|
حول فكرة "الأب القائد"!! سهيل أحمد بهجت دار حديث بين اثنين من المثقفين حول مشكلة "المجتمعات الأبوية" والتي تعتبر أن الشعب كله هم أبناء للدكتاتور وتساءل أحدهما عن ماهية الحل الذي يمكن أن يجد طريقه إلى هذه المجتمعات؟ فقال الآخر: ــ الحل الأمثل لهذه المجتمعات أن يتزوج الدكتاتور كل نساء الشعب ليكون الشعب فعلا أبناء للدكتاتور.."!! هذا الجواب طبعا هوللنكتة ليس إلا لكنه تعبير عن جسامة وفداحة مصيبة هذه المجتمعات والتي تعاني الآن – وأغلبها في عالمنا الإسلامي – من إنهيار شبه شامل وفي كل المجالات النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ولا تتوفر في هذه المجتمعات حتى أبسط مقومات القانون والعدالة الاجتماعية ويتسلط فيها أراذل القوم بينما الحكماء والعقلاء في السجون، لا بد لهذه المجتمعات من تغيير، سواء كان هذا التغيير من داخل وعبر قوة خارجية، ولحالة مزمنة كالعالم الإسلامي المصاب بعقدة الوثنية حسب النمط الشرقي – حيث أن الوثنية الغربية كانت تختلف جذريا عن الوثنية الشرقية كون الوثنية الغربية كانت تقدس الإنسان والطبيعة – هذه الوثنية تتمثل في عبادة كل زعيم وقائد، وهذه الظاهرة غالبا ما تبرز في مجتمع العشيرة الذي يقدّس الذكورة، فإن التغيير على الأغلب يكون من خارج كما حصل في تجربة نظام الإجرام البعثي والذي تم عبر التعاون بين أبناء الشعب العراقي وقوات التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة، والحقيقة أنه ولولا انتفاضات وثورات الشعب العراقي ضد صدام وبعثه الدكتاتوري لما قامت قوات التحالف ولا حتى بمجرد التفكير في الإطاحة بالبعث. تقوم عقلية المجتمعات العرقية القومية والدكتاتورية التوتاليتارية على أساس نظرة ضيقة متخلفة مبدأها أن الدكتاتور والزعيم القومي هو"الأب القائد" و"الأب الزعيم"، "الأب المناضل"، "الأب الخالد الذي لا يموت" برغم أنه مات وشبع موتا، وهذه العقلية هي نوع من العبودية المقنعة والملثمة بالشعارات والبروباكاندا التي ترسم في الغالب صورة "لماعة" كاذبة هي نقيض الواقع البائس والمتخلف، وكثيرا ما يلجأ هؤلاء القوميون والدكتاتوريون إلى خلق نوع من التدين الطقوسي "المزيف" لإبقاء العقل مخدرا ضمن تفكير أسطوري يرسم صورة جميلة للآخرة في واقع مر وبائس. في هذه المجتمعات التي تنظر إلى الدكتاتور والطاغية على أنه "الأب القائد" وأنه كل شيء، في هذ المجتمعات يحصل نوع من التحالف "الشرير" بين الدكتاتور وزبانيته ورجال الدين وسلطة الكهنوت من جهى أخرى، الدكتاتور يتبنى عقيدة هؤلاء الوعاظ والمرتزقين باسم الدين وهم بدورهم يقدمون لهذا المستبد والدكتاتور الشرعية الدينية ومزيدا من التخدير لعقل الشارع والشعب ومنعه من التفكير في فساد السلطة وزمرة وحاشية هذا المستبد، وطبيعي أن بيئة كهذه تكون سببا في خلق تخلف وبيئة عسكرتارية يكون قوامها أن يتحول المجتمع إلى مجموعة من الطبقات يتجسس بعضها على بعض ويندفع أغلب هذا المجتمع المنكوب في خضم معارك "التحرير القومي"!! التي تنتهي على الأغلب بكارثة تمدر كل مقومات المجتمع، إلا أن تجربة تركيا مع القومية تكاد تكون الوحيدة التي لم تجر البلد إلى الكوارث وذلك بفضل تبنّي النظام العلماني الصارم والذي منع رجال الدين من استغلال السياسي والسياسي من استغلال الدين، وأعتقد أن مصطفى كمال تبنى القومية كبديل مؤقت لاستغلال السلطة والمجتمع للدين كتبرير للفساد والانحلال والتخلف، وهذه القومية آخذة في طريق الإصلاح والتغيير ليصل الأتراك في النهاية إلى النمط الأوروبي الإنساني.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |