|
قصة يوسف ع رحلة حلم من سجن البادية الى عرش مصر - 14 -
حميد الشاكر ((اذ قالوا ليوسفُ ةأخوه أحبّ الى ابينا منا ..)) ****** هل كان حقا يعقوب اكثر حبا ليوسف واخيه من باقي ابناءه الاخرين ؟. أم ان اعتقاد الاخوة كان يرى فعل نبي الله يعقوب تجاه يوسف حبا، بينما هو لم يكن الا اتصالا بين رسول وخليفته ؟. ثم هل كان انتقام اخوة يوسف من يوسف ع بحياكة مؤامرة ضده لقتلة او نفيه بعيدا هو بسبب شدّة حسدهم وحقدهم على يوسف نفسه ؟. أم كانت كل خيوط المؤامرة تستهدف الاب يعقوب ع لتعود بوجهه الى الجهة المطلوبة للاخوة الكبار، وما محنة يوسف الا تبعا لهذه الاشكالية الواقعية بين يعقوب وابناءه ؟. درج التفسير التقليدي لقصة يوسف ع على ابراز جانب من جوانب القصة اليوسفية العظيمة، مع أهمال جوانب مع شديد الاسف أكثر أهمية فكرية واخرى عقدية وثالثة اجتماعية ..... وهكذا من ذالك الجانب الاحادي للقصة، لنجد ان القصة برمتها أُختصرت في مقولتين (( حسد الاخوة وذئب يوسف البريئ )) !. والحقيقة ربما استقى التفسير التقليدي هاتين الخطوتين او الجانبين من بداية القصة نفسها لكون أول ما يشدّ القارئ للنص القرءاني في القصة هو مشهد المؤامرة والدسيسة ومن ثم حياكة موضوعة القتل كأعلى حالة استنفار للمشاعر الانسانية في الدراما الاسرية او الطبيعة البشرية، ولهذا جاءت القصة وبكل مافيها من جمال وجذب للمشاعر الانسانية مُختصرةً في هذا المشهد الاخوي المؤلم الذي يرتفع بوتيرته بمشاعر المتلقي الاخر حتى النهاية ليصل به الى قمة المكر والشيطنة والدهاء والقسوة البشرية ..... عندما يصل الحسد والحقد بالاخوة الذين هم من صلب واحد لقتل اخيهم الصغير لالسبب الا لكون الاب العجوز يعطف عليه بشكل اكبر من الاخرين !. ومعروف في عالم الفن الانساني ان الطبيعة البشرية تميل بوجدانياتها النفسية كثيرا الى الانجذاب السايكلوجي الى مخططات الشيطنة واسرار القسوة ومنزلقات الذكاء ونهاية الجريمة، منها الى قصص حب الخير والتفاني بالعمل وعدم اضمار الشرور في هذه القصة او تلك !. وعلى هذا كان مبرر التفسير التقليدي منجذبا هو ايضا لابراز كل مافي القصة على اساس انها قصة الاخوة الذين حسدوا اخيهم ليفكروا بجريمة بشعة لقتله او طرده لترسوا سفينته على عرش مصر ملكا لها بعد ان أتهم بدمه ذئب بريئ لاحول له ولاقوة بدم الجميل يوسف !. نعم من الجيد ابراز هذا الجانب او ذاك من القصة القرءانية ليوسف ع، ولكن من السيئ طرح القصة برمتها من خلال عنوان المؤامرة الاخوية، بسبب ان القصة بغاياتها العظيمة لم تأتي لتعلم البشرية كيفية الجريمة وبشاعتها بقدر ما جاءت هذه القصة من البداية الى النهاية للقول للانسان : انه بامكان الانسان الصغير ان يشق طريقه بتوفيق الله سبحانه وهو يمتطي رؤيا وحلما من عمق الصحراء القاحلة ليصل الى اعلى منصب دنيوي من خلاله يدير العالم بدماغه !. وهذه الغاية هي التي تستحق عنوانا لقصة يوسف ع في القرءان الكريم، وليس عنوانا بمنزلة المؤامرة هو الاجدر بهذه القصة الكبيرى وأن كانت هناك أشارة :(( لقد كان في يوسف وأخوته ءايات للسائلين )) !. هذا من جانب، امّا الجانب الاخر الذي من خلاله نشجب حركة المفسرين التقليديين في تناولهم قصة يوسف ع على اساس انها قصة الاخوة الاعداء الذين حسدوا اخيهم الطفل الصغير، هو جانب ادراكنا لحقيقة : ان ليس هناك اصلا حسدا بين الاخوة في قصة يوسف اساسا لتركب القصة برمتها على هذا الجانب النفسي فمن اين اتى لنا المفسرون العظام بحياكة قصة الحسد واختصار عنوان القصة بها ؟. صحيح هنا :(( ليوسف واخيه أحبُّ الى ابينا )) في جانب الحب الذي اعتقده الاخوة وهناك :(( يخلُ لكم وجه ابيكم )) في الغاية من مشكلة يوسف، وهناك (( اقتلوا يوسف او اطرحوه ارضا )) لغرض خلُ وجه الاب لهم ..... لكنّ هل هناك ذكر يذكر لمفردة الحسد في النص القرءاني في قصة يوسف بالخصوص وعلى الاطلاق ؟. نعم مفهوم ان المصداق لمفهوم (( اقتلوا يوسف )) هو ربما الحسد !. ولكنّه ايضا ربما المصالح، وربما القيادة، وربما ...... اشياء اخرى تدخل في معادلة فكر أخوة يوسف هي التي دفعتهم للتفكير بقتل يوسف او نفيه من الارض، وعليه من اين جاء المفسرون العظام بمقولة الحسد هذه ولامشكلة في الحسد كعامل نفسي داخل في معادلة القتل، ولكن المشكلة هو في اختصار القصة كلها في هذا الجانب لعملية مؤامرة الاخوة لاغير ؟. الجواب هو : من القصة التوراتية التي ذكرت القصة برمتها على اساس انها مؤامرة حسد جماعية بين يوسف من جهة واخوته من جهة اخرى، ولا أشك شخصيا ان العقل اليهودي الذي اخترق الاجتماع والفكر الاسلامي هو الذي وضع ودسّ ورّوج للكثير من الاحاديث الموضوعة على النبي ص واهل بيته وصحابته الكرام في قصة يوسف بالذات وفي باقي المواضيع الاسلامية والقرءانية الاخرى بشكل عام، لالشيئ الا ارادة اثبات اليهود لصدق توراتهم الاسطورية المكذوبة على اساس انها صادقة وصدقها تأتي به النصوص القرءانية والاخرى النبوية !. ومن هذا ندعوا الى قراءة او اعادة قراءة جديدة لتراثنا الاسلامي بالعموم وقصص القرءان بالخصوص لتخليص هذا القصص العظيم من المؤثرات اليهودية، وتنقية النص القرءاني الكريم واعادة توجيه عناوينه بصورة مختلفة لتتناسب مع عظمة الطرح القرءاني ولتكن البداية من قصه يوسف ع لنعطيها عنوان مختلف عن عنوان (( قصة الاخوة الاعداء )) بسبب ان القصص القرءاني اكبر بكثير من هذه العناوين التوراتية المعقدة والقائمة على حب الجريمة والعقاب وجلد الذات والشعور بالنقص ........................ وهكذا !. والان ماهي قصة حب يعقوب لولده يوسف ع ؟. وهل حقا ان يعقوب قد أخطأ عندما ميّز في مشاعره بين الاخوة ؟. أو ان يعقوب حتى في هذه ظلم مرتين، مرّة لاعتقاد ابنائه ذالك، ومرّة اخرى لاعتقادنا نحن البشر الباقين بأن يعقوب ميّز بين ابنائه بالحب ؟. الواقع ان التأمل في النص القرءاني الكريم لايقول مطلقا ولاينقل بتاتا عن يعقوب انه ميّز بين ابنائه في مشاعره الابوية الصادقة، ولكنّ ماينقله النص القرءاني في القصة هو مقولة ابناء يعقوب انفسهم واعتقادهم ب :(( ليوسف واخوه احب الى ابينا منا ونحن عصبة ..)) مما يدلل على اننا بالامكان مناقشة هذا المقول ليس من منطلق انه دليل نصي على ان يعقوب كان يميز بين ابناءه، بل العكس هو الصحيح على اساس انه دليل على اعتقاد ابناء يعقوب انفسهم بأن والدهم يميل روحيا ووجدانيا بالحب الى يوسف واخوه الصغير أكثر بكثير من حبه لباقي ابناءه الاشداء والكبار ايضا، وهذا الاستدلال الثاني من الوضوح في منطوق النص بحيث لايحتاج سوى التأمل فيه والتوقف في قراءته لندرك : ان هذه المقولة منسوبة الى الاخوة وليس الى الاب، وان كان الاخوة نسبوا كثرة الحب لابيهم لكن هذا لايعني صدقهم في هذا الاعتقاد او اصابتهم في هذا التحليل، وعليه وكخطوة اولى في فهم القصة ( قصة الاخوة ) ومنذ البداية علينا التمييز الواضح بين : ان يقول النص القرءاني مرّة صراحا او يدللّ بشكل لالبس فيه على ان يعقوب كان يحب يوسف واخيه بصورة اكثر من ابناءه الباقين !. وبين ان ينقل النص القرءاني مقولة الابناء وكيفية اعتقادهم بفهم العلاقة القائمة بين يعقوب ع وولده يوسف ع على اساس انها علاقة حب وعاطفة ووجدان لاغير !. والحق ان النص صريح جدا بأن فكرة ( الحب ) هي من بنات افكار اخوة يوسف بالتمام، وليس لها واقع سلبي الا في مخيلة الاخوة بالذات، وبالطبع كانت هناك علاقة حب وحميمية بين يعقوب وابناءه بالسوية، ولكن ليس بالشكل الذي رآه اخوة يوسف وفهمته عقولهم المتحجّرة من ان هناك تمايز بين حب الاب يعقوب ليوسف واخيه وبين حب نفس هذا الاب لابناءه الباقين، وانما كانت هناك علاقة حب لجميع الابناء، مضافا اليها علاقة مسؤولية ورعاية فرضها الله على يعقوب الرسول ع تجاه يوسف الصديق باعتباره مجتبى من قبل الله سبحانه وتعالى، وهذه العلاقة الثانية والتي اساسها التلمذة والاستاذية الرسالية فحسب بين يعقوب ويوسف ع، هي مافهمها خطأ الاخوة الجهلة بواقع الحال ليعتقدوا ان هناك زيادة حب بين يعقوب وصبيه الصغير يوسف، وعلى هذا الاثر بنى اخوة يعقوب استنتاجهم الخاطئ بنتيجة قولهم :(( ليوسف واخوه احب الى ابينا منا ونحن عصبة ان ابانا لفي ضلال مبين )) !. وربما هنا وعند الوصول الى هذه النقطة المفصلية من المشهد الثاني يسأل متسائل ما حول : انه ألم يكن يعلم اخوة يوسف بالعلاقة الرسالية بين يوسف وابيه ؟. واذا لم يكونوا على علم بهذه العلاقة المختلفة عن موضوعة الحب ألم يكن من الواجب على يعقوب الحكيم ع ان يشرح لابنائه كيفية ووضعية العلاقة بينه وبين يوسف حتى لايقع اللبس في تفكيرهم وخيالاتهم الساذجة ؟. الحقيقة اولا: ان اخوة يوسف لم يكونوا يدركوا اي شيئ من قريب او بعيد تشير الى العلاقة الرسالية بين يعقوب والدهم واخيهم يوسف، فهذه العلاقة الرسالية بنيت بعد رؤيا يوسف ع احد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدة له، وقصها لوالده يعقوب، والوالد يعقوب نفسه هو من نبه على يوسف بأن :(( لاتقصص رؤياك على اخوتك ..)) فمن باب اولى ان يعقوب ايضا لايقصص رؤيا ولده يوسف على اخوته، ومن هنا نستدل ان قصّة الرؤيا اليوسفية بقيت سرّا بين يعقوب ويوسف حصريا، ولاعلم لاحد بها مطلقا غير هاذين الانسانيين !. ثانيا : ان نفس الدوافع التي دفعت يعقوب على التشديد على يوسف بعدم ذكر رؤياه وتأويلها الى اخوته، هي نفسها التي كانت تمنع يعقوب ع من مكاشفة ابناءه حول سرّ العلاقة التي تربط بينه وبين يوسف الصغير ع، وهذا بسبب ان يعقوب ابتلي بابناء لاينظرون الا الى ارنبة انوفهم العصبية، ولمجرد انهم شعروا او اعتقدوا بأن هناك علاقة حبّ زائدة بين يعقوب ويوسف سارعوا باتهام الاب بالضلال المبين وتحولوا لحياكة مؤامرة اجرامية تسفك فيها دماء طفل بريئ هو اخوهم يوسف، فكيف برب العزّة اخبرني ان اخبرهم يعقوب الوالد ان سبب ملاصقتي ليوسف هي لاجتباء الله سبحانه له ومن ثم لتعليمه له تأويل الاحاديث وبعد ذالك اتمام النعمة المطلقة عليه ؟. فكيف سيكون ردّة فعل العقل البدوي الاعرابي للاخوة على مثل هذا الكلام ؟. لاريب انهم ستنتابهم نفس نوبة العصبية الجاهلية (( ونحن عصبة )) ليتهموا الاب ليس بالضلال فحسب وربما بالكفر الصراح ومن ثم قتله، ومن ثم يلتفتوا ليوسف ليقطعوه باسنانهم اربا اربا !. وهذا مامنع يعقوب الحكيم ان يكشف سرّ اجتباء الله سبحانه وتعالى ليوسف الصديق، وسرّ ملازمته الدائمة له باعتباره انسانا مجتبى من قبل الله، وباعتبار ان وظيفة يعقوب في هذه اللحظة امام الله عزوجل هو ان يتهيئ لنقل المسؤولية الرسالية الى يوسف باعتباره رسول الانسانية القادم والخليفة المرتقب .... وغير ذالك كثير !. اذن يتبين بما لايقبل الشك حقيقتين : الاولى عدم معرفة ابناء يعقوب بسرّ العلاقة بين يعقوب ويوسف وانها ارقى بكثير من مجرد علاقة عاطفة روحية هي الحب !. والثانية : هي حقيقة عدم امكانية افصاح يعقوب او يوسف لسرّ هذه العلاقة باعتبار انها علاقة شاء الله ان لاتظهر الا في زمنها ومكانها المرسوم لها فيما بعد . ولكنّ حتى مع هاتين الحقيقتين الا يمكن افتراض : ان احد الاخوة او كلهم قد سأل يعقوب الاب حول سرّ هذه العلاقة التي تبدو بالظاهر على اساس انها علاقة حب شديدة ؟. ام ان مؤتمر أخوة يوسف لم يكن يعير كبير اهتمام لقضية حب العجوز يعقوب لفتاه يوسف، وانما الاهتمام الاكبر منصب على مابعد الحب وليس الحب نفسه ؟. بمعنى اخر : هل حقا ان رجال البادية والعصبة اخوة يوسف كان مايثير مشاعرهم وعقولهم وتفكيرهم هو مجرد حب والد عجوز لصبيه الصغير يوسف ع ؟. أم ان مايثير اهتمام الرجال الاشداء القساة القلوب هو شيئ اكبر حجما من حب الشيخ لابنه ؟. على مانعتقده نحن شخصيا ان أخوة يوسف اتوا بمقولة :(( ليوسف واخوه احب الى ابينا منّا ..)) لاليناقشوا قضية الحب كعاطفة بحد ذاتها، ولاليناقشوا لماذا يعقوب يحب يوسف اكثر منّا بشكلها الساذج، ولا لينفسوا من خلال النقاش عن ضغوطات حسدهم الناري الذي يأكل قلوبهم واحدا تلو الاخر ... لا !. ليس هذا من الشأن الذي يقصه القرءان على مسامع العالمين، ولا هو من الشأن الذي يتخاطب به اصحاب العقول النيّرة من خلق الله سبحانه الفاهمين، فليس هناك اعجوبة في رصد حالة تعلق عجوز بصبيه المولود من صلبه في اخر العمر، وليس هناك قيمة لرصد حالة اخوة كبار اصحاب بأس وعصبة وتدبير تشغلهم حكاية والد يحنو بعطف على ابنه، وربما كانت نفس هذه العاطفة الابوية موجودة لدى الاخوة الكبار انفسهم تجاه يوسف الصغير ولاشك في ذالك على اهل العصبة عندما يرحبون بالصبية القادمة للانخراط في تقوية شوكة العصبة الاسرية القبلية لهم كرجال للمستقبل !. ولكن مايشغل عقول وتفكير عصبة بمنزلة اخوة يوسف هو :(( وجه الاب )) اولا والى اين يتجه في نهاية عمره !. ان النص القرءاني صريح بأن ماحرك افكار اخوة يوسف ودعاهم لعقد اجتماع مكبر للمناقشة هو ليس بالتحديد يوسف كصغير لايضرّ ولاينفع، وانما مادعاهم للقلق هو (( حب الاب نفسه )) او توجه الاب يعقوب نفسه، فالمشكلة على هذا الاساس لابناء يعقوب هو ليس يوسف بقدر ماهو الاب يعقوب بالذات، ولهذا لاحسد في القضية بين يوسف واخوته، ولا احقاد على طفل صغير لايضرّ ولاينفع في واقع الحياة القبلية القتالية ... ولاهم يحزنون !. وانما كل القضية منصبة على مناقشة مستقبل الاخوة بعد رحيل الشيخ العجوز يعقوب من هذه الدنيا ؟. وهل ان حب الشيخ العجوز يعقوب ليوسف سوف يخلّ بمعادلة المستقبل بالنسبة لهم كعصبة قوية ؟. والى اين ستؤول قيادة العائلة اليعقوبية بعد رحيل الاب ؟. وهل لابناءه الاشداء اصحاب العصبة والتدبير ؟. أم ان الشيخ العجوز يعقوب سيقوم بفعل استباقي يقدم من خلاله يوسف واخيه لواجهة القيادة كأمر واقع ؟. وهل للعلاقة الودية الظاهرة بشكل ملفت على الساحة بين يعقوب ويوسف اي تأثير على القيادة في المستقبل ؟. (( اذ قالوا ليوسف واخوه احب الى ابينا منا ونحن عصبة ان ابانا لفي ضلال مبين )) فهل استولى السفه العقلي على الاب يعقوب حتى يقدم صبي كيوسف على اصحاب الشدة والقوة والعصبة في القيادة ؟. هل المشكلة (( حسب رأي الاخوة )) في يوسف أم في الشيخ العجوز ؟. واذا كان يوسف يهدد وجودنا المستقبلي كقيادة في هذه القبيلة بعد يعقوب، فهل الافضل التخلص منه لقيادة القبيلة بالقوة ؟. أم نطرده وننفيه بدلا من ذالك ويكون الغرض رجوع وجه الاب للابناء الصالحين لقيادة سفينة العائلة بأمان ؟. كل هذه الاسألة وغيرها هي ماحرّك اخوة يوسف على مناقشة ظاهرة الاب يعقوب وولده يوسف باعتبارها اشكالية في ادارة العائلة فيما بعد وليس باعتبار ان هناك شيخ عجوز يحب صبيه وكفى !. ان الدراسات الاجتماعية تقول لنا ان المجتمعات القبلية والعصبوية والتي كان اخوة يوسف وعائلة يعقوب تعيش بين قوانينها بنص القرءان (( ونحن عصبة )) باعتبارها القانون الاول لحياة القبائل والبادية والصحراء، لاتعير اهتمام كبير وجدّي لمسائل العاطفة الوجدانية والترف الاخلاقي كالحب والترف في المعاملة والالتزام باخلاق المدن المتحضّرة، بسبب ان حياة البادية والصحراء تفرض عليهم الخشونة والقسوة وحب الغارة والتمثلّ بالجرأة والشجاعة اكثر من اخلاق العطف والمحبوبية .... وباقي الترفيات الاخلاقية المدنية، ومن هذا نفهم لماذا نقول ان في مجتمع كمجتمع اخوة يوسف لايعيرون اهتماما كبيرا بقضية (( الحب )) بل ويعتبرونها من الاشياء المعيبة على رجل العصبة، وكون يعقوب ع يحب ابنه يوسف ع امام رجال العصبة والقسوة شيئ ليس بذات قيمة في قوانين التعوصب والخشونة، والكنّ الاكثر اهمية هو هل هذا الحب سيدخل في معادلة القوة والعصبة ليشكل خطرا على معادلة القبيلة والعصبة ؟. ام ان هذا الحب سيبقى بعيدا وعاطفيا فحسب ؟. ان بقى عاطفيا بين اب كيعقوب وابن كيوسف، بالنسبة لاهل العصبة فهو شيئ تافه ولايستحق الذكر بدلا من انه يثير الحسد او يدعوا لعقد اجتماع بين اخوة على مستوى قيادة في ال يعقوب !. اما ان كان الحب داخلا في معادلة القيادة والعصبة والسلطة فللحب شأن آخر انتقل به من العاطفة الساذجة الى المصلحة والقيادة والفعل والمستقبل .... وهكذا !. وهكذا فهمنا المداخل والمخارج الحقيقية والواقعية لمقولة :(( ليوسف واخوه احب الى ابينا منا )) وان هذا النص نقل حقيقة مابعد الحب الساذج والعاطفي بالنسبة لتفكير اخوة يوسف، وانه ليس له علاقة بما يذكر في كتب التفاسير من حب ساذج حرّك حسد اخوة تافهين ليس لهم شغل شاغل الا مراقبة عجوز يداعب صبيه بعطف وحنان، وانما كان النص القرءاني ناقلا لحقيقة على مستوى عالي من الفهم والتعقلن وحياكة المؤامرت السياسية التي تستحق للوصول بنتائجها للتضحية بانسان بمنزلة يوسف يقتل او ينفى من الارض في سبيل غاية خلّ وجه الاب من الخليفة المرتقب واضطراره بعد غياب يوسف لانتخاب من يخلفه من الاخوة اصحاب العصبة الاقوياء ليكون خليفته من بعده لقيادة الاسرة اليعقوبية فيما بعد، ولهذا اشير الى ((ونحن عصبة)) باعتبار ونحن اهل الحلّ والعقد، وأهل الدفع والادارة في هذه الاسرّة، فمامعنى تقديم العجوز لصبي ليس له ادراك بشؤون حرب ولاسلم الى واجهة العناية الا ان يكون الصبي قد سلب العجوز لبّه ليقدمه العجوز فيما بعد لقيادة السفينة ؟!. واذا كان العجوز قد غلبه السفه العقلي في تقديم الضعيف على القوي، فماعلى القوي الا دفع الضعيف عن طريقه، وكان ماكان بين يوسف واخوته على هذه الشاكلة ؟!.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |