|
عودة الى قانون الخدمة الجامعية الجديد
أ. د. محمد الربيعي كنت قد تعرضت الى قانون الخدمة الجامعية الجديد في العراق في الماضي (راجع مصدر 1) بدراسة اشرت فيها الى عدد من الفقرات الايجابية والسلبية التي تطرق لها القانون، واستنتجت ان القانون قد استند روحا ومضمونا على القانون القديم، فأضاع فيه المشرع فرصة ذهبية لكي يعالج بايجابية، وبما يتناسب روح العصر ومجتمع المعرفة، ويستجيب لمتطلباته بوضع أساليب وطرق تحديث معارف الاستاذ الجامعي وتحويله الى متعلم دائم التعلم لينمو مهنيا في مجال عمله. ولم أتطرق في دراستي السابقة الى ما أهمله القانون من أمور مهمة كان لابد له ان يأخذها بنظر الاعتبار اذا ما أريد له ان يصبح مناسبا لتنظيم الحياة الجامعية في القرن الواحد والعشرين. وهنا أريد طرح بعض الاقتراحات الاضافية والتي ارجوا دراستها من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والجامعات العراقية لغرض تعديل القانون في اقرب فرصة بما يفترض من مرونة في عملية التخطيط والتعديل للقوانين فالتغيرات في عالم التعليم الجامعي لا تنقطع، والجمود يؤدي الى تردي التعليم وازدياد الفجوة. التحدي الحقيقي الذي يواجه الجامعات العراقية هو انخفاض نوعية التعليم والبحث العلمي ولهذا فهي تواجه تحديا مستمرا للبحث عن الافضل، لترتفع بمخرجات التعليم الجامعي الى المستوى المطلوب، او بالمواصفات التي يتطلبها سوق العمل. ولكي تتمكن الجامعات من تحقيق هذا الهدف لابد من توفر عوامل مهمة منها الارتقاء بمستوى الاستاذ الجامعي وتخليصه من التقليدية والرتابية في ممارسة المهنة، وتنميته مهنيا واكاديميا بالصورة التي يتطلبها مجتمع المعرفة. قانون الخدمة الجامعية لم يتطرق لهذه المهام، كما انه لم يضع الأسس الملائمة لجذب افضل الأساتذة والباحثين والخبراء للعمل الجامعي، واستنادا للقانون فأن كل من حصل على شهادة عليا يحق له ان يصبح استاذا في احدى الجامعات من دون منافسة او دراسة لمؤهلاته او حاجة حقيقية لاختصاصه. وفي بلد لا تتوفر فيه فرص عمل اخرى لاصحاب الدراسات العليا يصبح التعليم الجامعي فرضا من فروض التعيين في الدولة. كيف يمكن لجامعاتنا ان تتحرر من القيود التي وضعها قانون الخدمة الجامعية وتدخل السوق الوطني والعالمي في البحث عن افضل الاساتذة بحيث تقدم لهم عروضا تتناسب مع مستواهم وانجازهم العلمي، وليس فقط استنادا على عدد سنوات الخبرة الوظيفية؟ على سبيل المثال يوجد عدد كبير من الاساتذة العراقيين في المهجر يتبؤون مراكز علمية مرموقة في جامعات غربية، فهل من الممكن ان تقدم لهم الجامعات العراقية عروضا مغرية لاستقطابهم للعمل في العراق بصورة كلية او جزئية؟ كيف يمكن تنظيم عمل الاستاذ الذي يعمل بصورة دائمة في الخارج وبصورة مؤقتة بالداخل؟ اذا استطاعت الجامعات العراقية ان تنافس الجامعات الغربية وان تتنافس فيما بينها في العروض، وهو اسلوب ليس بالغريب او الجديد، فقد جربته جامعات في بلدان اخرى، فاننا نتوقع مستقبلا باهرا تصل به هذه الجامعات الى المستويات العالمية، وبدونه ستبقى جامعاتنا جامعات محلية تقوم بتخريج أعداد هائلة من الطلبة غير المؤهلين تأهيلاً كاملً أو صحيحا ولا تقدم بحوثا نوعية ورائدة. والمنافسة من اهم الامور التي تشجع الابداع والابتكار والتطوير والتحديث والتغيير السريع لمسايرة تطورات العمل الجامعي والسوق العالمي. وهنا لا يسعني الا ان اذكر مثالا لما يمكن ان يحدث لجامعة عراقية اذا رغبت في تعيين عالم مرموق فأنها ستواجه بقانون الخدمة الجامعية الذي يضع سقفا لراتب الاستاذ وتحدد واجباته ومؤتمراته العلمية ونشاطاته الاكاديمية وعدد ساعات تواجده بداخل الجامعة وبصورة لا تختلف عن معاملة أي موظف آخر في الدولة، بحيث يصبح من المستحيل اجتذاب الخبرة العلمية الملائمة من الخارج لغرض انتشال الجامعات من مأزقها الاكاديمي ومستوياتها المتردية. ولعله من الغريب جدا ان نجد الجامعات العراقية لا تتمكن من تعيين أي اكاديمي برتبة استاذ (بروفسور) مهما علا مستواه العلمي او حتى لو كان حاصلا على جائزة نوبل. ان خضوع الجامعة الى نظم الدولة التي تمنع التشغيل المؤقت ولا تسمح بمنح مخصصات اضافية وحرية كاملة في التعاقد مع أي استاذ عالمي ودفع رواتب توازي تلك التي تدفع في الدول المتطورة لا يساعد أبدا في تطوير الجامعة والتعليم الجامعي. والخلاصة ان الجامعة يجب ان تمنح مرونة تنظيمية اكثر، وحرية أوسع في اختيار عناصر هيئاتها التدريسية والبحثية، وفي التعاقد وإنهاء العقد والرواتب والمخصصات وتحديد مسؤليات عناصر هيئة التدريس. في مقالة سابقة (انظر مصدر 2) كنت قد قارنت بين الاسلوب المتبع في ادارة الجامعات وإدارة فرق القدم العالمية الكبرى، قلت فيها: "هل يمكن تصور كيف سيكون مستوى فريق مانجستر يونايتد او برشلونة اذا ما فرضت عليهما القيود والقوانين المفروضة على الجامعات؟ ماذا سيحدث اذا ما كان اللاعبون موظفي دولة وبرواتب متساوية تحددها الدولة؟ وماذا سيحدث اذا طلب منهم ان يلعبوا يوميا دون الاخذ بنظر الاعتبار مستواهم في المباريات الرسمية واثناء التدريب؟ وماذا سيحدث اذا ما انعدم الارتباط بين مدخولات النادي ونتائج المباريات، واذا لم يستطع النادي ان يدفع أعلى المبالغ لأحسن اللاعبين، او لم يستطع من التخلص من أسوأ اللاعبين؟ وماذا سيحدث اذا ما قررت استراتيجية اللعب من قبل الدولة وليس من قبل المدرب؟ اليس مثل هذه الاجراءات ستؤدي بسقوط هذين الناديين الى اسفل الدوري، وضياعهما بين النوادي الصغيرة. واذا ما اتفقنا بان مثل هذه الاجراءات غير حكيمة وغير صحيحة، فلماذا نسمح لجامعاتنا الاستمرار تحت ظل مثل هذه الظروف؟ " ان هذا يدل من دون شك على اننا لا نهتم بتعليم اجيالنا الصاعدة ولا بتوفير الظروف الملائمة لعمل الاستاذ الجامعي ولا نكافئ الاستاذ القدير وتشجيعه لتطوير انتاجه العلمي. لنتوقف قليلا لنرى اولا ما تضمنه قانون الخدمة الجامعية من نقاط دون مناقشتها لكي نتمكن من معرفة ما لم يتضمنه القانون. تطرق القانون الى ما يلي: 1- واجبات موظف الخدمة الجامعية 2- صلاحيات الوزير ورؤساء الجامعات 3- العلاج والاجازة والتفرع العلمي والمخصصات 4- التقاعد وما لم يتطرق القانون له هو: 1- الاجازة المرضية 2- اجازة الولادة والاجازة لأسباب قاهره 3- العقود غير الدائمية وانهاء الخدمة 4- الحقوق الوظيفية والادارية للاستاذ 5- تقييم الاداء والمحاسبية والعقوبات والفصل 6- الفعاليات الخارجية والعمل خارج اطار الجامعة 7- السرية 8- الملكية الفكرية وبراءات الاختراع 9- التطوير والنمو المهني 10- الصحة والسلامة 11- الاحترام داخل الجامعة 12- التطوير الاداري والاكاديمي 13- الحرية الاكاديمية من هذا نرى ان قانون الخدمة الجامعية قد اهمل عددا من الامور المهمة التي تتعلق بالعمل الجامعي والحياة الجامعية، وبرغم ان معظم هذه الامور لا تحتاج الى تفصيل وتبرير الا اني اعتقد انه من المهم مراجعة بعض النقاط المذكورة اعلاه، ومنها: تقييم الأداء يمثل التقييم احد المجالات المهمة في اية منظمة من المنظمات المعاصرة وهو يستند الى معايير واضحة ويضع لكل عمل اكاديمي طريقا واضحا لانجازه. ولكي يكون الأكاديميون العراقيون اكثر اقتدارا وكفاءة في التدريس والبحث والتعامل مع متطلبات العمل