|
قصة يوسف ع رحلة حلم من سجن البادية الى عرش مصر - 15 -
حميد الشاكر
(( اذ قالوا ليوسفُ وأخوه أحبُّ الى أبينا منّا ونحنُ عصبة ان ابانا لفي ضلال مبين )) ************ لو فرض جدلا ان يعقوب ع كان يحبّ يوسف وأخيه بنيامين أكثر من باقي ابنائه الاخرين، مع اننا اثبتنا استحالة ذالك وعدم واقعيته في الحقيقة وانه اعتقاد خاطئ وقع فيه ابناء يعقوب لعدم ادراكهم كنه العلاقة الرسالية بين يعقوب ويوسف وانهم لم يكن لتثيرهم قضية الحب كعاطفة بقدر مايهمهم شأن مابعد الحب في قيادة الاسرة، ولكنّ على فرض ان يعقوب كان بالفعل أشدّ حبا ليوسف واخيه، فهل كان يعقوب مخطئٌ عندئذ بتقديم يوسف على اخوته في جانب الحب والرعاية هذا ؟. أم ان يعقوب وعلى اي حال لاينبغي له ان يقدم الافضل على المفضول في هذه الحياة الدنيا ؟. بمعنى اخر ومن الجانب المقابل : ماهي الرؤية التي توضحت ليعقوب تجاه يوسف بعد رؤيا يوسف نفسه ع ؟. وهل هي نفس رؤية أبناء يعقوب ليوسف نفسه ؟. لنبدأ من السؤال الثاني وهو كيفية رؤية يعقوب ليوسف ع، وكيف فهم يعقوب مستقبل هذا الصبي الواعد ؟. يعقوب الحكيم ع رأى ان ليوسف في قابل الايام شأنا عظيما جدا، فهو سوف يجتبى من قبل الله سبحانه ويعلّم ومن بعد ذالك تتم النعمة ليس عليه فحسب، وانما ستشمل النعمة كذالك ال يعقوب برمتهم، مع ادراك ويقين يعقوب بنفس الوقت حقيقة :(( يمحو الله مايشاء ويثبت وعنده أمُّ الكتاب )) في قصة يوسف ع، ومع ان ليوسف المستقبل العظيم حسب تأويل يعقوب لرؤيا يوسف ع، ولكن يبقى لله عزوجل شأن المحو والاثبات لحقائق اي انسان او اي شيئ في خلقه العظيم لحكمة، فيعقوب عالم بحقيقة التصرف الالهي الخطير في ملكه وعالم بحكمته وقضائه وقدره في جميع خلقه الكبير والصغير، ومدرك ان لله اثبات ماليوسف ع في مستقبل الايام، وله سبحانه محو ذالك ايضا، وهذا مايتعلق برؤية يعقوب ليوسف الصديق ع ومافهمه يعقوب لمستقبله فيما بعد !. أمّا من الجانب الاخر للمعادلة فنجد أخوة ليوسف وابناءً ليعقوب تشغلهم حياة الصحراء، وتدير عقولهم قوانين العصبة، وتستهويهم حياة البادية والغارة والصيد واللعب مع الاسنة كأقصى غايات وجودهم الانسانية في هذه الحياة، ينظرون وبنفس الوقت وتزامنا مع يعقوب ورؤيته ليوسف، على اساس ان يوسف الصبي الصغير، وصاحب الطلعة الجميلة، والضعيف والذي لايملك من الدنيا حلاًّ ولاربطا في شؤون الحياة التي كانت تعيشها عائلة يعقوب في البادية، ماهو الا يوسف الظاهري بالنسبة لاخوته، والغير مهيئ للعب دور في حياة التعوصب، والذي لايبدو عليه ظاهريا او لاتبدو ان هناك اسبابا ظاهرية تهيئه للعب دور حيوي في هذه الحياة، فهو صغير السن ومن الصعب في حياة العصبية القبلية تقدم الصغير على الكبير، وهو ضعيف ومن غير المنطقي في عرف القبلية العصبوية ان يتقدم الضعيف على القوي ....، وعليه فيوسف الصغير بالنسبة الى وجهة نظر اخوته ماهو الا غّرٌ يفهم من الحياة كيف يلعب ويرتع فحسب !. ولاريب هنا ان بين الرؤيتين اختلافات عظيمة، رؤية ترى ليس فقط واقع الحال الاني لأي شيئ في الوجود بما فيه الانسان، بل وترى ايضا حقائق المآل وواقع المستقبل وهو يتجسد بشكل صورة واضحة المعالم، وهذه هي رؤية الانبياء والعظماء من الحكماء والعلماء في هذه الحياة الدنيا، وهي هي رؤية يعقوب الحكيم ع، ورؤية ثانية عامية ساذجة لم توهب من الرؤية غير الارتباط بظاهر الاشياء ووجوداتها الأنية في الحركة وواقع الحال، اما رؤية المآل فليس من شأن الجهلة ابصار ماهو بعيد ومستتر خلف الزمان والمكان، وهذه هي كانت رؤية أخوة يوسف الكبار ومن لفّ لفهم في هذه الحياة الدنيا !. ان يعقوب الحكيم كان يرى في يوسف ع انه وبعد بشارة الرؤيا وضع قدمه على اول الطريق الذي سيوصله حتما بعد مشيئة الله سبحانه وتعالى الى عزّ الدنيا والاخرة معا، فهو بغض النظر انه سيجتبى من قبل الله سبحانه وتعالى ويقف في مصافّ احباء الله الذي يجب محبتهم من باقي الخلق اجمعين، وبغض النظر انه سيعلّم من تأويل الاحاديث، وبغض النظر انه سيوحى اليه من قبل الباري عزوجل ليجدد الشريعة والدين ....، بغض النظر عن هذا كله فيوسف ستتم عليه النعمة ويتخذ اماما للعالمين كما اتخذ ابراهيم واسحاق من قبل، مايعني بالنسبة ليعقوب ان يوسف ع ليس فقط فرصة لاتأتي الا مرّة واحدة في طول الزمان وعرضه، بل وكذالك هو مخلص ال يعقوب من حقارة البادية ووضاعتها، ودونية الخوف ومذلته، فمعروف تأريخيا ان ال يعقوب هم طريدي ثأر في خارج الصحراء ( كما ذكرنا في الحلقات الاول من هذا البحث ) ومعروف ان يعقوب نبي وموحى اليه من قبل الله سبحانه وتعالى، وعلاقة النبوة مع التمدن علاقة جسد وروح، امّا ان حكم على يعقوب النبي لسبب او آخر انه يسكن البادية وينفى فيها، فلا يعني هذا امكانية تطبع الانبياء بأخلاق البوادي المزعجة، بل سوف تضاعف البلية في هذه الحالة على النبي كثيرا ليشعر هذا الانسان المتمدن انه وقع بين نارين، نار البداوة ونفيها وسجن طاقات الانسان ووظائفه الخلاّقة فيها، ونار خنق الاخلاق المدنية للنبي واضطراره للقبول والتعايش مع اخلاق البوادي الظالمة والمعربدة، كالتي ابتلي بها يعقوب من قبل ابناءه وتسرب خلق ((العصبية)) لهم بحيث مسخت كل كيانهم ورفعت من ذاكرتهم بانهم ابناء نبي ونبوة وسلالة امامة ووحي ....، ومن هذا الواقع يخرج يوسف ع ليلقي حبل النجاة لال يعقوب باعتباره المنقذ الذي سيتم الله عليه النعمة تماما، ويسحب خلفه ذرية خلقت لتكون في عزّ المدنية والحضارة ولم تخلق لتكون نهب البوادي ومطاردة الذئاب حسب ما كان يرى يعقوب الحكيم لواقع وجوده الرسالي هذا !. فهل يحق ليعقوب بعد هذه الرؤية ان يلتفت بشيئ اكبر من الحب ليوسف وليفضله على اخوته ؟. أم كان من العدل أهمال يوسف المنقذ للنبوة وال يعقوب كسلالة ابراهيم، والالتفات بالكلية لاخوته العصبة القوية ؟. لنفرض انه كان من المفروض على يعقوب ان يلتفت لمكامن العصبة والقسوة ويحضى اخوة يوسف بحب يعقوب وعلى الاطلاق فماذا سيكون بعد ذالك ؟. وهل سيضيف هؤلاء المتعوصبين قبليا اي شيئ لحياة ال يعقوب في الحياة الدنيا ؟. أم انهم بدلا من اضافة المزيد من الرقي لعائلة النبي يعقوب سيغرقون هذه العائلة الرسالية اكثر فاكثر في وحل الجريمة الجاهلية والوضاعة القبلية وغير ذالك ؟. الحقيقة ان أولئك الاخوة والابناء ليعقوب لم يكن لديهم اي مشروع