يسرة ويمنة ...

 

 رشيد كَرمــــة

rashid_karma@hotmail.com

 ليس هناك مايشير الى إبتكارات خاصة في مجال (اللهو) العراقي قد شاع بين الناس غير لعبة التسلية (المحيبس) والتي يحرص العراقيون على ممارستها في شهر رمضان حيث يُلزم الملايين من البشرفي أنحاء مختلفة من كوكبنا الأرضي الصوم وتحديدا ًمايؤكل ُ ويُشرَب منذ ساعات الصباح الأولى وحتى أفول الشمس . وهوشهرا ً دينيا ًــ إسلاميا ًـ بحتا، أُريدَ به ومنذ تأسيس الأسلام ترويض الأنسان المسلم على نظام وقانون إطاعة صارمين تتعدى حدود الصيام فيه على غريزة (الجوع) وقابلية التحمل وما تنطوي عليه من إحساس بالآخر الذي لايمتلك رغيف خبز، ( تبدد هذا التبرير لاحقا ً بعد أن طرحت في الأسواق ــ الصيدليات ــ مادة لاصقة تمنع الصائم من الأحساس بالجوع والعطش *) وتمتد الى صوم الجوارح، حيث لابد ان يمتنع أتباع الدين الجديد عن الكثير من الممارسات تبدء من الغمز واللمز (النقد) وان كان بناءً وتنتهي بالأمتناع عن ممارسة الحب (الجنس، الوطئ) وهوفي نفس الوقت الشهر الذي لايجوز فيه الأقتتال، ومذ أكثر من 1400 عام تم خرق هذا المبدء الذي عُدَ في عُرفِ من أسسهُ ومن آمن به شهر طاعة ومحبة وسلام، ولعل التأريخ لم ينسى ما أحدثه (ابن ملجم) من شرخ ٍ في قواعد هذا الشهر عندما ضرب علي بن ابي طالب بالسيف كما ان التأريخ العام والخاص لم ينسى جرائم (حزب البعث العربي الأشتراكي !!!) وما فعله في رمضان 1963 .. ... بل لازال الظلم والسرقة والأستغفال والقتل والأغتصاب والتزوير والكذب والغش والخيانة والأكراه والحسد على أشدهما في عموم الساحة الأسلامية .

بينما تصوم المجتمعات العلمانية عنها ليس في شهر واحد، وإنما على مدار الساعة والى مديات ٍزمنية أبعد ..

 وسوف تتعاظم الموبقات في ظل البحث واللهاث والأستحواذ على (المنفعة) في جانبها السلبي والذي ستدفع الناس في تسفيه (مبادئ التسامح) الذي يطبع شهر رمضان، ومن العبث الحديث عن فحوى التقية ووجود مرجعية صامتة تضم علماء دين تسوغ صوم الإنسان وهويطلق عيار ثقيل من مدفعيته تجاه شعب مسلم كما حصل في الحرب العراقية ـ الأيرانية ؟؟؟؟ ووجود مرجعية ناطقة تحلل تفخيخ وتفجير وحز رؤوس وقتل من يخالفهم في الرأي كما يحصل الآن ضد الشعب العراقي ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

كما تكمن الغرابة في تعمييم عبادة أسلامية محضة على الجميع دون مراعاة لحق الأنسان في حرية الدين والمعتقد **، ومن هنا يكون الحديث عن الحريات العامة فقاعة هوائية لاغير.

وتأسيا ً لفواجع الناس وآلامهم، وبغية بصيص من أمل لمساء أجمل وأأمن ولغد أفضل، إكتشف الأنسان أهمية التجمع الأُسري ومن ثم الشعبي ولابد من مُحفزٍ لللقاء العام تتوفر فيه شروط المسموح وتتجنب فيه الوقوع في دائرة الممنوع، وجميعها شروط وضعية ولم يكن هذا الوليد مـن الأفكار إلا هذه الطريقة العراقية (لعبة المحيبس) التي رأسمالها الوحيد وفلسفتها الفراسة *** .

وهذه اللعبة اصبحت تقليدا ً شعبيا ً، ليس في داخل البيت الواحد والمحلة الواحدة وأنما إمتد الى عموم الوطن، وهذا ما نشاهده على الفضائيات، وحتى هذه اللحظة لم يجرؤ أيا من علماء الدين على (تحريم هذا التقليد) .

وبناء على تواجد الجالية العراقية في الغرب نتيجة ظلم السلطة والعسف الذي مورس منذ زمن، كان لابد من إعادة بناء الثقة بين أبناء الوطن الواحد وإعادة اللحمة الى صياغتها الاولى فكانت النوادي والتجمعات الثقافية والاجتماعية والرياضية والتي تحتوي على جميع مكونات الشعب العراقي، وصار من الضروري صيانة وتطويع وتطوير الموروث الشعبي والذي جاء هذه المرة على شكل (لعبة محيبس) تكون المرأة ـ أما ًوبنتا ً وأختا ً وزوجة ً عنصرا ً مشاركا ً وهذا خروج عن المألوف في تاريخ اللعبة (الملهاة الشعبية)، ولقد دأبت جمعية المرأة العراقية والبيت الثقافي العراقي في مدينة ــ يوتبوري \ السويد والنادي العراقي في مدينة بوروس \ على إحياء هذا التقليد الشعبي عبر تنظيم زيارات متبادلة يشارك منتسبوا الطرف المضيف بإعداد وجبة فطور رمضانية تفتتح عادة بالتمر العراقي واللبن وشوربة العدس وتعقبها مباشرة لعبة المحيبس، والتي ضمت هذا العام كل تشكيلات شعبنا العراقي من أكراد وتركمان وعرب وكلدوآشوريين ومسلمين ومسيحين وصابئة مندائين ومن إخوتنا الآيزيدين ومن كلا الجنسين ولقد شاعت كركرات وهرج أطفالنا وضحكاتهم قاعة جمعية المرأة العراقية والبيت الثقافي الذي غدا مزهوا بأعمال الترميم والديكور الجديد والذي أستقبل بحفاوة عراقية معهودة مساء الجمعة 12 \ 9 أكثر من (60) ضيفا من النادي العراقي في مدينة بوروس حيث قاد فريق لعبة المحيبس (الحاج رحمن) و(محمد دهام) بينما قاد فريق البيت الثقافي العراقي (كريم الشريفي وابوحيدر) .

وحيث تكثر التكهنات حول الشخص حامل المحبس تكثر وتتنوع المفردات المستخدمة لأستخراجه، ففي حين يصرخ (محمد دهام) بعد تردد ومعاينة لوجوه المشاركات والمشاركين : العب على هالعظمين وهالعظمين وبس .يجيبه ابوعمر : ارجع، بات بينما يذهب (أبوحيدر) جاساً المحبس عند (خلود اوراهم) ومزمجراً : العب، وأجيب المحبس، مؤشرا ً بيده اليمنى، الصف الأمامي طلق، وانت يسرة يمنة، أصفق يديك وهنا يصرخ مشتاق كَرمة : لا عموفاتك المحبس، بات .

 وهكذا تنموالمحبة فوق ركام من المأساة، آن لها ان تنتهي بتطلع جديد للحياة

الهوامش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* عن تقرير مصور بمناسبة شهر رمضان بثته عدد من القنوات الفضائية

** يشمل قانون الصوم وعدم إشهار الافطار غالبية الناس بغض النظر عن دينهم ومللهم ونحلهم، بل ان ظاهرة القمع والمسائلة باتت منتشرة في المهجر أيضا ً.

*** تعتمد لعبة المحيبس على الفراسة وذلك من خلال تتبع الحالة النفسية والتقلبات في وجه المشارك بين ظاهرة التعرق نتيجة الخوف والخجل, إلخ وربما تصعب عملية الفراسة في لعبة الفنجان وهي لعبة رمضانية تمارس في مدينة كركوك والسليمانية، حيث يخبأ المحبس تحت عدد من فناجين القهوة مرصوفة في صينية أعدت لهذا الغرض .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com