|
العراق الجديد وأزمة الرموز القدوة
أحمد رضا المؤمن يُعاني العراق مُنذ مُدة طويلة أتصوّر بأنها بدأت مُنذ إنقلاب شباط الأسود عام 1963م من أزمة حادة جداً في وجود شخصيات تجتمع فيها عناصر الكاريزما القيادية المطابقة لمواصفات الحاجة العراقية لها في المقاس واللّون والشكل والعدد .. فمُنذُ إستشهاد الزعيم الشعبي عبد الكريم قاسم لم تظهر في العراق زعامات كبيرة على مُستوى السلطات أو حتى الشخصيات إلاّ اللّهم في الأوساط الدينية كما حدث في بروز شخصية شهيد العراق آية الله العظمى السيد مُحمّد باقر الصّدر مطلع السبعينيات ثُم بعد قُرابة عقدين شهيد الجمعة آية الله العظمى السيد مُحمد الصّدر مطلع التسعينيات وأخيراً شهيد المحراب آية الله العُظمى السيّد مُحمّد باقر الحكيم عام 2003م . والمقصود بالزعامات التي يُمكنني وصفها بـ(الزعامات الجامعة) هي الزعامات التي يتطابق واقعها وتطلعاتها وطموحاتها مع واقع وتطلعات وهموم وطموحات الطبقات المحكومة والشعبية أي بعبارة أخرى الزعامة التي تجتمع فيها مواصفات ثقافية وأخلاقية وإنسانية وعقلية تؤهلها لتكون قدوة يُحتذى بها من قبل الجماهير المحكومة وحتى الحاكمة في بعض الأحيان بحسب مدى قوة تأثير كاريزما هذه القدوة . العراق اليوم وبكُل صراحة يفتقد لمثل هذه (الزعامات الجامعة) التي تصلُح لأن تكون قدوة للشعب العراقي خصوصاً في هذه الفترة التي يُعاني فيها العراقيون من شظف العيش وتردّي الخدمات وشيوع ظاهرة الفساد الإداري . أحاديث الناس في العراق بمختلف طبقاتهم الأمية والمثقفة، الفقيرة والموسرة، المستقلة والمتحزّبة، تشعُر بخواء وفراغ كبير في كيان الأُمة العراقية إن صحّ التعبير سببهُ عدم وجود تلك القيادة الجامعة التي تمتلك من المواصفات ما يجعلها في منآى عن سكاكين إنتقاد الطبقات المتضررة والمستضعفة من أبناء الشعب العراقي الغارق في مشاكل الصيف وسوء الخدمات ووو .. فمن منا يجرؤ الآن على تعيين شخصية عراقية ما دون أن تتعرض هذه الشخصية للتجريح والرمي والقذف والتسقيط حتى على لسان الطبقات المثقفة قبل الأمية والبسيطة . فالكُل الآن لا يملك في الوجدان الشعبي العراقي أي رصيد كافي يؤهلهُ لأن يكون مضرب المثل والقدوة التي يرتاح الضمير الشعبي لعدلها وإنصافها ومواساتها . العراقيون اليوم بأمسّ الحاجة إلى شخصية يجتمع فيها زُهد "غاندي" وشجاعة وطموح "الخميني" وصمود ونضال "نيلسون مانديلا" ووطنية "الشهيد عبد الكريم قاسم" وتضحية وبطولة "الشهيدين الصدرين" وحكمة وتخطيط "شهيد المحراب الحكيم" .. العراقيون اليوم بأمس الحاجة إلى زعامات تملك شهادة الكفاءة في أن تكون قدوة في مواساة جراحات الشعب التي وللأسف الشديد بدأ الكثير منها بالإنفتاح مرة أخرى بعد أن سكنت وكادت أن تَندَمِل بفعل آمال وطموحات لم تَستَمِر طويلاً .. العراقيون اليوم بحاجة إلى من يواسيهُم "واقعياً" وليس "كلامياً" و"إعلامياً" في مشاكلهم اليومية من إنعدام تام للكهرباء الوطنية وإرتفاع جنوني في الأسعار وحرمان من حقوقه في مُفردات البطاقة التموينية وأزمة سكنية خانقة لا يشعُر بها من يَتَمَشدَق حديثو النعمة من سُكّان المنطقة الخضراء وإنتشار ميليشيات الحمايات الأمنية الشخصية التي تروع الأبرياء لا لشيء سوى لإشباع عُقد نفسية ومظاهر مُدمرة لأي أمل في تحقيق نهضة شعبية مُستقبلاً . العراقيون اليوم بحاجة إلى من يعيش بمستوى مُنخفض ومسافة قريبة منهم ليتحسّس مُعاناتهم ليس بالكلام والإعلام والترويج الإنتخابي فقط بل بالواقع الملموس المؤثر القادر على خلق نموذج ضاغط على الواقع السلبي الخطير الآخذ بالتوسع والتعمّق وليكون على أقل التقادير عامل مواساة لجراحات المتضررين من سياسات العهود السابقة . النخب المثقفة اليوم تُحاول قراءة وإستشراف الواقع العراقي الحالي والمستقبلي للتحقق من بطنه المعطاء فيما إذا كانت حُبلى بشخصية جامعة تصلح لأن تكون مثلاً أعلى للعراقيين لا يخيب ظنهم في الوطنية والأخلاق والحكمة والتعقّل والزهد والقناعة وجميع عناصر الكاريزما التي يحتاجها الواقع العراقي الحالي .. أم أنّها لا سمح الله تُعاني من عُقم سببهُ سوء نوايا كُلاً من الحاكم والمحكوم والعياذ بالله .. نتمنى أن لا يكون ذلك . فما زالت في العراق قلوب حرّى تنتظر بفارغ الصبر تلك الشخصيات الجامعة (القدوة) التي يُمكنها أن تصون في (نفس ووجدان وضمير) الناس الباقين حلاوة تمر نخيله الباسقات وعذوبه دجلته وفُراته وجودة مياههُ السوداء الغزيرة وبريق مآذنه وقبابه الشامخات . أيها (القدوة العراقي) القادم نحنُ بإنتظارك على أحرّ من الجمر .. عجّل يرحمُك الله في مواساتنا ومُداواة جراحاتنا الغائرة بفعل الماضي المليء بالأخطاء والذنوب ..
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |