|
هل أفشت أمريكا وباء الكوليرا في العراق؟
د. حامد العطية في تاريخ البشر صفحات سوداء، من أحلكها سجل أسلحة الدمار الشامل. في الحرب العالمية الأولى فتكت الأسلحة الكيماوية بعشرات الآلاف من جنود الدول الأوروبية المتصارعة، وهلك بالسلاح الذري الأمريكي في الحرب العالمية الثانية مئات الآلاف من اليابانيين المدنيين العزل، وهي أكبر مجزرة بشرية في التاريخ في وقت قياسي. هنالك حقيقة خافية على الكثيرين، وهي أن الأمريكان سباقون في استعمال أسلحة الدمار الشامل، وبالتحديد الأسلحة البايولوجية، ولكن قبل بيان تفاصيل هذه الجريمة النكراء لنعود بالتاريخ إلى بدء الاستيطان، لنقارن بين فعلين، ونفاضل بين حضارتين، إن جاز تسمية إحداهما حضارة، لنكتشف منبع الخسة ومصدر المروءة، لم تكن قد مضت على وصول المستوطنين الأوائل من أوروبا سوى فترة زمنية قصيرة، كانت العلاقات بينهم وبين سكان أمريكا الأصليين، المعروفين خطأً بالهنود الحمر، ودية، في إحدى السنين أصابت المستوطنون مجاعة، شحت الطرائد ونضب المخزون من الغذاء، فأشرفوا على الهلاك، لم يقف الهنود الحمر متفرجين على مأساة المستعمرين البيض، عاملوهم كما يعامل العرب الأصليون ضيوفهم، قدموا لهم الطعام، حتى ذهبت عنهم غائلة الجوع، ولم يدر الهنود الحمر الطيبون بأنهم كانوا بذلك كالرجل الذي دفعته الشفقة على صل سام متجمد من البرد فأطعمه ووضعه بين ثوبه وجسمه ليتدفأ فما أن استعاد عافيته حتى غرس في جسده نابه المسموم ليقتله، ويقول بعض المؤرخين بأنه لولا نخوة وكرم الهنود الحمر تجاه المستوطنين البيض لهلكوا جميعاً، ولربما توقفت الهجرة، وظلت أمريكا لأهلها الأصليين، وفي كل عام يحتفل الأمريكان والكنديون بذكرى ولائم الهنود الحمر التي أطعمت أسلافهم من الجوع، ويسمونه عيد الشكر. ما جزاء الإحسان إلا الإحسان ، قاعدة سلوكية يمارسها كل البشر المتحضرين، ماعدا المستوطنون الأمريكيون، فكيف قابلوا إحسان الهنود؟ أمعنوا في قتلهم، حتى حافة الإنقراض، وتقدر بعض المصادر بأن عديد الهنود الحمر فاق العشرة ملايين نسمة عند بدء الإستيطان، لكنه اضمحل إلى أقل من نصف مليون بعد ذلك بقرن، نتيجة حملات الإبادة الجماعية التي شنها عليهم المستوطنون الأمريكان، وهكذا قابل الأمريكان بالخسة والدناءة إحسان ومروءة الهنود الحمر. تفنن المستوطنون الأمريكان في قتل الهنود الحمر، وهدتهم عقولهم الشيطانية إلى السلاح البايولوجي لإبادة سكان أمريكا الشمالية الأصليين، واختاروا لتنفيذ مآربهم الشريرة جرثومة الجدري، التي كانت تقتل الآلاف منهم سنوياً، أما وسيلتهم لنشر الوباء فقد كانت البطانيات المستعملة من قبل مرضى الجدري من البيض، فقاموا بجمعها وتوزيعها على بعض قبائل الهنود الحمر، مما أدى إلى انتشار الوباء بينهم، ونادراً ما كان يبرأ المريض منهم بالجدري لضعف المناعة ضد هذا المرض الغريب على بيئتهم، تصوروا: الهنود الحمر قدموا لهم المأكل والمشرب وخلصوهم من المجاعة فردوا الجميل لهم بالبطانيات الملوثة بجراثيم الجدري، لتفتك بشبابهم وشيوخهم ونساءهم وأطفالهم. في ستينات القرن الماضي استخدم الأمريكان الأسلحة الكيماوية في حربهم ضد الفيتناميين، وغضوا البصر عن استخدام النظام العراقي البائد للأسلحة الكيماوية ضد الإيرانيين ومعارضيه، عندما كان حليفهم، ولا يزال العراقيون يعانون من تلوث أراضيهم بالإشعاعات السامة للقذائف الأمريكية المتفجرة على الأرض العراقية، وبالأمس أمطرت الطائرات والمدافع الصهيونية المناطق المأهولة في جنوب لبنان بالقذائف العنقودية المصنعة في أمريكا، لذا لن نعجب لو تبين لنا الآن أو فيما بعد بأن وراء تفشي مرض الكوليرا أصابع أمريكية خبيثة وغادرة. وسواء أفشى الأمريكان وباء الكوليرا بين العراقيين أم لا فهم مشتركون في المسئولية عن ذلك، لأنهم محتلون لأرضنا، وشركاؤهم في المسئولية الحكومة العراقية والأحزاب المشاركة فيها، التي فشلت في تزويد العراقيين بالماء النقي وبخدمات الصرف الصحي والكهرباء، ولم تساعد جيوش العاطلين في الحصول على عمل مجز أو رعاية اجتماعية، تقيهم من غائلة الجوع ونقص التغذية، وأخفقت في توفير الوقاية اللازمة للأصحاء والعلاج المناسب للمصابين بهذا الداء الوبيل. منذ خمس سنوات والعراقيون يتلقون "هدايا" الأمريكان، والتي وإن خلت من البطانيات الملوثة بجراثيم الجدري فقد احتوت على ما هو أفتك منها، بدءاً بالإرهاب ومروراً بالحرب الطائفية والصراع الإثني والتهجير الجماعي والخراب الاقتصادي والفساد وأخيراً، وليس آخراً، وباء الكوليرا، ثم يجرأ البعض على الترويج لاتفاقية أمنية مع أمريكا لكي تكتمل المؤامرة الأمريكية بتقسيم وتخريب العراق، ويصبح العراقيون، أو ما يتبقى منهم، مثل الهنود الحمر، نسياً منسياً.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |