قصة يوسف ع رحلة حلم من سجن البادية الى عرش مصر - 13 -

 

حميد الشاكر 

al_shaker@maktoob.com 

(( أذ قالو ليوسفُ وأخوه أحبُّ الى أبينا منّا ونحنُ عصبة انَّ ابانا لفي ضلال مبين ، أقتلوا يوسف أو أطرحوه أرضا يخلُ لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين قال قائل منهم لاتقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجبّ يلتقطه بعض السيارة ان كنتم فاعلين / 8 - 10/ يوسف   ))

********** 

هذا هو المشهد الثاني في القصة الكريمة ليوسف الصدّيق ، وهو المشهد الذي اتى بعد مشهد يوسف وهو يقصّ رؤياه لابيه ويعقوب ابيه وهو يؤوّل رؤيا يوسف ابنه ويحذره ويضع له بعض الاسس التي ينبغي ان يلتفت اليها يوسف في قابل حياته العملية  عليهم السلام ، وهو المشهد الذي جمع اخوة يوسف في مؤتمر يُبحث فيه عشرة أمور حيوية وهي :

اولا : حب والدهم يعقوب ليوسف واخيه .

ثانيا : عدم التفات الشيخ العجوز يعقوب ع لمكمن الفعل والقوة والعزّة ( العصبة ) .

ثالثا : فعل الوالد يعقوب المذكور وهل يعتبر من ضمن الضلال أم هو من ضمن السفه .

رابعا : قرار قتل يوسف .

خامسا : او نفيه من الارض وابعاده .

سادسا : الغاية من جميع تلك المداولات والخطط لخلُ وجه الاب واضطراره للعودة وحب مواقع القوة في الاسرة .

سابعا : التفكير بعد الانتهاء من عملية التخلص من يوسف واستثناء اخيه الطفل بصلاح حالهم .

ثامنا : أقتراح الاخ الاكبر بابعاد فكرة القتل ليوسف .

تاسعا : ألقاء يوسف بغيابة جبّ مهجور خارج الصحراء لالتقاطه من قبل مسافرين .

عاشرا : نهاية قرار المؤتمر وعقد العزم على تنفيذ بنود الاتفاق بشأن يوسف ( ان كنتم فاعلين )!.

أن أول مايتبادر او يلفت نظر قارئ النص القرءاني هذا في المشهد الثاني في قصة يوسف ع ، هو انتقالة المشهد وبصورة فجائية من اجتماع مصغّر بين يعقوب ويوسف بشأن الرؤية من جهة يوسف ، وبشأن توعية يوسف لعالم الكبار في الاسرة مضافا اليه تأؤيل رؤياه من جانب يعقوب ، الى اجتماع مكبّر نوعا ما لأخوة يوسف وهم يطرحون على الفور قضية :(( ليوسف وأخوه أحبُّ الى ابينا منّا ونحن عصبة ...)) وكأنما هذا المشهد الثاني في القصة هو المصداق السريع جدا لمقولة يعقوب ليوسف :(( قال يابني لاتقصص رؤياك على أخوتك فيكيدوا لك كيدا )) فمجرد ان ذكر النص الاول كيد الاخوة ليوسف تحولت بنا القصة الى صناعة الكيد على يد اخوة يوسف في هذا الاجتماع الطارئ ليقولوا :(( أقتلوا يوسف ...)) !.

وهنا هل يوحي النص الاول في مشهده والثاني في تأكيده على ان خبر الرؤيا قد تسرب من قبل يوسف لاخوته وعلى هذا الاساس تحرك الاخوة لعقد مؤتمر عاجل لبحث قضية يوسف ؟.

أم ان دوافع الاخوة ومبرراتهم في بحث قضية يوسف وابيه لم تكن منطلقة من حكاية الرؤيا اليوسفية ولم تمتّ لها بصلة ؟.

يذكر في بعض الاحاديث التي تنسب للرسول ص او اهل بيته الكرام ع  او صحابته الابرار رض  التي يبدو انها موضوعة   : ان يوسف اخبر اخوته رؤياه وقصّ حلمه لهم فكادوه بالقتل حسدا !.

والحقيقة ان مثل هذه الاحاديث وغيرها التي تذكر ان يوسف ع لم يلتزم بوصية ابيه في عدم ذكر الرؤيا وقصّ يوسف لها لاخوته ، مع انها هزيلة المتن من منطلق اتهام شخصية صادقة كيوسف بعدم الالتزام بعهده لابيه في عدم ذكر الرؤيا ، فهي كذالك متضاربة مع منطوق النص القرءاني نفسه في اساس عملية الكيد في مؤامرة الاخوة الكبار ليوسف ع !؟.

فالنص صريح : ان سبب امتعاض واثارة غضب اخوة يوسف عليه هو قوله سبحانه :(( احب الى ابينا )) فالحب هنا هو المصدر الحقيقي لغضب الاخوة على اخيهم ، ولاذكر للرؤيا او قصّ يوسف لها لتكون هي مثار الكيد وداعية الاحقاد على يوسف ، لتقول الرواية : بأن سبب كيد اخوة يوسف وغضبهم بعد سماعهم للقصة من يوسف نفسه الذي لم يكن وفيا بالوعد الذي قطعه ليعقوب بعدم ذكر القصة !.

هذا اولا ، وثانيا كأنما بعض المفسرين اراد البحث عن مبرر واقعي يبرر للاخوة قيامهم بالتفكير في عملية الكيد حتى الوصول بها الى قرار القتل او الطرد ليوسف  ، فلم يجد امامه كمبرر واقعي لاجرام الاخوة الا ان يوسف قد اهاج مشاعرهم بذكر رؤياه لهم لتكون هذه الرؤيا المقصوصة هي سبب حكم الاعدام على يوسف من قبل اخوته هؤلاء ، فاتى بمقولة من يقول : ان سبب حسد وبغض وحقد اخوة يوسف عليه هو ذكره لرؤياه لهم مما كانت السبب في نقمتهم عليه !.

والحقيقة اننا ذكرنا في الحلقات السابقة من البحث : ان يوسف لم يكن من الخائنين بعهوده مع ابيه ليذكر لاخوته رؤياه التي نبهه والده يعقوب بعدم ذكرها للاخوة ، ولكن هذا ايضا ليس من منطلق ان ذكر الرؤيا للاخوة هي مثار النزاع واثارة المشاعر للاخوة ضد اخيهم ، وانما بسبب ان الاخوة من الجهل في هذا الامر بحيث اشفق يعقوب ع على ابنائه ان يفهموا الرؤيا بصورة خاطئة تماما لتكون فيما بعد سببا مضافا لسلسلة الاسباب الكثيرة التي ولدت حالة التشنج في العلاقة بين يوسف واخوته أولئك ، ولهذا قال يعقوب (( لاتقصص رؤياك )) والتزم الصديق يوسف تقريرا وبلا كلام يذكره النص على اساس موافقة يوسف لنصيحة ابيه الشيخ العجوز يعقوب ع !.

واذن فليس هناك مبرر يدفعنا لقراءة غضب اخوة يوسف عليه لسبب خارج عن مقولتهم انفسهم قرءانيا  ، كما انه لاداعي في الاساس للبحث عن شماعة نعلق عليها جريمة ومؤامرة الاخوة الشيطانية ضد يوسف لنقول انها اتت نتيجة ذكر يوسف نفسه لرؤياه وعدم التزامه بنصيحة والده يعقوب ع ، والانكى لامبرر لصياغة استفهام ربما استشكالي بصيغة حديث نبوي شريف لنعطي هذا الراي الذي هو من موروثات العهد القديم اليهودي حجية قوية لنثبيت مصداقية ماتقوله التوراة على حساب مايحمله او ماينبغي ان يكون عليه الحديث النبوي الشريف فتنبه !.

وعلى هذا اكدنا على وضعية مثل هذه الاحاديث وتلك المرويات التي تريد القاء التبعة على يوسف نفسه باعتبار انه هو من اثار نقمة اخوته عليه بسبب عدم التزامه بنصيحة والده يعقوب بعدم ذكر القصة والرؤيا ، واشرنا الى ان هذه الحادثة توراتية موجودة في العهد القديم في قصة يوسف ، وانها كانت ترى ان يوسف قد خان اباه ولم يلتزم بعهده وذكر لاخوته رؤياه مما جعل من هذه الرؤيا سببا في حسدهم وحقدهم على يوسف !.

بينما النص القرءاني الكريم يقول بأن سبب غضب اخوة يوسف عليه كان لا لشيئ متعلق بيوسف شخصيا ولذاته ، بل كان جلّ حنقهم عليه بسبب ان والدهم يعقوب كان يحب يوسف واخيه اكثر من حبه للعصبة والقوة :(( قالوا ليوسف واخيه احب الى ابينا منّا ونحن عصبة ...)) وهنا يبدو يوسف المظلوم خارج عن لعبة السياق التي تحركت بين الابناء وابيهم يعقوب ، ليكون يوسف حسب النص القرءاني المجيد ضحية التفات أب لجهة ، وغضب ابناء عليه ؟.

ولكن ياترى : هل كان حقا يعقوب اكثر حبا ليوسف واخيه من باقي ابناءه الاخرين ؟.

أم ان اعتقاد الاخوة كان يرى فعل نبي الله يعقوب تجاه يوسف حبا ، بينما هو لم يكن الا اتصالا بين رسول وخليفته ؟.

ثم هل كان انتقام اخوة يوسف من يوسف ع بحياكة مؤامرة ضده لقتلة او نفيه بعيدا هو بسبب شدّة حسدهم وحقدهم على يوسف نفسه ؟.

أم كانت كل خيوط المؤامرة تستهدف الاب يعقوب ع لتعود بوجهه الى الجهة المطلوبة للاخوة الكبار ، وما محنة يوسف الا تبعا لهذه الاشكالية الواقعية بين يعقوب وابناءه  ؟.

  ان الجواب على هذين السؤالين اعتقد انه سينسف كل مابناه المفسرون من اساطير وهمية حول قصة يوسف ع ، وحسد اخوته له ، وان سبب غضب ابناء يعقوب على يوسف لفرط حبه اليه !!!.

سنجيب انشاء الله على هذه الاسألة التي لا نعتقد ان احدا من المفسرين الكبار من علماء الامة قد اثارها من قبل !.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com