|
عراق 2009 ... بعيون امريكية
قاسم الحيدري اشرفت فترة تولي الرئيس الجمهوري جورج بوش رئاسة الولايات المتحدة الامريكية على نهايتها ,هذه الحقبة الساخنة بالاحداث والتي يتصدرها احتلال افغانستان والعراق, انتهج الرئيس بوش نهج غريب في قيادته لامريكا في حقبة غاب بها القطب الاخر المنافس وظنت امريكا بقيادتها المتهورة انها اصبحت قادرة على السيطرة والنفوذ على العالم كله وذلك بالسيطرة والتواجد على منابع البترول في المياه الدافئه والذي يتيح لامريكا لوحدها ان تتلاعب في الاسعار والبيع والشراء وكذلك التواجد بكثافة على حدود روسيا والصين بحجة محاربة الارهاب , احتلال العراق وتدميره شعبا ودولة كان خطوه مهمة جدا من اجل تحقيق الامن لاسرائيل كما اعتقد الطرفين الامريكي والاسرائيلي والذي يتيح للطرفين ان يرسموا خريطة جديده للشرق الاوسط بدون مقاومة او منازع بما يحقق مصالحهما الاقتصادية والايدولوجيه وذلك بنشر مفاهيم الديمقراطية والحرية على الطريقة الامريكيه وكذلك سيطرة اسرائيل على اقتصاد وسوق المنطقة التي هي بحاجة ماسة له. بعد احتلال العراق عام 2003 ظن الامريكان انهم قادرون على الارض ومن فيها وكانت نشوة النصر المزعوم تعلو جباه المسؤولين في البيت الابيض , ولم يقتصر هذا الاعتقاد على الساسة الامريكان انفسهم بل امن بها الكثير من قادة دول العالم الثالث الضعيفة والمغلوب على امرها ومن ضمنها الدول العربية التي كانت الضحية الاولى لتلك الهيمنة والتي انهارت كل مقومات المقاومة والمناوره عند حكامها والذين لم يبدوا أي جهد او فعل من اجل الوقوف امام المشروع الامريكي الصهيوني بل شاركوا في تحقيقه وسلموا اراضيهم واموالهم من اجل ذلك دون حساب النتائج. كان لدور المقاومة العراقية الشرسه للاحتلال وتكبيده خسائر جسيمة في الارواح والاموال واضحا وذلك بأتاحة فرصه ذهبيه لكل القوى والدول التي تضررت مصالحا السياسية والاقتصادية في هيمنة امريكا على العالم بل استغلت هذه الدول انشغال امريكا وتورطها بالوحل العراقي لاستغلال ثغرات لم تكن في حساب واشنطن المغروره بقدراتها العسكرية الضخمة ومن تلك الدول ايران وروسيا وكذلك بعض دول الاتحاد الاوربي. استغلت ايران سقوط نظام البعث في العراق والذي كان الجبهة الوحيده التي كانت تقف امام المد الايراني بعد ثورة الخميني والتي تبنت تصدير الثورة والتسلل الى قلب الامة العربية عن طريق استغلال العاطفة الدينية بالشعارت ضد امريكا "الشيطان الاكبر" ودعم الاقليات الشيعية في بعض الدول العربية فكان الاحتلال الامريكي هو المظلة التي استغلتها ايران للنفوذ في العراق فكان دعم ودفع الاحزاب الموالية لها للترحيب بالاحتلال واستغلال الفراغ السياسي الذي حدث بعد الاحتلال من اجل مليء الفراغ بسرعة وذلك بتبني كل ماجاء به الاحتلال بل الدفع بقوة من اجل حل كل مؤسسات الدولة العراقية خصوصا الامنية وتعويضها بقوى موالية لايران من اعلى رتبة الى اصغر رتبة ثم التغلغل في كل مفاصل الدولة العراقية بشخصيات ايرانية الجنسية والتواجد بكثافة في الجنوب العراقي الشيعي وخصوصا كربلاء والنجف مستغلين وجود المرجعية التي هي جزء من هذا المشروع لكونها ايرانية ايضا فالسيستاني رفض الجنسية العراقية عندما عرضت عليه بعض الشخصيات في حكومة الاحتلال وهذا دليل قاطع على ولاء المرجعية الكامل لايران. دعمت امريكا وبعض الدول العربية المقاومة الافغانية في عهد احتلال ماكان يسمى الاتحاد السوفيتي والتي كان لها الدور الاعظم في سقوط الاتحاد السوفيتي وتفككه وخسارة الكثير من اراضيه التي انفصلت وتحولت الى دول مستقلة بل البعض منها ارتمت في حضن امريكا بل وافقت على نشر سلاح ردع على اراضيها بمحاذاة حدود روسيا. جاء الوقت المناسب للقيادة الروسية مستغلة تورط امريكا في العراق وانعدام مشروع واضح في كيفية الخروج من العراق وذلك لمحاولة اعادة الهيمنة على منطقة القوقاز الستراتيجيه او بعضها وحماية حدودها من التواجد العسكري الامريكي المباشر. لقد كان لدور المقاومة العراقية وبلا ادنى شك واضحا جدا في تراجع النفوذ والهيمنة الامريكية الكونية وفرصة ظهور قوى اخرى منافسة اصبح اقرب من أي وقت مضى منذ سقوط الاتحاد السوفيتي , ولم يقتصر الامر على ايران وروسيا بل ان التعثر الامريكي في العراق منح دول اخرى مثل فرنسا دورا جديدا خصوصا بعد وصول ساركوزي الى الرئاسة في فرنسا والذي استغل التورط الامريكي في العراق والتواجد مرة اخرى سياسيا في الشرق الاوسط وما التقارب الفرنسي السوري الا دليل واضح على مانقول. استغلت فرنسا انشغال امريكا بالعراق فقامت بأنشاء حلف جديد من نوع جديد متجاهلة الموقف الامريكي من سوريا بل حظر الرئيس الفرنسي ساركوزي اجتماع رباعي في دمشق معلنا تأسيس حلف جديد يجمع سوريا وفرنسا وتركيا وقطر, هذه التوليفة الغريبة التي تجمع بين دول حليفة لواشنطن مثل تركيا وقطر ودول غير حليفة كسوريا التي تربطها بأيران علاقات استراتيجية ماهو الا مؤشرا واضحا على ان اطرافا مثل فرنسا استغلت فرصة انشغال الامريكان بالانتخابات وكثرة مشاكلهم في العراق والصورة الضبابية للمستقبل في العراق والذي قاد الى مواقف ورؤى غير واضحة حول كيفية التعامل مع المشروع النووي الايراني لايجاد موطأ قدم فرنسي من جديد في الشرق الاوسط. ساركوزي الذي ابتدأ تصريحاته ضد المشروع النووي الايراني ومشروع سلام بين سوريا واسرائيل اعطى مؤشرا واضحا للدور الفرنسي الجديد المنافس للدور الامريكي في المنطقة وبما لايقبل الشك فأن الاجتماع الرباعي لم يكن بعيدا عن المعضلة العراقية والدور الممكن لهذا التحالف في القضية العراقية بسبب القرب الجغرافي لمعظم الدول المشاركة في التحالف فسوريا بالاضافة الى كونها جارة للعراق يتواجد مئات الالاف من العراقيين اللاجئين على اراضيها بما فيهم قيادات حزب البعث المنحل, وتركيا التي لاتربطها فقط حدود الجعرافيا بل تشكل مشكلة الاكراد هاجسا تركيا مادام العراق الدولة ضعيفا ومفككا. أن ظهور مثل هذه التحالفات مؤشر واضح على ضعف الدور الامريكي في العالم عامة والشرق الاوسط خاصة واصبح جليا ان عام 2009 سيشهد تغيرات مهمة في دور امريكا القيادي في العالم. لم يعد من مصلحة امريكا التواجد بالشكل المكثف الذي تتواجد به اليوم على ارض العراق, وعلى الادارة الجديده في مطلع عام 2009 ان تراجع وضعها في العراق بجدية وكان لابد من تأسيس واقعا جديدا على الارض في العراق يخدم المصالح الامريكية في المستقبل ويضع الادارة الجديده في امر واقع لاتستطيع ان تحيد عنه كثيرا, فكان لابد من خلق اجواء جديده على الارض العراقيه تختلف عما كان عليه الحال في السنين الخمس المنصرمة فكان خلق مشكلة كركوك والتوتر بين الاحزاب الكردية والشيعية المتحالفة في تشكيل الحكومة العراقية وكذلك بين الشارع السني والحكومة عن طريق تسليم ملف الصحوات الذي كان برعاية امريكية الى الحكومة العراقية والتي تدرك واشنطن بما لايقبل الشك حساسية الملف وموقف الاحزاب الموالية لايران وكذلك الحزبين الكرديين من هذه الصحوات. ارادت ادارة بوش وقبل ان تترك البيت الابيض ان تخلق توترا في العراق يؤسس لظهور امارات او اقاليم ثلاثة قائمة على اساس طائفي وعرقي تستطيع من خلالها ان تورط دول اقليمية فيها فوجود اقليم كردي في شمال العراق سيشكل عبئا على تركيا وايران, ووجود اقليم جنوبي شيعي موالي لايران سيثير حفيظة العشائر العربية الشيعية التي تعتبر نفسها جزءا من العراق العربي والتي تشكل الغالبية العظمى من الجنوب العراقي بالاضافة الى رفض عرب العراق سنة وشيعة لمثل هذا المشروع, ولاننسى موقف دول الخليج والتي سيكون لوجود اقليم شيعي متاخم لحدودها اثرا مباشر لتحريك الاقليات الشيعية التي تحس بالمظلومية وتطالب بحقوقها السياسية والدينية, هذه التحديات كلها ستدفع بالدول المعنية بأن تستغل نفوذها على الاحزاب في الحكومة العراقية كي تتجنب غضب واشنطن ان هي ترددت او ماطلت في التوقيع على الاتفاقية الامنية بين العراق وواشنطن. ايران تراهن على احزاب عراقية طائفية موالية لها في العراق قد فقدت كل تأييد في الشارع العراقي بعد هذه السنين الخمسة العجاف التي مرت على العراق واهله, وان الحزبين الكرديين بقيادة مسعود البرزاني وجلال الطلباني قد وضعوا بيضهم كله في سلة المحتل الامريكي الذي لايعرف صديق سوى المصالح الامريكية, اما الاحزاب التي تدعي انها تمثل السنة في العراق فقد راهنت على وجود الصحوات كقوه تنافس المليشيات الكردية والشيعيه ولكنها تناست ان وجودها في الشارع السني يكاد يكون معدوم اضافة الى انها وضعت يدها بيد المحتل ووقفت موقفا مخالفا للشارع العربي السني الذي كان ومازال رغم ظهور الصحوات مناهضا للاحتلال ووجوده بل ان الصحوات اصبحت رقما صعبا ينافس الاحزاب الاسلامية السنية التي راهنت على وجود المحتل ودعمه لها. أن الاشهر القليلة القادمة ستشهد صراعات جديده على الساحة العراقية وسيكون توقيع اتفاقية امنية مع واشنطن قبل نهاية عام 2008 هو المحك امام القوى المشاركة في العملية فالتمسك بكركوك كمدينة عراقية او ضمها الى اقليم كردستان وكذلك ملف الصحوات سيكون الثمن للطرفين الكردي والشيعي امام توقيع الاتفاقية الامنية مع واشنطن, ولكن الثمن سيكون باهضا على من يجرؤ ويقدم على التوقيع على مثل هذه الاتفاقية.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |