العلماء يجربون عملية تشبه الانفجار الكبير الذي أدى إلى نشأة الكون
 

 

د. جواد بشارة / باريس

Jawad_bashara@yahoo.com

بدأ علماء فيزياء دوليون في مجمع "سيرن" البالغ الاتساع والذي يقع تحت الأرض بالقرب من مدينة جنيف السويسرية في إطلاق مشروع علمي استغرق حتى الآن قرابة عشرين عاما في محاولة لمحاكاة نظرية "الانفجار العظيم" للوقوف على الكيفية التي تشكل وابتدأ بها الكون، وكيف تكونت الحياة في هذا الكون، بناء على النظرية التي يعتقد معظم علماء الفيزياء في العالم إنها الأقرب، افتراضيا، إلى ما حدث بالفعل.

ففي هذا المكان توجد أكبر وأضخم آلة علمية صنعت من أجل توفير الظروف التي أعقبت عملية الانفجار الكبير Big Bang البغ بونغ مباشرة. وهو الأمر لذي يثير سعادة علماء فيزياء الجسيمات في العالم قاطبة ابتدءاً من تاريخ العاشر من أيلول 2008 وسيكون هذا اليوم يوماً مشهوداً له في تاريخ العلم.

الآلة الضخمة التي ستجرى التجربة فيها تعرف باسم "صادم الهدرون الكبير" أو "Large Hadron Collider" أو (LHC) اختصارا، وهي موجودة في مركز أبحاث سيرن القريب من الحدود الفرنسية السويسرية، حيث يعتزم العلماء تحقيق اصطدام بين جزيئات لمحاكاة ما عرف بعد ذلك ببداية الكون، في حال حققت التجربة النجاح المطلوب منها. وستتلقى هذه الآلة أول حزمة من البروتونات التي ستفتح الطريق لأضخم وأغرب مغامرة للعلم الحديث غير مضمونة النتائج سلفاً.

وتستخدم آلة LHC ، وهي أكبر آلة للبحوث العلمية صنعها الإنسان، مغناطيسات عملاقة موجودة في ناقلات بحجم كاتدرائية لإطلاق إشعاعات من جزيئات الطاقة في نفق تحت الأرض طوله 27 كم، حيث ستصطدم هذه الجزيئات ببعضها بسرعة تقرب من سرعة الضوء. وكان من المفترض أن تدخل هذه الآلة حيز العمل الفعلي في خريف سنة 2007 إلا أن خللاً تقنياً في درجة مقاومة بعض المكونات المغناطيسية المكلفة بتركيز رزم الجسيمات، قد حال دون ذلك لكنه لم يكن أمراً مثبطاً للعزائم.

وستقوم أجهزة الكومبيوتر العملاقة والمتطورة جداً بتسجيل وتحليل تفاصيل التجربة بدقة علمية لم يسبق لها مثيل ، وسيقوم نحو عشرة آلاف عالم فيزياء في أنحاء العالم بتحليل كافة تلك المعطيات والمعلومات للوقوف على سر تكون الكون وبداية الخلق المعروفة باسم نظرية "الانفجار الكبير" .

وقد علق العالم روبير آيمار Robert Aymar ، المدير العام الفرنسي لمجمع سيرن،على هذه التجربة قائلاً:" كنا قد خططنا للقيام بعدة تجارب واختبارات تمهيدية سنة 2007 وبطاقة ضعيفة بغية الإعداد العلمي الصحيح للتجارب الفيزيائية الحقيقية سنة 2008 .

ويسعى العلماء في مركز سيرن، المشروع الأوروبي لبحوث الذرة البالغ من العمر 54 عاما، إلى الوقوف على أسرار "المادة السوداء" و "الطاقة الداكنة"، والأبعاد الأخرى، وغيرها من الأمور ذات الأهمية الأساسية في معرفة كيفية بدء الكون وتشكله إلى ما هو عليه الآن. ويضيف لين إيفانس Lyn Evans رئيس مشروع صادم الجزئيات العملاق LHC :" إننا بذلك ننهي سباقاً محموماً وطويلاً ونحن جميعاً متلهفون للبدء ببرنامج البحث الفعلي ".

وأضاف روبير آيمار إن "LHC سيغير نظرتنا إلى العالم، ومهما كانت الاكتشافات التي سنخرج بها فالخلاصة إن ذلك سيزيد إدراك البشرية بشكل كبير من فهمنا لأصول الكون ونشأته".

وبفضل هذه الآلة الجبارة القادرة على تهشيم الجسيمات اللامتناهية في الصغر، فإن علماء الفيزياء يودون الاقتراب من الظروف التي كانت سائدة في اللحظات الأولى لولادة الكون بعد البغ بونغ قبل 13،7 مليار سنة من الآن. وهم يأملون، دون يقين بأنهم سينجحون ، في إظهار جسيمات أولية أو حالات من المادة غير معروفة بعد.

وهم يحلمون بالطبع اكتشاف طبيعة المادة السوداء والطاقة الداكنة التي مازالت تشكل لغزاً يستعصي كشف أسراره ومعرفة مكنونه وكنهه وماهيته رغم كونه يشكل نسبة 96 % من الكون في حين لاتمثل المادة المرئية سوى 4 % . وسبر غور وأسرار المادة المضادة antimatière التي تنتج بكمية مساوية للمادة نظرية نشوء الكون ولكنها تختفي ولا تترك لها أثراً يقتفى. وكذلك وضع اليد على بوزونات هيغز les Bosons de Higgs التي سميت في الماضي بجسيمات الله التي تمنح الأشياء كتلها والتي لم يرقبها أحد بعد ، بعد 44 عاماً من افتراض وجودها من قبل الباحث والعالم الشاب آنذاك هيغز الذي أعطاها إسمه .

قبل البدء بإطلاق أول شحنة من البروتونات في المصادم ، احتاج الأمر إلى تحضيرات دقيقة وحساسة كانت ضرورية ولا بد منها لإنجاح التجربة. تطلب الوضع قبل كل شيء تبريد القطاعات الثمانية من المصادم LHC كل على حدة ،وهي لا تشكل دائرة متكاملة ومتواصلة بل أقواس ودوائر متشابكة ومتداخلة بـ C °271 أي C °1،9 فوق الصفر المطلق بغية جعل الـ 1600 جملة مغناطيسية سهلة المرور Supraconducteurs وبلا مقاومة أثناء مرور التيار الكهربائي، وحيث سيقود الحقل المغناطيسي الجسيمات على مدار أو فلك دائري . ومن ثم المباشرة بأكثر من ألف اختبار قبل وضع المنظمة تحت التيار والتشغيل. وأخيراً تأمين التزامن والتوقيت المتزامن للمصادم LHC مع آخر حلقة من سلسلة التلقيم والقذف المكونة من أربعة مسرعات متعاقبة كل واحدة منها تزيد التسارع أو ترفع طاقة الجسيمات وبدقة تقرب من جزء من مليار من الثانية .وفي شهر ’آب أجريت تجارب ناجحة للتزامن باتجاهي الدورة ولكن على مدى 3 كيلومترات فقط ، وكل المقاسات جاهزة وخضراء للبدء بأول محاولة لقذف البروتونات على مدى 27 كلم قطر الآلة . وما أن يتم التيقن من استقرار الحزم الممغنطة بالاتجاهين، يبدأ فريق علماء مجمع سيرن بأول عمليات التصادم والتهشيم الفائقة السرعة والتي تحتاج إلى طاقة هائلة.

التصاعد في العملية سيكون تدريجياً . فطاقة البروتونات الأولى المقذوفة في الحلقة العملاقة ستكون بقوة 0،45 تيرا الكترون فولت المعروفة بـ TeV أو مليون المليون من الالكترون ـ فولت . ومن بدء التجربة في 10 أيلول إلى نهاية السنة سترتفع القدرة إلى 5 TeV وستبلغ سنة 2010 ، عندما تدور الآلة بأقصى قدرتها ، 7 TeV أي في كل تصادم مباشر لبروتونين ستكون 14 TeV وبتعبير علمي أدق فإن كل صدمة ستحرر نفس الطاقة التي تنتج عن سرب من 14 بعوضة ولكن في حيز مكثف أصغر يقل بمقدار ألف مليار مرة عن أصغر حشرة من ذوات الجناحين. وهي عبارة عن قوة ضاربة أكبر بكثير من تلك التي كانت موجود في مصادمات الجسيمات الأخرى. بدء العد التنازلي وبدء معه البحث عن بوزونا هيغز والمادة المضادة والطاقة الداكنة والمادة السوداء والجسيمات الأولية التي نشأ عنها الكون في اللحظات الأولى من عمره.

وعلى إثر شكوى تقدم بها علماء أمريكيون وإسبانيون في محكمة هونولولو على أمل وقف التجربة في مجمع سيرن بذريعة أن هذه المغامرة يمكن أن تتسبب في كسر توازن المادة رفض العلماء في هذا المشروع الفريد من نوعه في العالم تحذيرات وشكاوى بعض المنتقدين من أن التجربة قد تخلق ثقوبا سوداء صغيرة ذات جاذبية عالية التركيز قد تبتلع بقوتها الكرة الأرضية برمتها. وقد رد العلماء في المجمع أنهم اتخذوا جميع الاحتياطات الأمنية اللازمة ولايوجد أدنى خطر يذكر بهذا الصدد.

يقول العلماء إن الانفجار الكبير وقع، في رأيهم نظريا، قبل نحو 15 مليار سنة، عندما انفجر جسم بحجم قطعة النقد المعدنية لها من الكثافة والحرارة ما لا يمكن وصفه أو تخيله، وفي وسط من فراغ المادة، حيث بدأ بسرعة في التمدد والتوسع لتتكون النجوم وتظهر الكواكب، وبالتالي تنشأ الحياة، كما نعرفها، على الأرض. تنافس من جانب آخر يقول علماء بريطانيون يعملون في أعمق منجم في بريطانيا أنهم ربما تمكنوا من تحقيق تجربة اصغر من تجربة مركز سيرن، التي كلفت قرابة مليارات الدولارات.

ويقول العلماء البريطانيون أنهم ربما سبقوا زملاءهم في المركز السويسري وبكلفة اقل بكثير من كلفة سيرن، وبنفق لا يزيد طوله على نصف كيلومتر، ولن يستغرق منهم أكثر من نصف الوقت الذي قد تستغرقه تجربة سيرن.

الضوء الاقدم"

حصل العالمان الامريكيان جون سي ماثر وجورج إف سموت على جائزة نوبل للفيزياء.

واستحق العالمان هذه الجائزة المرموقة "لاكتشافهما شكل الجسم الأسود - وهو سطح يمتص كامل الطاقة المشعة التي تسقط عليه - والخواص المتباينة لإشعاع الموجة الصغرى الكونية (المايكرويف: وهي موجة كهرطيسية قصيرة جدا)".

و"خلفية الموجة الصغرى الكونية" (سي إم بي) هي "أقدم ضوء" في الكون، وهو حولنا في كل مكان وهو قادم من زمن يلي الانفجار الكبير (بيغ بونغ) بـ 380 ألف سنة.

ويقول العلماء إن خصائص خلفية الموجة الصغرى الكونية تكشف لهم ملامح نشوء الكون.

والعالم ماثر، البالغ من العمر 60 عاما، هو عالم فلك بارز في وكالة الفضاء الأمريكي (ناسا)، أما سموت، البالغ من العمر 61 عاما، فهو بروفسور للفيزياء بجامعة كاليفورنيا في بيركلي.

وعمل العالمان في مشروع القمر الصناعي كوب التابع لناسا والذي أطلق عام 1989.

وساهم كوب في الحصول على أول قياسات دقيقة لخلفية الموجة الصغرى الكونية.

وأطلق على خلفية الموجة الكونية الصغرى اسم "صدى" الانفجار العظيم - وهي نظرية تقول بأن الكون نشأ عن انفجار هائل قبل حوالي 14 مليار عام.

وخلفية الموجة الكونية الصغرى هي الإشعاع الذي تكون عندما برد الكون لدرجة أمكن معها تواجد ذرات الهيدروجين.

وقال العالمان إنه قبل هذا الوقت كان الكون شديد السخونة لدرجة أنه لو كان حدث "تزاوج" بين المادة والإشعاع لكان الكون معتما وغير شفاف.

وكان القمر الصناعي كوب (وهي اختصار لعبارة مكتشف الخلفية الكونية) قد رصد تذبذبات في الخلفية الإشعاعية للموجة الكونية الصغرى عزيت إلى التكوينات الأولى التي تشكل منها الكون - وهي ما يطلق عليه بذور المجرات التي بدت في شكل سحب هائلة من الغاز الساخن الذي كان الشيء الوحيد الذي يتشكل منه الكون في ذلك الوقت.

كما قاس القمر كوب درجات حرارة هذه الخلفية الإشعاعية - وهي 2.725 درجة فوق الصفر المطلق، ولذا فهي تلمع بالدرجة الأولى في جزء الموجة الصغيرة من الطيف الالكترومغناطيسي.

ويعتقد علماء الفلك أن خلفية الموجة الصغيرة الكونية تحتوي على قدر هائل من المعلومات عن منشأ ومصير الكون.

وقال البروفسور لارس برجستروم، عضو لجنة نوبل للفيزياء، إن اكتشاف ماثر وسموت يمثل انجازا هاما باتجاه فهم أعمق للكون الوليد.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com