رسالي يذكر في هذا العالم، وهذا بغض النظر انهم عجنوا بحياة البادية حتى ربتّهم على مقاييسها الصحراوية لتنتصر على يعقوب نفسه في تربيته لهم، وبدلا من ان يتخلقوا باخلاق الرسول الكريم يعقوب ع، تراهم وبنص القرءان ينطقون بلسان مربيتهم الملعونة القبلية بمقولة (( ونحن عصبة )) وكأنما يريد ابناء يعقوب ومع الاسف، بدلا من ان يقولوا (( ونحن ابناء يعقوب )) قالوا انكارا لتربية والدهم النبي يعقوب ب (( ونحن ابناء القبلية )) اي (( ونحن عصبة )) او انهم بالاصح خضعوا تماما لتربية الاب الاجتماعي بدلا من الاب الفعلي الذي هو يعقوب لينطقوا بلسان والدهم الاجتماعي وينتسبوا اليه بالتربية ليقولوا (( ونحن ابناء قانون المجتمع العصبة )) بدلا من ان يقولوا نحن ابناء النبوة والرسالة !. وبدلا من ان يؤكدو اخلاقهم الرسالية ليقولوا (( ونحن الاسباط )) قالوا ومع الاسف بلسان شيطانه الصحراء القبيحة (( ونحن عصبة )) ليدللوا على ان اخلاق الصحراء هي التي غلبت عليهم تماما، وقانونها القبلي هو المحرك لافكارهم الوضيعة !. نقول بغض النظر عن كل ما استولت عليه القبلية من ابناء ونهبته من امام عينا يعقوب الاب، وحولتهم من ابناء رسالة ونبوة الى ابناء ليل وجريمة، بغض النظر عن هذه الكارثة، فاخوة يوسف وابناء يعقوب هم كذالك لايملكون اي مشروع لاديني ولاغيره دنيوي ليدفع من يعقوب ويحثه على تقديمهم لامامه واتخاذهم أخلاّء له من دون يوسف الصبي الصاعد !. فيوسف صاحب مشروع الرؤيا، أما اخوته فماهو مشروعهم في هذه الحياة ؟. نعم مشروعهم مشروع العصبة، ومشروع الحق مع القوة وليس القوة مع الحق !. ان مثل هذه المشاريع التي ترى ان الحق مع القوة، وليس القوة مع الحق، وكذا مشاريع الحق مع العصبة وليس العصبة مع الحق ...، مثل هذه المشاريع ليست فقط هي مدانه من قبل الانبياء والرسل بما فيهم يعقوب الكريم ع، بل هي مشاريع توجب النبوة والرسالة الكفر بها واللعن لمضامينها الشيطانية باعتبارها طاغوت اعظم لاايمان يأتي به الانسان مالم يقدم (( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى )) بل انها مشاريع بالنقيض تماما لكل المشاريع النبوية والرسالية التي حاولت الانتصار على المشاريع السياسية الوسخة التي ترى في القوة حقا، بينما اراد الانبياء والرسل ارساء دعائم مبدأ القوة مع الحق المنافي لمشاريع العصبية الجاهلية والقبلية السياسية وغير ذالك !. نعم هكذا كان يرى العظيم يعقوب ع يوسف من جهة بمشروعه الرسالي النبوي العظيم صاحب العدالة وقوة الحق، ومن جهة اخرى كان يرى يعقوب مشروع اخوته صاحب الحق مع العصبة والقوة، صاحب الظلم والتسلط والدكتاتورية والهيمنة وقوة السيف وسماكة قبضته !. فهل يحق ليعقوب بعد هذا ان ينتصر لمشروع يوسف ويميل نحوه ؟. أم عليه ان ينتصر لمشروع العصبة ليرضي الشيطان والعياذ بالله ؟. ان القصة في نهايتها بالنسبة ليعقوب قصة مشروع وليست قصة ابناء وضرائر بالنسبة للرسل والانبياء :(( قال انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح )) فافهم هذا يؤتك اجرك مرتين ويرزقك من حيث لاتحتسب !.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |