظيمة.

لماذا التعليق على ادعية الصحيفة السجادية! هل نريد لها شرحا لغويا ؟ ام نريد لها تفسيرا؟

 كلا فالغرض من هذه التعليقات استخلاص العبر والدروس العامة بما ينفعنا نحن كمسلمين نريد ان نفهم ببساطة ماذا يريد الامام عليه السلام منا؟ وكيف يمكن ان نفهم الدعاء بصيغ بسيطة، ومهما سعينا فلن نبلغ كمال المراد وهذا لايمنعنا من التفاعل مع الدعاء بشكل ايجابي يخدم مسيرة الانسان بالوجهة التي يرشدنا اليها الامام.

الصحيفة السجادية ترجمة دعائية للقران والاسلام

ان الصحيفة السجادية هي ترجمة حقيقية لمفاهيم الاسلام وتعاليمه وهي تسير بموازاة القران الكريم ومتطابقة معه جوهرا ومعنى، وتتناول العقيدة الاسلامية في التوحيد والعدل والنبوة والامامة والبعث، كما تتناول جوهر المفاهيم في العبادة والمعاملة، كما تهتم بسلوك الانسان المؤمن، وتتعرض الى فلسفة الاسلام تجاه الكون والحياة.

الصحيفة السجادية تعبر عن تفاعل المخلوق مع الخالق

 وعندما نتجول في مجموعة الادعية في هذه الصحيفة فاننا نرى مدى تفاعل الامام عليه السلام مع الخالق، والمخلوقين..  بل سائر الخلق من الهواء والماء والتراب والنار، الى الانسان والنبات والحيوان، كما تتطرق الى الملائكة والجن والانس، وتنظر في احوال الخلق وتقلبات الظروف التي يمر بها العباد.

 دعوة الامام الى الالتزام بالاسلام وعبادة الله من خلال الادعية

 وفي كل ذلك يوجه الامام من خلال الادعية التي يطرحها على الناس للالتزام بطريق الحق والامر بالمعروف والنهي عن المنكر..  ولن نستطيع ان نفي بكل ماتتناوله هذه الصحيفة من علوم دينية وانسانية، ولكننا بحاجة الى دراسة هذه الافكار وتطبيقها على ارض الواقع.

  تركيز الامام على ان يكون من الحامدين لله بالشكل الذي يؤمن به علاقته الايجابية

 ان افضل ماقراته عن لفظ الحمد مما مر بذاكرتي مامر في تفسير السيد الخوئي(قدس سره) لسورة الحمد في كتابه البيان، فلفظ الحمد له مدلول عميق، وحق الحمد يليق به تعالى فهو المستحق للحمد، لانه الخالق والباسط والمنعم الى سائر صفات الله الجمالية من النعمة والرحمة والفضل، ومهما حمد العبد خالقه فلن يبلغ غاية الحمد، ذلك لان الحمد يجب ان يتوازى مع حجم النعم، وحجم النعم لايمكن قياسها وادراكها بسهولة، فهي غير منظورة تماما، فنعمة البصر لايمكن ادراك عظمتها الا بفقد تلك النعمة وقس على ذلك بقية النعم، فهل يمكن ان نحمد الله حق حمده؟

نتائج التفاعل بين النفس والشيطان

النفس البشرية ذات كيان خاص مستقل يعمل وفق منظومة معينة بالاتجاهين الايجابي والسلبي، والنفس قابلة لان تتحرك باي من الاتجاهين وحسب اختيارها، رغم ان حركة النفس عبارة عن تكوين روحي ينتج من عملية تفاعل مع الخارج عن طريق التربية والتهذيب، وتختلف درجة تجاوبها باختلاف المؤثرات الخارجية،  فقد تدفعها هذه المؤثرات نحو الاتجاه الصائب او الخاطئ، ويتحدد الاتجاهين بحسب وجهة النظر ونحن هنا نطرح المفهومين الايجابي والسلبي بحسب النظرية الاسلامية من جهة، وبحسب نظرية العدل الالهي ونظرية الفطرة السليمة عند البشر.

 الاستعاذة من شرور النفس، والشيطان 

والامام علي بن الحسين عليه السلام في هذا الدعاء يوجه الانسان المؤمن الى ان يستعيذ بالله من شرور النفس الامارة بالسوء، ومن شر الشيطان الذي يدفعه الى ارتكاب الذنوب والمعاصي. 

اذن فان العامل الثاني الذي يتفاعل مع الانسان عدا النفس والاستعداد الذي هو عليه عند النفس هو الشيطان، ولانقصد بالشيطان ابليس فقط فلابليس جنوده من الجن والانس، وهؤلاء يدفعون بالانسان الى ارتكاب مختلف المخالفات والمعاصي والذنوب والجرائم. 

فاذا كان استعداد النفس السئ حاضرا ومتوفرا بسبب التربية الناقصة والمؤثر السلبي الخارجي كان السقوط في حبائل الشيطان وهوى النفس اكبر.

ولكن الامام عليه السلام يشير الى ان الخلاص يتم باللجوء الى الله سبحانه وتعالى، وذلك ياتي من خلال العيش في جو من الطهارة، وفي رحاب الله الذي ينقذ النفس من التردي والوقوع في حبائل الشيطان وشروره. 

ثلاثة اصناف من الظلمة (الظالمين): القوي الفاجر .. الحاكم الظالم .. العدو القاهر 

ويبين الامام عليه السلام في هذا الدعاء ثلاثة اصناف من العناصر الظالمة التي ينبغي للانسان ان يحذر منها عن طريق اللجوء الى الله سبحانه وتعالى، والاستعداد للقيام بوظائف الحماية الذاتية من شرور هذه الاصناف. 

فعندما تجتمع القوة والفجور في انسان لن تتوقع منه الا الاذى وهكذا كان فعل الجبابرة على مر الدهورمثل يزيد..  كما يحذر الامام عليه السلام من الحكام الظلمة الذين يقتلون الناس بغير حق، وينهبون الاموال مثل معاوية بن ابي سفيان، والصنف الثالث هو ماكان عدوا لله وملائكته وانبياءه ورسله والصالحين من اولياءه مثل كل الجبابرة والطغاة الذين حكموا الارض، ولايزالون يحكمون بالظلم في كل عصر ومصر، لعنهم الله واعد لهم عذابا اليما . 

المطالب الثلاثة للمؤمن: المسؤولية.. العمل الجماعي.. الوفاء لله سبحانه وتعالى

كما يبين الامام عليه السلام الخطوط العريضة التي ينبغي ان يكون عليه المسلم في طلبه من الله عز وجل وهي مطالب ثلاث:

 اولا: ان يكون جنديا من جنود الله وهذا يعني بالضرورة ان يكون مسلما عقائديا يستوعب الرسالة والفكر ويجسدها بشكل عملي ويدعو اليها بشكل مقنع.

ثانيا: ان يكون انتماءه الى المجموعة المنسجمة مع هذه التوجهات والعمل الجماعي الذي يوفر مستلزمات النجاح من التعاون وتوفير الاحتياجات من الدعم والحماية.

 ثالثا: ان يكون وفيا لجماعته ويعمل من اجل المجموع ويدرء الخوف والحزن عنهم، كل ذلك لن يتوفر الا اذا ربط كل هذه المفاهيم والنظريات بعلاقته مع الله سبحانه وتعالى الذي يلبي حاجته ويسدد الجماعة مادامت الجماعة ملتزمة بتلك الخطوط وراعية لاهتماماتها.

مراقبة النفس 

يدعو الامام عليه السلام من خلال هذا الدعاء الى امور:

 اولا: ان يكون المسلم ملتزما بكل ماتتطلبه الرسالة المحمدية من فهم واعي للدين ومتطلبات تطبيقه من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتطبيق الشريعة والقانون الاسلامي بشكل جميل يدعو الاخرين الى الارتياح والرغبة في التعاطف مع سلوكية المؤمنين والانخراط في صفوفهم.

 ثانيا: طلب الاخرة بطريق التوسل بالله سبحانه وتعالى، ويتحقق ذلك بطريق الاستقامة في المنهج والسلوك والفكر، والتحرر من جميع العلاقات مع اهل الشر والفساد.

  الحياة، والموت بين مقومات الخير، والشر

 ان غاية الانسان في الارض ان يكون ذا قيمة معنوية واعتبارية بموازاة متطلبات العقيدة الحقة والمنهج الحق، ويمكن الانسان باجتهاده ان يستغل جميع طاقته وقدرته في العمل الصالح ويزيد من رصيده العملي، لان الحياة بدون قيمة معنوية واعتبارية داخل المجتمع لن تكون طيبة ولن يكون الانسان عنصرا يتمتع بالحياة الكريمة، وعلى هذا الاساس فان الانسان يكون ميتا بدون تلك القيم وتلك الاعتبارات  اذ لاحياة الا بالعمل الصالح، والا فالوفاة ستكون له راحة، فالحياة الميتة هي الحياة التي  ليس فيها عمل صالح، اومبادئ وقيم يعيش لاجلها.

 ان انتقال الامام عليه السلام بين درس ودرس في هذا الدعاء وغيره من الادعية يذكر بمنزلة محمد وال بيته الاطهار عليهم افضل الصلاة واتم التسليم من خلال الصلاة عليهم، كما يذكر المسلمين بان محمد صلى الله عليه واله وسلم هو خاتم الانبياء وتمام عدة المرسلين، كما يذكر بجهود اصحاب رسول الله رضوان الله عليهم من الذين صدقوا النبي وازروه، واتبعوه، ودافعوا عنه وعن منهاجه.

 العقبات الثلاثة التي تقف بوجه الانسان المؤمن وتحجزه عن اداء دوره

 اولا: الذنوب.. ويتطلب من العبد ان يلتمس المغفرة من الله سبحانه وتعالى، ولن يتحقق ذلك الا بنهي النفس عن ارتكاب المحارم، والابتعاد عن ارتكاب الكبائر والصغائر من الذنوب وهو الطريق العملي الصحيح للاستغفار.

ثانيا: الغم.. يتسبب الغم في شل التفكير والممارسات العقلية والذهنية بحيث لايستطيع المؤمن ان يؤدي دوره في الحياة بشكل صحيح، ويتطلب من الانسان المؤمن ان يلتفت الى نفسه، و يحقق اعلى درجات الاستقرار، لكي يكون عنصرا ناجحا ومنتجا، ولايتحقق ذلك الا باللجوء الى الله سبحانه وتعالى.

 ثالثا: العدو.. غالبا مايخطط العدو لشل حركة المؤمن واعداء المؤمن كثيرون فالشيطان عدو، والسلطان عدو، والجبابرة والطغاة اعداء، ولابد للمؤمن ان يستعد لمواجهة هذه العقبات وان يصرف جهده اللازم لتخطيهاوالطريق الى ذلك اللجوء الى الله تعالى والاعتماد عليه سبحانه من خلال الممارساه الجيدة داخل المنظومة الايمانية.

 لفظ الجلالة

 ' الله:  اسم علم للذات المقدسة'..  هكذا يعرفها العلامة الاستاذ السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي في كتابه البيان في تفسير القران عندما يفسر سورة الحمد، وارجو من القارئ المتتبع ان يرجع الى هذا الكتاب النفيس الذي يتميز برقيه العلمي والمنطقي الذي يبرع فيه الاستاذ وهو يفسر هذه السورة ويعطي الملامح العامة للقران الكريم.

 بهذا الاسم يدعو الامام عليه السلام خالقه وبارئه وهو يؤكد ان هذا الاسم هو خير الاسماء، وهو اسم لرب السماء والارض، هذه الارض ومن عليها من الانسان والحيوان والنبات والتراب والطاقة والماء والهواء وكل المخلوقات التي تعيش عليها.. والسماء بابراجها ومنظوماتها وكواكبها وبكل افلاكها وطرقها وساكنيها مما نعلمه اولانعلمه.

 ويتوسل الامام عليه السلام بالله سبحانه وتعالى لدفع المكروه الذي يؤدي الى سخط الله، ويستجلب به كل محبوب يحقق الرضا، وفي ذلك حسن الخاتمة،،وقبول الاعمال التي لاتتم الا بالمغفرة من الله سبحانه وتعالى، لانه الولي، والمحسن وهو ارحم الراحمين.

 المصادر 

الصحيفة السجادية الكاملة للامام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام

البيان في تفسير القران للعلامة الاستاذ السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي رضوان الله تعالى عليه 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com