الجامعي في القرن الواحد والعشرين لابد من ان تصف لهم اسلوب التميز وتشجعهم للوصول اليه وتساعدهم على بذل الجهد والتعاون من اجل انجاز المهام بأفضل أداء ممكن، ولتحديد درجة التفويض والتعاون المتاحة للاستاذ في الكليات والاقسام لتحمل المسؤليات واتخاذ القرارات. لذا لابد من وضع أسس تحدد ماهية الكفاءات والدرايات والمهارات البشرية ونظام تقييم يستند على الأداء حتى يحرر الجامعات من الأحكام الشخصية والنظم التقليدية. التطوير والنمو المهني لقد اكدت سابقا على أن ضآلة النمو المهني للاستاذ الجامعي وعزوفه عن المساهمة في الاصلاح والتجديد التربوي بالجامعات اصبح سمة من سمات التعليم الجامعي في الوقت الراهن. ان الجامعات كمؤسسات لم يعد يتوافر لديها فلسفة اجتماعية ولا منهجية علمية ولا خطة واضحة تحدد معالم وطرائق العمل في مجالات خدمة المجتمع. لقد اهمل قانون الخدمة الجامعية الجديد تطور الاستاذ التربوي والعلمي. اننا نشهد اليوم تغيرا لفلسفة التعليم حيث اصبحت تؤكد على التحول من التعليم الى التعلم والتركيز على نشاط المتعلم، وفق القول المأثور: "التعليم والتعلم وجهان لعملة واحدة". لذا فالمفروض ان يساعد قانون الخدمة الجامعية على تحويل المعلم الجامعي الى متعلم دائم التعلم بحيث يمارس عمله بوعي وتفكر وينمو مهنيا في مجال عمله ويتحول الى قائد وموجه ومرشد لطلابه والتجدد المستمر من خلال الدراسة والإطلاع والمتابعة، ومن ثم تحسين أدائه بشكل دائم وتجعله اكثر وعيا بالجديد في مجال تخصصه، وتساعده على النمو المستمر والقدرة على الشراكة والعمل الجماعي. فيا ترى، هل تضمن قانون الخدمة الجامعية مسألة الارتقاء بالاستاذ الجامعي، سواء في التخطيط او التدريس او استخدام التقنيات او البحث؟ وهل ساعده في تبني أساليب التعلم النشط والتعلم التعاوني والتعلم البنائي وغيره من الاساليب التي تسهم في تحسين الاداء؟ الحرية الاكاديمية لكي يتمكن الاستاذ الجامعي من ممارسة التدريس والبحث العلمي والنشر والادارة الوظيفية والاكاديمية لابد من ضمان حقه في حرية التفكير التحليلي - النقدي والمبادرة والتجديد ضمن أسس وقواعد التقصي عن المعرفة من دون تدخل او عقوبة من الدولة او من يمثلها. فالاستاذ له الحق في طرح الرأي والبحث والنشر من دون خوف او انتقام او تدخل سياسي وفي بيئة مبنية على التسامح وتقبل الآراء المختلفة والمتضادة. وللاستاذ الحق في طرح الرأي والمناقشة في موضوع اختصاصه بداخل الصف الدراسي، والحرية الكاملة خارج الصف بداخل الحرم الجامعي في طرح أي رأي، وحول أي موضوع، من دون منع او معاقبة. وهذا ما كان على القانون تضمينه لتحصين مؤسسات التعليم العالي ضد انتهاك الحرية الاكاديمية ولضمان الالتزام بقيم العلم واخلاقياته وفي التفاعل مع الطلاب والمجتمع الخارجي. وبناءً على كل ما تقدم، نرى أن هناك حاجة ماسة إلى مراجعة القانون، وتعديل المواد التي تتعلق بمهام الأستاذ الجامعي وعضوية هيئة التدريس والتعين، والتفرغ العلمي، وتخليصه من الغموض والالتباسات، بالإضافة إلى إدخال مواد جديدة تتعلق بالتطوير والنمو المهني للأستاذ الجامعي، وتقييم الاداء والحرية الاكاديمية لتصبح الجامعة بالإضافة إلى كونها مؤسسة أكاديمية، جهاز تدريب لإشباع حاجات ومطالب سوق العمل وجهاز بحث لحل مشاكل الاقتصاد وتطوير العلوم والتكنولوجيا. ــــــــــــــــــــــــ المصادر: http://www.iraqoftomorrow.org/wesima_articles/articles-20080517-55571.html http://www.almadapaper.com/paper.php?source=akbar&mlf=copy&sid=46077
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |