|
انتحار الالوسي!
رياض الحسيني: كاتب وناشط سياسي عراقي مستقل الزيارة التي قام بها النائب العراقي ورئيس حزب الامة العراقية السيد مثال الالوسي مثار الجدل منذ ان عرفته الساحة السياسية العراقية الى اسرائيل لحضوره المؤتمر الثامن لمكافحة مايسمى "الارهاب" الاسبوع الفائت كانت مثار جدل وشد وجذب حتى وصل الامر الى التراشق بالايدي بينه وبين بعض رؤساء الكتل النيابية وتحديدا السيد كريم العنزي رئيس حزب الدعوة-تنظيم العراق بينما اكتفى بالتلاسن وتبادل التهم مع السيد هادي العامري رئيس منظمة بدر التابعة للمجلس الاعلى الاسلامي العراقي. الجميع يعلم ان الزيارة الثانية التي قام بها الالوسي لن تقدّم ولن تؤخّر لو كانت قد جرت كما سابقتها التي دفع لاجلها ولديه أيمن وجمال. لكن التصريح الذي ادلى به من اسرائيل وهو يدعو الحكومة العراقية وبعض حكومات الجوار وتحديدا الكويت لاقامة ما أسماه "نظام استخباراتي عالمي" لمحاربة ايران وذلك بالتعاون مع الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل يمكن اعتباره جوهر الموضوع واساس الخلاف الذي نشب وسرعان ماتطور. ترى هل يحق للالوسي ان يقوم بزيارة اسرائيل التي تعتبر وفقا لكل المعاهدات العراقية التي كان العراق كدولة طرفا فيها انها كيان غاصب ولازال العراق يعيش معها حالة حرب ولم يوقّع الطرفان اي معاهدة سلام او وقف اطلاق نار او حتى تهدئة؟! من الناحية النظرية والدستورية ووفقا لدستور العراق الجديد ليس من نص يمنع الالوسي او غيره من زيارة اسرائيل حتما وقطعا ولكن ماذا عن المسؤولية الاخلاقية وهل كل ما لايمنعه الدستور مباح لمسؤولي الدولة وممثلي الشعب؟! وهل يحق للالوسي ان يحشر دولة عربية اخرى كالكويت مثلا في مقترح اتفاق امني طويل الامد مع اسرائيل واميركا والعراق ليعيد الى الاذهان "الاتحاد الهاشمي"؟! واذا كان الالوسي قد ذهب بصفته الشخصية وليس مبعوثا من الحكومة العراقية او ممثلا لها فلماذا جاءت تصريحاته النارية من هناك لتوحي ان الحكومة العراقية راضية ومستعدة للمضي في طريق تحقيق مقترحه؟! ألم يقل الالوسي بالحرف الواحد "ينبغي التعاون مع اسرائيل من اجل انتاج سلاح استخباراتي مع تركيا والولايات المتحدة والكويت لضمان انتقال معلومات جيدة"؟ ترى هل كان الالوسي في موضع يسمح له ان يحدد ماينبغي وما لاينبغي للحكومة العراقية فعله؟ وأضاف "ايران اليوم مركز المصائب في المنطقة وغالبية الشعب العراقي لاتؤيد النظام في طهران"؟ ترى من الذي استطلع اراء الشعب العراقي في تلك الموضوعة ليؤكد ان غالبية الشعب العراقي تؤيد او لاتؤيد وكأن اختيار النظام الايراني من حق الشعب العراقي؟ ترى ما الفائدة من تصريحات كبيرة لاتتناسب مع حجم الالوسي في البرلمان والجميع يعلم انه لايملك الا مقعدا يتيما واحدا جاء عن طريق دعم الكيانات الصغيرة فضلا عن حجم الاختلافات بينه وبين باقي الكتل الكبيرة في موضوعات كثيرة وشائكة؟ أيضا لماذا لايتعض ساسة العراق من اخطاء من سبقهم فماذا جنى العراق من محاربة ايران غير الدمار والخراب وتضييع الثروة واستقدام الاحتلال؟ ثم الم يحن الوقت للتعامل مع ايران كجارة جغرافية لم يكن للطرفين رأي في اختيار مواقعهما وماذا يكلّف الساسة العراقيين لكي يرسلوا رسائل تطمين لطهران بدلا من رسائل التهديد والوعيد التي اثبتت ليس فقط فشلها وعدم مشروعيتها بل ومردودها السلبي على استقرار العراق ورفاهية شعبه؟ السيد مثال الالوسي يعلم قبل غيره انه غير مرحّب به تحت قبة البرلمان من كتلة التوافق السنّية قطعا ولبعض تشكيلات القائمة الشيعية مؤاخذات عليه وان اي غلطة من جانبه تعد انتحارا له ونهاية لمستقبله السياسي والبرلماني كما حصل لغيره ممن وقفوا وهاجموا ايران اللاعب الاكبر في العراق اليوم وباعتراف الجميع. يبدو ان الرجل قد راهن بشكل كبير على الدور الاميركي من جهة ودعم رئيس الجمهورية السيد جلال الطالباني خصوصا وان القائمة الكردستانية لاتمانع في اقامة علاقات او اتصالات من هذا النوع. لكن يمكن القول ان الرجل قد اخطأ الحسابات هذه المرة قطعا، فرئيس الجمهورية ليس بوسعه مخالفة اي مطالبة لكتلة الائتلاف العراقي خصوصا وان التوافق السنّية هذه المرة قد دخلت على الخط وبقوة محاولة الاستفادة من هذا الحدث لتصفية حساباتها مع الالوسي. كما ان التحالف الستراتيجي بين الاطراف الحاكمة لايسمح بهكذا هامش كبير الا من خلال شروط وتعهدات لابد للالوسي القيام بها وهو امر مشكوك فيه فمن خلال معرفتي بشخصية الالوسي لا اعتقد انه سيكون في موقع يسمح له ان يتنازل فيه عن فعل قام به ليقف امام الجميع وعلى مرأى ومسمع من العالم اجمع ليعتذر عن زيارته لاسرائيل او عن تصريحاته التي ادلى بها او ان يكتب تعهدا على نفسه بالا يقدم على فعل مماثل مستقبلا وهي مطالب اقل مايمكن ان تطرحه باقي الكتل على الرئيس الطالباني لحل الاشكال. اما التوكّل على السفارة الاميركية فلا اعتقد ان من الحكمة تصور ان بامكان تلك السفارة او حكومتها ان تفرض الالوسي صاحب المقعد الواحد على كتل بحجم الشيعية والسنّية والكردية مما يعني تقديم الالوسي كبش فداء وصيد سهل تتجمل فيه السفارة على جميع الاطراف خصوصا وان الحكومة الامريكية بحاجة الى حلحلة عقدة الاتفاق الامني الطويل الامد الذي يبدو انه قد وصل الى طريق مسدودة وذلك على اثر سحب رئيس الوزراء نوري المالكي ملف المفاوضات من وزارة الخارجية الى مكتبه الخاص. أما اللجوء الى المحكمة الاتحادية فهي خطوة لن تجدي نفعا قطعا لان سحب الثقة من الاغلبية البرلمانية بحق احد افرادها ليس من اختصاصات تلك المحكمة التي ستنظر الى الامر على انه شأن داخلي يتم الرجوع فيه الى النظام الداخلي للبرلمان والى توافق الكتل السياسية. جميع المؤشرات تؤكد ان الالوسي سيدفع ثمنا لتصريحاته التي لاتتناسب قطعا مع حجم تمثيله البرلماني ولكن من يدري في موضوعات شائكة من هذا القبيل دائما هناك مفاجئات وحسابات خلف الكواليس واطواق نجاة لاتاتي على بال احد. حتى ذلك الوقت فان الالوسي مرفوع عنه الحصانة ولايحق له حضور قبة البرلمان والمشاركة في فعالياته وهو في موضع ينتظر فيه تحديد مصيره من قبل الاخرون الذين وان سمحوا له بالرجوع الى البرلمان فستكون عودته غير محمودة العواقب وبشروط مذلّة لكن قطعا لن يسمحوا له ولالحزبه من اقتطاع ولو جزء بسيط من كعكة انتخابات المحافظات التي خسرها الالوسي حتى من قبل ان يعلن دخوله فيها.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |