رسالة الى الامة الكردية!
 

 

رياض الحسيني: كاتب

وناشط سياسي عراقي مستقل
www.alhusaini.bravehost.com

كثيرة هي الرسائل التي تصلني من الاخوة الاكراد سواء من الوسط الثقافي او من عامة الناس وكلها تتراوح تقريبا بين عتب شديد ونصح احيانا وبين هيجان وكلمات نابية احيانا اخرى وذلك بعيد كل مقال تكون فيه الاحزاب الكردية طرفا في موضوع النقاش.

بداية لابد من التوضيح ان كل هؤلاء ومن دون استثناء لديهم خلط عجيب لايصح ان يقع فيه المثقف فيما هو ان اي نقد موجه الى الاحزاب الكردية من وجهة نظرهم هو بالضرورة تهجم على الامة الكردية! وان اي رسالة عتب موجهة لاي وزارة يرأسها كردي لاتجد طريقها الى النشر عبر المواقع التي يديرها الاخوة الاكراد بينا تضج تلك المواقع نفسها بأبشع الشتائم وأحقر الاوصاف بحق الرموز الدينية والسياسية العربية بشقيها الشيعي والسني! خلط عجيب وتخندق واضح ليس له من اساس الا التبعية لتلك الاحزاب بشكل او باخر بارادة او من دونها. شخصيا لا اتهم احدا من هؤلاء بان يقبض ثمنا لقاء عمل كهذا وانما نجد العذر لغالبيتهم حيث الاهل في كردستان وطريق الذهاب والاياب لابد ان يكون آمنا، والامر كذلك فنحن امام احزاب ورثت السلطة والبطش من النظام السابق وهذا بحد ذاته احد الاسباب الموجبة لنقدنا لهذه الاحزاب ومن على شاكلتها، لذلك فخلافنا معهم سياسي وانساني لا اكثر. أما محاولة تشويه المواقف وتصوير الخلاف على انه اختلاف وانتهاج سياسة زرع الكراهية ومحاولات زيادة حجم ورقعة التخندق العرقي فقد اثبتت التجارب انها غير مفيدة بل مضرة بشكل كبير بحق الاكراد قبل غيرهم لذلك فالاكراد قبل غيرهم مدعوون لانتهاج سياسة الاعتدال وزرع المحبة والتنبّه للانجرار وراء سياسة الاحزاب صاحبة النهم بلا أدنى مسؤولية او خجل.

في هذا السياق أجد من المفيد ان ابرز احدى تلك الرسال التي وصلتني وهي من مكتب الاعلام في الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه رئيس الجمهورية السيد جلال الطالباني وتحديدا من الزميل كاروان أنور رئيس التحرير والتي جاءت في معرض رده على مقالنا الموسوم "ابتزاز المالكي بالانقلابيين" حيث نجتزء بعضا منها والكلام يطول حيث يقول: (اني اتابع مقالاتك منذ اكثر من سبع سنوات اعرف انك عراقي اصيل ومثقف وحامل لافكارك الخاصة ولكنك منذ فترة تجرجر افكارك غصبا نحو هاوية الكلمات التي لاتحمل فكرا وانصافا.. وماأقراه لك منذ فترة هو ليس لرياض الحسيني الذي كنت اعرفه من خلال افكاره النيرة التي تساعد العراق في نهضته وليس في تدميره..). ويسترسل الاخ كاروان في عتابه المر فيضيف (انت مثقف فكرك يقودك وليس تقليدك للاخرين ولكن ارجو ان تساهم بكلماتك في بناء العراق وليس تدميره لان الكرد ساهموا في بناء العراق الجديد فلاتخلقوا جوا يدفع بالاكراد في تدمير البلد، ودع هؤلاء البعثيين يغردوا وحدهم لاتدنسوا اقلامكم بتقليد كتاباتهم)!

اقول ان الكلام واضح وليس بحاجة الى تفسير كما والخلط بين ايضا وهي مشكل لايريد ان يتنبّه اليه الاخوة الاكراد وهو ان النقد للاحزاب الكردية ومحاولة تصحيح مسيرتها الوطنية لايعني الوقوف ضد الحقوق المشروعة للامة الكردية وهو لعمري خلط تريده وتدفع اليه تلك الاحزاب لانها تجد في الامة الكردية خلاصها الوحيد لكي تكون درعا واقيا لمطامعها تماما كما تفعل بعض الاحزاب العربية وهي تقدم ابناء الشيعة والسنة دروعا بشرية وكبش فداء لتوريث سلطتها وثروتها الى الابناء والاحفاد. بيد ان الاكراد انفسهم قد عانوا هذا الخلط فيما بينهم كما عانوا سطوة تلك الاحزاب واثبتت في اكثر من مناسبة ان مصالحها فوق المصلحة الوطنية وذلك حينما سقط الاف القتلى في اقتتال كردي-كردي في اكثر من مناسبة نسوق بعضا منها للتنبه وللدلالة ليس الا:

- اقتتال كردي-كردي في العام 1993 بين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه رئيس الجمهورية الحالي جلال الطالباني وبين الحركة الاسلامية في كردستان العراق التي يتزعمها عثمان عبد العزيز وهي مواجهات ادت الى اعتقال الاخير وفرار الاتباع والانصار الى ايران. حرب لم تهدأ الا بعد وساطة ايرانية سرعان ماتجددت في اواسط العام 1997 لم تهدأ الا بتدخل ايراني اخر افضى الى وقف الاقتتال وتعيين بعض الوزراء ووكلائهم في حكومة الطالباني.

- اقتتال كردي-كردي في الاول من ايار من العام 1994 وذلك تيمّنا بـ "عيد الطبقة" كما يحلو للاخوة الشيوعيين تسميته- اقتتال هذه المرة بين حزب الطالباني وحزب البارزاني بدأت اولى شراراته في أربيل لم ينته الا بعد اكثر من ستة اشهر لينتهي بتوقيع الحزبين اتفاقا يحرم فيه الاقتتال الكردي-الكردي حتى عام 2000 ولذلك سمي وقتها "اتفاقية القرن"! هذه الاتفاقية التي سرعان ماضربها الحزبين عرض الحائط ونسف قادتها بنودها ولعقوا توقيعاتهم ليتجدد الاقتتال بينهم بعد اسابيع ثلاثة فقط اكتسح فيها حزب الطالباني أربيل وبرلمانها ومجلس وزارتها بينما فر البارزاني الى مصيف صلاح الدين حيث معقل الحزب. ورغم محاولات بعض الاطراف والشخصيات الكردية لوقف هذه الحرب التي اكلت الاخضر واليابس في كردستان ورغم الاعتصامات والمناشدات لوقف الحرب الا ان الامة الكردية كانت في واد والاحزاب المتصارعة على تهريب النفط في واد اخر الامر الذي حدا بالاكراد الى تسمية هذه الحرب بالانتحار او باللغة الكردية "خوكوزي" واحيانا تسمى ايضا بقتال الاخوة "براكوزي".

- اقتتال كردي-كردي في آب من العام 1995 بين حزب البارزاني وحزب العمال الكردستاني (PKK)

- في أيلول 1995 وقعت الاحزاب الكردية اتفاقية سميت حينها "اتفاقية دروكيدا" وذلك تيمنا بمدينة دروكيدا في دبلن العاصمة الايرلندية وباشراف الولايات المتحدة الامريكية والاتفاق على حزمة من الامور كان اولها اعتبار مدينة اربيل منزوعة من المظاهر المسلحة مع تقليل مكاتب الحزبين وعودة الحكومة والبرلمان الى عملهما. هذه الاتفاقية التي كانت مهددة بالانهيار بعد اربعة اسابيع من توقيعها لولا التدخل الايراني الثالث وتحديدا في 11 تشرين الاول 1995 وقع الطرفان المتنازعان اتفاقية اخرى عرفت بـ "اتفاقية طهران" التي لم يكن حالها أفضل حالا من الاتفاقيات السابقة. حيث لم تكن هذه الاتفاقية ذات جدوى لوقف الاقتتال الكردي-الكردي بين فترة واخرى سواء بين حزب الطالباني وحزب العمال الكردستاني او بين حزب البارزاني وحزب العمال الكردستاني ومن الطبيعي ان معدل الضحايا في اضطراد في كل هذه الحروب.

- اقتتال كردي-كردي اخر في منتصف آب عام 1996 بين حزبي الطالباني والبارزاني ايضا حيث بان الضعف على قوات البارزاني بشكل ملحوظ الامر الذي حدا بالاخير لان يستنجد بصدام حسين على حزب الطالباني فوجد اذن صاغية وردت فعل سريعه تكللت بدخول الجيش العراقي الى اربيل بعد اسبوعين من تجدد القتال انسحبت على اثره قوات الطالباني من اربيل بينما استمرت قوات البارزاني بالزحف على السليمانية وهي معقل حزب الطالباني الامر الذي اضطر الاخير لان يستنجد بغريم صدام التقليدي ففر بقواته الى ايران التي انجدته فدخلت القوات الايرانية الاراضي العراقية وهي داعمة للطالباني وقد تمكن الاخير بوساطة هذا الدعم من استرجاع مساحات ميدانية واسعة.

- اقتتال كردي-كردي في منتصف تشرين الاول من العام 1997 بين حزبي الطالباني والبارزاني وهو الاقتتال الرابع بينهما وذلك على اثر فشل الاتفاق بينهما في لندن. هذه المرة تدخلت القوات التركية ضد مليشيا الطالباني وارجعتها الى خطوط التماس قبل اندلاع الاشتباك الرابع بين الحزبين. بعدها باسبوعين وقع الطرفان "اتفاقية انقرة" برعاية الولايات المتحدة الامريكية. وكمقدمة حتمية للتحضير للضربة الامريكية على العراق فقد نزلت الولايات المتحدة الامريكية بكل ثقلها هذه المرة لانجاح الاتفاق وذلك من خلال دبلوماسية وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت ومساعدها ديفيد ولش وضغطهما على الاطراف المتنازعة بشكل جدي وحازم فوقفت الحرب وتم اطلاق الاسرى وايقاف الحرب الاعلامية وازهاق الارواح والعبث بالممتلكات العامة فوقفت الحرب بشكل كامل في منتصف ايلول 1998 لينتهي اقتتال كردي-كردي دام اربع سنوات لم تكن الامة الكردية طرفا فيه ولم تعلم كيف ولماذا بدأت الحرب وكيف انتهت وما الذي جناه الاكراد منها؟!

الغريب انه ولحد هذه اللحظة لم يتم مسائلة هذين الحزبين وقياداتهما عن الضحايا الذين سقطوا والممتلكات التي نُهبت وطابور اليتاميى والثكلى والمعاقين ولا أظن ان احدا بمقدوره حتى السؤال لمجرد السؤال فمصير من يتكلم في كردستان اليوم معروف كما لا أتوقع ان يتقدم الجناة الى محكمة الضمير الانساني قبل المحكمة الجنائية! ايضا لا أعتقد انني اتجاوز حد اللياقة اذا ماطالبت علنا بتقديم المسؤولين عن الاقتتال الكردي-الكردي من كلا الحزبين والذين تسببوا في ازهاق الارواح الى المحاكمة مع علي حسن المجيد بتهمة الابادة! فهل ستجد دعوتي هذه صدى في الاوساط الكردية فهي لعمري يعلم الكرد قبل غيرهم مدى عدالتها وانصافها للمظلومين في كردستان.

بعد كل هذا لا أجد مبررا للتحامل على كل من ينتقد الاحزاب بكل اطيافها وألوانها وللمدافعين عنها أقول أين العراق منذ عام 2003 وأين كان وأين وصلنا؟! من الذي يمسك بدفة الحكم والصراع معا ومن المسؤول عن الامن والامان والخدمات؟ أليست الاحزاب العربية والكردية مسؤولة بالدرجة نفسها عن كل مايجري في العراق فلماذا حلال سب الاحزاب العربية بشخوصها وحرام كل الحرمة ولو من باب التنويه والنقد البنّاء التطرق للاحزاب الكردية رغم افعالها الشنيعة والغير محسوبة العواقب؟! أليست ماتقوم به الاحزاب الكردية اليوم هو استعداء لكل فعاليات الامة العراقية بحجة الدفاع عن حقوق الاكراد متناسين ان العداوة لاتجلب الا مثلها؟! ثم أين كانت حقوق الاكراد من اجندة تلك الاحزاب يوم يستغيث الاول بصدام على الثاني الذي يستغيث بايران ويقع بينهما ضحايا لاناقة لهم ولاجمل بتهريب النفط وعائداته؟! سؤال نرميه على طاولة البحث ونخص بالذكر فيه المثقفين الكرد قبل غيرهم للتمعن فيه وتحكيم الضمير والعقل قبل العصبية ان كانوا حقا ينتصرون لقضيتهم وانسانيتهم. الغريب ان الاخ كاروان يتهم المنتقدين بانهم يدفعون الاكراد لتدمير البلد! لاتعليق لدي على تلك العبارة التي اتمنى انها قد سقطت سهوا ولا يقصد بها زميلنا اي فعل منافي للوطنية ووحدة البلد بشكل خاص او للمفاهيم الانسانية بشكل عام. ثم من قال ان الاحزاب الكردية تمثل كل الاكراد وتلبي طموحاتهم نحو التعايش السلمي مع الاخرين؟! وهل جرّب المثقفون الكرد التعايش مع نظرائهم من العرب في جو يسوده الثقة والمحبة عوضا عن لغة التخوين ونظرية المؤامرة ونظرة التشكيك؟! فكم من المثقفين العرب ممن انتصروا وينتصرون للقضية الكردية وكاتب السطور كان ولازال واحد منهم فأين المقابل والمعاملة بالمثل، لا ابالغ اذا ماقلت انه صفر!

أخيرا لابد ان نعترف جميعا ان الاحزاب العربية والكردية على حد سواء قد خلقت جوا متوترا ليس بين القيادات العاجزة العابسة فحسب بل وقد ورّطت معها الجماهير الغير منتمية وقد نجحت ايضا في خلق جو من اللاثقة بين مكونات الامة العراقية والاغلبية الصامتة وقد ساعدها في ذلك للاسف الشديد المثقفون انفسهم من حيث يدرون ولايدرون. أن كنت لاتدري فتلك مصيبة وان كنت تدري فالمصيبة أعظم!

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com