زيارة رئيس حكومة آل صباح

 

محسن ظافرغريب
algharib@kabelfoon.nl

 كويت مدين للأصل أم العكس؟!، وفي السنة الحسنة:"الولد وما ملك ملك أبيه"(حديث نبوي)!.

خلال شهر رمضان الجاري، يجري الإعداد لزيارة رئيس حكومة آل صباح الكويتية شيخ"ناصر محمد صباح" لرئيس حكومة العراق المركزية الأستاذ

"نوري كامل المالكي" وللقاء الشيخ مسؤولين آخرين في بغداد، وثمة إعداد ترتيبات دقيقة، دائما سرية لأسباب أمنية، بعد تسمية سفير آل صباح لدى بغداد، في مجمع المنطقة الخضراء من العاصمة المحتلة، وبعد قطيعة بلغت سن الرشد بين عامي 1990- 2008م، بين العاصمة بغداد

وحكومة الكويت، نتيجة عبث البعث المباد بالوحدة الوطنية العراقية، سيما بأطرافها الإقليمية ذبيحة الأشلاء، شلو شمال العراق التاريخي وشلو جنوبي العراق التاريخي الجريح، وذلك لمناقشة التعويضات بعد غزو(صدام المدان دوليا!) لحلفاء الأمس، وموضوعي الديون والحدود المجحفين بعراق زمن الشقاق ونفاق الرفاق، المثخن بجراح أبلغ من صمت الظليمة المكبوتة حد قيح القلب.

وكان وزير خارجية(الكويت)"محمد صباح سالم الصباح قد طالب الوطن الأصل العراق في وقت سابق بدفع 16 مليار دولار كديون للفرع المقتطع(كويت)، في حين يقول العراق أن ديون الكويت المتبقية لا تتجاوز الـ8$ مليارات دولار أميركي.

وفيما يسعى العراق لإعادة البناء بعد جيل مضيع المقدرات داخل وخارج عراق الأشلاء والشتات وسفك الدماء ونضح العرق وسفح الدموع وسمل العيون وصمل الآذان وجدع الأنوف، تأمل! حكومة العراق المرغمة، كمن في فيه ماء، وهل ينطق من كان في فيه ماء؟!، تأمل بإعادة النظر في نسبة صادراته النفطية المخصصة لصندوق مقره جنيف أقيم لتسوية قضية المطالبة بتعويضات بعد غزو(المجرم صدام) لمضارب حلفاء الأمس الأعراب بني خيبان في "كويت"(تصغيرا لعمقها الحضاري الطبيعي"كوت" واسط وسط العراق) الأشد كفرا ونفاقا من حملته الإيمانية.

وبموجب شروط سلام فرضتها الأمم المتحدة بعد الحرب يجب أن يدفع العراق 5% من إيرادات النفط كتعويض للكويت ودول أخرى. وبتفويض من الأمم المتحدة نجح إئتلاف بقيادة الولايات المتحدة الأميركية في طرد المجرم المحترف(صدام المعدوم) من الكويت عام 1991م. وذكر موقع(الصندوق)

على الإنترنت أنه بحلول شهر نيسان كان جرى دفع نحو 24.4$ مليار دولار أميركي تعويضات من صندوق الأمم المتحدة لكن أكثر من 28$ مليار دولار أميركي لم تدفع بعد.

أجازت الأمم المتحدة مبلغ 366$ مليون دولار كأخر مطالب التعويضات عن الأضرار البيئية التي تسبب بها الغزو للكويت آب 1990م، ليصل بذلك إجمالي التعويضات المدفوعة في إطار البرنامج 52.5$$ مليار دولار. ومازال العراق يدين بتعويضات بقيمة 32.9$ مليار دولار وافقت عليها لجنة التعويضات، التي بحثت طلبات أخرى بتعويضات قيمتها 50$ مليار دولار عن أضرار بيئية!!.

أيضا أجازت المنظمة الأممية مبلغ 366$ مليون دولار كتعويضات لبعض دول الجوار: الأردن وإيران والكويت والسعودية للأضرار البيئة التي تسبب بها الغزو!!!.

ونالت الأردن أكبر حصة من التعويضات بلغت 162$ مليون دولار إضافة ل 25.9$ مليون دولار كتعويضات للفلسطينيين الذين عاشوا في الكويت وتضرروا من الغزو، فضلا عن ثمن زيارة سويعات عابرة لملك الأردن للعراق، من نفط( كركوك وأختها البصرة) لمدة ثلاث سنوات قادمة من مقدرات جيل داخل العراق الساخن وشتاءات الشتات. أجازت لجنة الأمم المتحدة دفع العراق لـ1.4$ مليار إضافية كتعويض لضحايا حرب الخليج الأولى عام 1990م. فيما نال المبلغ المتبقي حكومات وأفراد في بقية الدول المتضررة.

كما وافقت لجنة تعويضات ضحايا الغزو التابعة للأمم المتحدة على مبلغ 380$ مليون دولار إضافي، للضحايا من الأفراد والشركات الذين تأثروا بغزو عام 1990م. وكانت لجنة الامم المتحدة للتعويضات قد أقرت - وفق بيان لها - أكثر من 190$ مليون دولار ل25 حكومة ومنظمة
دولية واحدة تخص 1069 مطالبة أقرت للتعويض بسبب العدوان على قبرة مسكينة تكامنت، ضيمت وضمت وتمسكنت حتى تمكنت(كويت) فى آب 1990م.

وتدفع لجنة التعويضات، المكونة من 15 عضواً من الدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن، للمتضررين 200$ مليون دولار كل ثلاثة شهور. تبدأ

الدفعات الجديدة منتصف تموز.

ويقول آل صباح إن أي تغييرات لبرنامج التعويضات يتعين أن يقررها مجلس الأمن. وتسعى بغداد أيضا لإعفائها من سداد قروض مستحقة عليها

حصلت عليها من الكويت خلال الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ما بين عامي 1980 و1988م. لكن كثير من الكويتيين ما زالوا يشعرون بمرارة من جراء غزو للكويت عام 1990م.

رغم أنهم على المستوى الشعبي، تبرعوا ذكورا وإناثا لقادسية صدام، وتغنوا بفارسهم؛ صدومي ما مثلك مثل، طشرتهم(العراق حكومة وشعبا) ما بين الدول بالدينار الكويتي والدولار الأميركي الخليجي خاصة السعودي السلفي الوهابي الإرهابي العالمي وبذهب حلي حرائر الكويتيات عراقيات الأهل والأصل، كل ذلك ليستمر غزو فارسهم صدام وأسيادهم الأميركان لأسلاب العراق، ليقعوا ومعهم صدامهم المصدومين به والمصدوم بهم وبأسيادهما معا الأنجلو أميركان، وقد جعل كيدهم بينهم، ليقعوا معا وفي آن، في فخ المغفلين، والقانونين؛ السماوي والوضعي معا أيضا، لا يعفيان المغفلين!!!. وبعد لأي ولتيا، ألغت"الإمارات العربية المتحدة" كل الديون المستحقة على العراق وتبلغ نحو 7$ مليارات دولار، لتنوي حكومة آل صباح أن تقدم طلبا لمجلس(الأمة!) الكويتي، لشطب الديون والتعويضات على العراق، أسوة بما قامت به دولة الإمارات. والمثل الصائب خلاصة تجاريب فلكلور الشعوب، يقول خلال أزمة صواريخ خليج الخنازير على بندقية العجب: عجم/ عرب، البصرة، لولا الغيرة، ما حبلت الخنزيرة!.

في منعطف/ مفصل، مرور نصف عقد من الزمن الردىء، على مخاض التغيير المؤلم في نيسان 2003م، يتراءى حلم علم الثورة العربية الكبرى كابوسا في ظل الإننداب البريطاني الذي إجتاح أقطار الدولة العثمانية؛ العراق، فلسطين، وتمخض عن أول ترسيم ملغوم لحدود وجود الجوار الإقليمي، بإستحداث الكيانات الثلاثة؛ نهر الأردن، إسرائيل، والكويت جنوبي ولاية حاضرة البصرة الطيبة الخربة الحلوب. فكان المخاض خارطة طريق ما زال في طور الحلم العراقي، مثل حلم طوعي لشمال العراق في ظل علم العراق الحالي الإنتقالي، حلم علم تخوم إقليم البصرة المزمع إقامته لتصحيح الحدود والوجود التاريخيين. إقترح الإنجليز على شيخ الكويت اتخاذ علما يختلف عن العلم العثماني ترفعه السفن التابعة له للإنسلاخ عن سنجق البصرة تمهيدا لما سمى بالإستقلال!، فكتب المقيم البريطاني بيرسي كوكس بتاريخ 16 تموز 1905م تقريرا الى سكرتير حكومة الهند جاء فيه:"بالإشارة الى برقية وزارة الخارجية رقم 943 والحاقا ببرقيتي يوم 14/7/1905 أتشرف بابلاغكم بالإجراء الذي قمت به بصدد تقديم المشورة لشيخ الكويت باتخاذ علم مميز لإستخدامه في السفن التي تعود اليه أو إلى مواطنيه. لم يحبذ الفكرة لأن هذا الفعل يزيد من عداء العثمانيين الأتراك لشيخ آل صباح الذي يسعى مبكرا لتحرر جون الكويت. وقلت له انه بالإمكان اضافة شيء أو تغيير تصميم العلم الحالي الذي يرفعه وطلبت منه أن يسمح لي بوضع بعض التصاميم للعلم. وقمت بمقابلة طويلة مع الشيخ حول هذا الموضوع ومواضع أخرى بتاريخ 12 من هذا الشهر وعرضت عليه نماذج من الأعلام المرفقة طيه. شاهد الأعلام ومنها علم مشابه لعلم خديوي مصر، أردت الشيخ أن يشاهده لعله يرغب فيه رغم أنه يحتوي(هلال ونجمة). ثم قرر أن يكون العلم التركي، علم الدولة، على أن تكتب عليه بالعربية كلمة كويت"!.

واقعا راسم خرائط خليج ولاية البصرة، ممثل الحكومة البريطانية هو حكم المنازعات و صاحب الكلمة الفصل، ومن قبل كان المرجع، مصالح التجارة ومواقع السيطرة. ومع اكتشاف نفط العراق وإيران أضيفت مرجعية ظهوره وأعدت خرائط وترتيبات ما بعد الحرب العالمية الأولى على أسسه. وبعد أن رفع منصب بيرسي كوكس ليكون مفوضا لحكومة الهند ومندوبها السامي في الخليج، إتخذ من بغداد مقرا له.

تروي محفوظات الوثائق البريطانية كيفية ترسيم الخطوط بين الكويت ونجد، أن كان عبد العزيز آل سعود سلطانا على نجد فقط، وطلب سير بيرسي كوكس لقياه في منطقة تدعى ((العقير)) لحل مشكل نزاع الحدود بينه وبين الكويت، وعندما جيء بالشيخ والسلطان قام بيرسي كوكس وأمسك قلما ورسم خطا على خارطة، وأصبح هذا الخط حدودا دولية بين ما يعرف بالكويت ونجد، اعتبره السلطان عبدالعزيز مجحفا آنذاك وحزن وكاد أن ينهار، وما زاد في حزنه أنه لم يكن باستطاعته فعل شيء!. أما خط الحدود مع العراق فقد كان أصعب، ذلك أن العراق كان كيانا أظهر وأكبر مما سمى كويت. كان وضع العراق–ومازال– على الخارطة نسبة للجزء المسلوخ منه مثل الجبل، بينما قطعة الأرض التي انسلخت منه تبدو تحته حجر صغير مقتطع منه.

كانت الدولة العثمانية تواجه المؤامرات من كل حدب وصوب، ناهيك عن تذمر كل الأقطار التي كانت تحت امرة السلطان العثماني.

إحدى هذه المؤامرات، مؤامرة بريطانية بواسطة الشريف حسين عون الهاشمي. إذ أوعزت بريطانيا للشريف حسين بالخيانة العربية الكبرى ضد دولة الخلافة العثمانية الاسلامية، وحرضته عليها، ووعدت بجعله ملكا للبلاد العربية على أن يكون مقر حكمه في الحجاز، وكان المقيم البريطاني سير بيرسي كوكس مفوض حكومة الهند ومندوبها السامي في الخليج مقره بغداد.

وقلبت بريطانيا ظهر المجن لشريف مكة حسين الهاشمي، ويقال أنه مات قهرا، وقطع وزير خارجيتها "بلفور" عام 1917م وعده الشهير بإقامة كيان إسرائيل في فلسطين. بعد نكث الوعد مع الشريف حسين، وبعد عدم تلبية رغبته بجعله ملكا للبلاد العربية يحكم من الحجاز كما كان يتمنى، قام الإنجليز بترضيته، بأن جعلوا ابنه فيصلا حاكما على سورية أولا، لكن هذا الحكم لم يستمر طويلا، إذ كان هناك بالخفاء تنفيذ إتفاقية ما يعرف بسايكس بيكو التي قسمت بعض الدول العربية بين فرنسا وبريطانيا، فقامت فرنسا بغزو سوريا إثر معركة ميسلون الشهيرة، وأبعدت فيصلا عن سوريا، فتلقاه الإنجليز، وأجروا استفتاء في العراق لإختياره ملكا عليه، ففاز فيصل بنسبة فاقت 90% من أصوات العراقيين الذين آثروا أن يكون حاكمهم عربي الهوى واللسان ومن نسل بني هاشم، وكان سير بيرسي كوكس ومساعدوه اختاروا بمساعدة المكتب البريطاني في القاهرة فيصل بن الحسين ملكا على عرش العراق باسم فيصل الأول، بعد أن طرده الفرنسيون إثر معركة ميسلون من سوريا عقب غزوهم لها عام 1920م . فيصل الذي تولى حكم العراق بإرادة بريطانية لم يستطع أن يقبل خط الحدود الذي وضعته السلطات البريطانية فاصلا بين العراق والكويت، واعتبره مجحفا بحق العراق، وغير مقبول أبدا، وقال: انه سيكون خائنا لهذا الشعب الذي اختاره ملكا عليه فيما لو قبل هذا الخط المجحف وغير العادل أبدا. حتى الرجال الذين كانوا محسوبين على بريطانيا في بغداد وأولهم نوري سعيد باشا لم يقبلوا بهذا الوضع ابدا، بل اضمروا في أنفسهم شيئا حيال هذا الأمر. أن بريطانيا مصممة على خلق مشاكل مستقبلية للعراق من خلال هذا الكيان المسلوخ منه المزروع في جنوبه.

عام 1933م مات الملك فيصل وكان ضمن الحاشية التي رافقته في رحلة العلاج الى سويسرا ممرضة صهيونية دست له السم في المصل الطبي الذي كان يأخذه، وكان موضوع الكويت من الأسباب التي أدت الى مقتله إن لم يكن هو السبب الرئيس. ثم قتل رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات، بدس السم في طعامه لأنه رفض التنازل عن القدس ورفض اسقاط حق عودة اللاجئين.

وجاء بعد فيصل ابنه غازي، واذ به يأخذ موضوع تبعية الكويت للعراق بمنتهى الجدية، و يجعله موضوعه الرئيس، وشغله الشاغل، وليس له من بعض حديثه إلا تبعية الكويت للبصرة بالذات، كان غازي في معظم أحاديثه ومع أي كان، لا بد أن يدرج في سياقها جملة أن (الكويت قطعة أرض مسلوخة من جنوب العراق ومن البصرة بالذات ولابد أن تعود يوما ما). ووصل الأمر بالملك غازي أن أمر بإنشاء إذاعة خاصة في قصر الزهور يذيع منها بنفسه بيانات تنادي بعودة الكويت إلى الوطن الأم العراق، وتنادي بتبعية الكويت للبصرة، وتذكر بأن أهلها عراقيون، وتقول بأن شيوخها كانوا يتلقون مساعدات من والي البصرة، وأن العراقيين لا يجب أن يسكتوا على هذا الوضع، وأن هذه الأرض عراقية، وأنه من العار اغتصاب جزء من الوطن.

ويكشف تقرير يحمل رقم(23180/371) بعث به المندوب السامي البريطاني في العراق سير موريس بيترسون أن(بيترسون) احتج على نوري السعيد بسبب هذه الإذاعة الموجهة من قصر الزهور وجاء في التقرير ما يلي:"أخبرني الجنرال نوري السعيد الذي كان مع الملك طيلة هذا الصباح بأن البث من إذاعة القصر سببه تسلم الملك برقيات معنونة إليه شخصيا عن هذا الموضوع. وقد عبرت الحكومة الموالية لنا عن أسفها لإستمرار هذا البث، وأعربت عن أملها أن ذلك سوف يتوقف. كانت الصحف العراقية تنشر المقالات التي تنادي بعودة أرض عراقية مائة بالمائة وأن أهلها عراقيون ويجب إعادتها الى الوطن الأم بأي شكل، وبأن طلبة كلية الحقوق في بغداد قد طالبوا السماح لهم بالقيام بتظاهرات تنادي بعودة الفرع للأصل، وأن هذا الذي يحصل من محاولات السلخ وإقامة كيان منفصل عن الكيان العراقي يجب أن يتوقف. كانت الصحف العراقية كلها تطلب من الحكومة العراقية تسليح الجيش العراقي بشكل جيد كي يتمكن من استعادة الكويت وضمها الى الوطن الأم".

ويأخذ هذ الموضوع حيزا واسعا في تقارير المندوب السامي التي كان يرسلها بشكل شبه يومي، ولم يتوان المندوب السامي البريطاني عن توجيه إنذار مباشر للملك غازي بأن التفكير بموضوع الكويت يجب أن يتوقف!. وعشية اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939م قتل الملك الشاب غازي في حادث سيارة مريب في قصر الزهور.

وهذا مقال نشر سنة 1939م :"كان الناس يتدافعون ويستبقون البلاط باكين مفجوعين، مشهد للحزن ما أحسب أن أروع منه يكون، فخالفت الجماهير وقصدت شارع الرشيد فلم أبلغ الصابونية حتى رأيت مئات النساء تحكي ثيابهن ومظاهرهن الغنى والحشمة وهن ينشدن شعرا عاميا أو شبه شعر وكلما قلن بيتا لطمن وجوههن وبكين بحرقة وألم فما رآهن أحد إلا بكى أشد بكاء، ورأيت من بعد آلافا من الناس قد حملوا شاعرا عاميا فهو يقرأ لهم شعرا كله تفجع وألم وهم يلطمون ويضربون صدروهم. وكان يوما عاصفا ومخيفا والنهر مضطربا مرعبا، كأن الطبيعة قد روعها النبأ كما روعنا، ففقدت هي الأخرى اتزانها وهدوءها... وإذا بالكرخ قد نشرت فيه الأعلام السوداء ودقت طبول المآتم وخرج أهلوها عن بكرة أبيهم، النساء يلطمن والرجال يضربون الصدور وقد تعروا وتكشفوا. حتى صارت الصدور محمرة من كثرة الضرب. وكثرت المواكب وكان كل موكب يحمل صورة سيد شباب العرب وكان القوم يقولون: الله أكبر يا عرب غازي انفقد من داره/ واهتزت أركان السما، من صدمة سيارة/ قولوا لفيصل في القبر يستقبل وليده. فلما تم التدفين وأودع الثرى الملك الشاب الذي كان يفيض قوة وحياة وحومت الطيارات الوطنية تحمل شارات الحزن السوداء الطوال، وانطلقت المدافع تعلن انتهاء الدفن، وأيقن الناس أن المصيبة قد تمت وأن الرجاء قد امحى.. فأسلموا أمرهم لله وصمتت الألسنة التي طالما انشدت ورثت وتفجعت وجفت الدموع التي طالما ذرفت .. وانفضت الجموع واجمة ما فيها من يتكلم أو ينبس وفي القلوب نيران .. ولم تسكت آخر طلقة من طلقات المدفع التسعة والتسعين حتى عم المدينة صمت عميق وغدت كأنها قبر واحد هو قبر غازي. من كان يظن أن الملك الشاب ابن الخمس والعشرين يموت؟! من كان يظن أن هذه الهبة الكبرى انما هي استعجال للقدر؟! يا غازي.. لقد كمل الجسر العظيم الذي لم ينشأ مثله في عهد الرشيد والمأمون فأين أنت لتفحه بيدك وتخطو فيه أول خطوة بقدمك؟! لقد وصل الخط الحديدي الى الموصل أفلا تفضلت فرعيته وافتتحته؟! لقد تهيأ العرب ليمشوا تحت لوائك الى قمم المجد وذرى العظمة فتقدم يا مليك العرب يا قائد العرب!. أين قائد العرب؟!. أين المليك؟! .. لقد مشى الى رحمة الله! .. فإنا لله وإنا إليه راجعون. لقد كان لنا مناط الأمل.. لقد كان لنا كل شيء. فيا أهل بغداد كلنا في المصيبة سواء".

قبل نصف قرن من الزمن الردىء(سنة 1958م وفي وقائعها): قيام الوحدة بين مصر وسوريا، ثم محاولة الملوك في بغداد وعمان اعلان قيام اتحاد هاشمي ليجمع بين البلدين في وحدة اعتبرها البعض ردا على هذه الوحدة، وتكشف الوثائق البريطانية إن البلدين طالبا الحكومة البريطانية بحل مشكلة العلاقات بين العراق والكويت . وفي حزيران 1958م كتب السفير البريطاني في بغداد الى حكومته ما يلي:

"أنه سمع أن هناك تفكيرا بأن إذا لم توافق الحكومة البريطانية على الطلب الهاشمي، فإن الإتحاد الجديد يستطيع أن يتدخل ويضم الكويت إليه، عارفا أن بريطانيا لن تستطيع عمل شيء لمقاومة ذلك، وإلا كان معناه أنها ستحارب الطرف العربي الوحيد الذي يساندها في عدائها وحربها لجمال عبد الناصر بعد معركة السويس، والذي سيجد له أنصارا كثيرين بين العناصر القومية في الدويلات الناشئة على شواطيء الخليج".

لم تمض أسابيع حتى قامت ثورة 14 تموز 1958م في العراق وانتهى الحكم الملكي بالنهاية المأساوية التي لم يوافق عليها الكثير من العراقيين. لم يوافقوا على تلك النهاية للأسرة المالكة، التي كانت نهاية دموية. وقام الزعيم الأمين"عبدالكريم قاسم"، بفتح موضوع تبعية الكويت للعراق، فأثاره في مناسبة اتفاق تم التوصل إليه بين بريطانيا وشيخ الكويت سنة 1961م يقضي بإعلان إمارة الكويت دولة مستقلة، وتقدمت الدولة الجديدة لعضوية الأمم المتحدة ولعضوية جامعة الدول العربية، لكن عبد الكريم قاسم ما لبث أن حشد رجال الجيش العراقي حول البصرة مهددا بالتدخل العسكري لإعادة الكويت إلى العراق، مؤكدا أن هذه دويلة مسلوخة من البصرة نفسها، وأن العراق لن يوافق عليها كدولة مستقلة، حينها، حاول الإنجليز تأخير انسحاب قواتهم من الكويت وأعادوا بعض القوات التي انسحبت عائدة الى لندن. تصدى عبدالناصر مصر، عليه أن يحافظ على استقلال الكويت.

تكشف وثائق وزارة الخارجية العراقية أنه في تموز 1961م وقف"عدنان ‏الباجه جي"(ابن أحد ‏رؤساء الوزارة البارزين"أحمد حمدي الباجه جي") أمام مجلس الأمن بادئا بطلب رفض شكوى ‏حكومة الكويت من التهديدات العراقية قائلا:"إن الكويت ليست الآن، ولم تكن ‏في أي وقت في الماضي دولة مستقلة، وقانونيا وتاريخيا فإن الكويت كانت ‏باستمرار جزء لا يتجزأ من ولاية البصرة العراقية"، ثم يمضي حسب الوثائق ‏في شرح الحجج التاريخية والقانونية التي يعزز بها هذا الرأي كاشفا ان آل صباح كانوا مجرد حرس لأهالي السكان الذين كانوا يجوبون البحار في سفنهم ‏إما لصيد السمك أو استخراج اللؤلؤ أو للتجارة. ابن شقيقه زميله في(مجلس الحكم)"إبراهيم الجعفري" لاحقا كان ضابط احتياط برتبة ملازم شارك في في غزو الكويت.‏

نجح العراق في تعطيل انضمام الكويت الى عضوية الأمم المتحدة لمدة سنتين، ‏رغم أن العرب ارسلوا قوات لحماية الكويت من الجيش العراقي، وكانت تلك ‏القوات مصرية بالدرجة الأولى، ولم ينفتح الطريق أمام الكويت لدخول الأمم ‏المتحدة إلا بحملة علاقات عامة (وخاصة) ودفع رشاوى هنا وهناك تكلفت قرابة ‏مليون دولار في ذلك الوقت، تضمنت فيما تضمنته تأمين الحصول على أصوات ‏بعض الدول الأفريقية والآسيوية الصغيرة والفقيرة في الجمعية العامة، وتحقق ‏ذلك بنكبة سيادة وقيادة العراق في 8 شباط الأسود 1963م التي تحالف فيها الأميركان وعميلهم عبدالناصر مصر.‏

وانتهى حكم الانفصال في دمشق ‏بعده بشهر واحد، وطلب حزب البعث إقامة وحدة ‏تجمعه مع عبدالناصر مصر.

وعندما جاء وفد برئاسة نائب ‏رئيس وزراء البعث علي صالح السعدي الى القاهرة للتباحث حول موضوع الوحدة مع جمال عبد‏الناصر، فإن أول موضوع فتحه الكويت، وكان الوفد يحفظ ‏عن ظهر قلب كل الحجج والوقائع التاريخية والوثائق والخرائط التي تعزز ‏دعاويه.

لكن جمال عبدالناصر كان له رأي آخر في الموضوع تلخص في: أن ‏ما يطلبه العراقيون حق مشروع يعتقد أنه الآن قد فات أوانه بعض الشيء ‏بسبب أن الإنجليز لم يعودوا وحدهم يريدون السيطرة على نفط الخليج، إنما ‏هذه السيطرة انتقلت أكثر إلى أيدي الأميركان، ولذلك فإن أي أحد يريد أن يضم ‏دولة من دويلات الخليج فإن أول من سيواجهه هو أميركا القوة العظمى ‏المتنامية، على ان الإتحاد السوفييتي نفسه يسلم بأهمية نفط الخليج لأميركا ‏والغرب عامة، إنكم لا تعرفون مدى حساسية الغرب تجاه موضوع الكويت، أننا ‏حين أعدنا العلاقات مع بريطانيا، طلبوا فتح خمس قنصليات في كل من: القاهرة ‏والإسكندرية وبورسعيد ودمشق وحلب، فطالبنا نحن أيضا بخمس قنصليات في ‏بريطانيا وتوابعها، وطلبنا أن تكون هذه القنصليات في كل من: لندن وليفربول ‏ودار السلام وعدن والكويت، فوافقوا على كل المدن إلا الكويت.. وقال لنا السير ‏كولين كرو، أبدا إلا الكويت..فهذه المنطقة بالنسبة لهم ليس فيها هزار. ثم ‏مضى عبدالناصر بشرح الكثير من الوقائع والمخاطر وخطط الغرب وأميركا.‏ وأستعمل البعث مطية لترسيم حدود جنوبي إقليم البصرة(الكويت التي بيعت أراض كما في فلسطين من قبل لوبي البترودولار) ليتوسع من نقطة ما يعرف بالمطلاع الى أبعد من ذلك اليوم!!!.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com