|
يقترن مصطلح "الاوليغارشية Oligarchies" دوما بالميليشيات السياسية، وهي المجموعات التي تخلقها السلطات او التكتلات السياسية كمجموعات عسكريتارية مرتزقة، وصفت ككلاب حراسة في أي مجتمع، وتقترن تاريخيا بجذور قوى الارستقراطيات المنظمة التي تنتقي الأقوى والأفضل والأذكى لحماية مصالحها، وكثيرا ما يستعان بشباب مرتزقة يبيعون ولاءهم بالمال والسلاح، وفي ظل حكومات قمعية ودكتاتورية تنتفي منها الديمقراطية. والعراق، لا يمكنه أن يبقى رهينا للفوضى والتدمير على يد ميليشيات مسلحة، وعصابات إجرامية، ومرتزقة اوليغارشية تابعة لقوى سياسية. السؤال : هل ثمة خطة تشريعية لاستئصال اوبئة كهذه التي تعبث بالمجتمع وتقّض مضجعه منذ سنوات طوال ؟ إن الثمن الذي دفعه العراقيون كان باهظا جدا، وكم نادى العديد من العراقيين الأحرار كل الحكومات المتعاقبة أن تفعل شيئا إزاء تفاقم خطورة تلك الاوليغارشيات المسلحة التي تنتشر في كل مكان.. بل ولها القدرة على التحرك في اي مكان، وقد شكلت نفسها (كميونات) حاكمة في مناطق معينة وهي مضادة للحكومة المركزية ببغداد، ولكنها مخترقة لمؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية. لا اعتقد أبدا أن مرحلة جديدة قد بدأت في العراق بعد مرحلة قتال عناصر تنظيم القاعدة... في حين أكد قائد قوات التحالف بيتريوس ان التيار الصدري كتلة سياسية قوية ينبغي التعامل معها لا الصراع ضدها. ولكن الحكومة تقول : انه لا يمكن التهادن مع مثل هذه المليشيات من اجل مستقبل العراق والعملية السياسية، بل وخطت الحكومة العراقية خطوة جريئة ـ إن صح ما قيل ـ في منع أي حزب سياسي أو كتلة أو جهة سياسية المشاركة بالانتخابات المقبلة وفقا للدستور، ان بقي اي طرف سياسي يمتلك اية ميليشيات مسلحة..فهل سيبقى هذا القرار ساري المفعول ؟ كما وان هناك قرارا بجعل المدن والعتبات المقدسة مناطق منزوعة السلاح، ويمكن إضافة الاعظمية إليها وعدم السماح بعد الآن ببقاء أية مدينة مغلقة لحساب جهة معينة، وقد شدد العزم على تحرير جميع المدن من العصابات والخارجين عن القانون. فهل بالإمكان تطبيق مثل هذا «الكلام» أم انه للاستهلاك الإعلامي والتسويق السياسي ؟ صحيح أن مثل هذه «القرارات» أتت متأخرة عن موعدها كثيرا، وان العراقيين قد سئموا المليشيات وفرق الموت، ويظهر المرتزقة يفعلون ما يطيب لهم أمام الناس على العلن.. ولكن سؤالي : هل باستطاعة الحكومة أن تقضي على ميليشيات أحزاب تشارك في الحكم ؟ وهل هي صادقة في استئصال كل المليشيات من الساحة العراقية ؟ وإذا كان بعض المليشيات يشابه تنظيم القاعدة، فلماذا انتبه القادة الجدد إلى هذا الأمر وكانت عدة مليشيات محسوبة على أطراف في الحكم، تعبث بالعراقيين على مدى أكثر من خمس سنوات ؟ اسأل ايضا : لماذا سمح للتيارات التي تقود تلك المليشيات دخول العملية السياسية ؟ وهل أن بقية المليشيات التابعة لقوى سياسية أخرى اقل إجراما من هذه ؟ إن هذه الأسئلة مهمة جدا في معرفة ما الذي يجري اليوم.. وستثبت الأيام حقيقة مثل هذه الصراعات.. هل هي مصالح وطنية حقيقية أم مصالح فئوية وتحالفات نفعية ! إن العراقيين بحاجة ماسة إلى الوعي بمخاطر جحافل هذه العصابات الاوليغارشية والمرتزقة، التي لا تخلو من ارتباطات بجماعات وأطراف سياسية وبدول معينة بالذات.. إن وعي العراقيين هو أهم ما يمكن الاعتماد عليه في زرع الثقة بين المجتمع والمؤسسات.. إذ لا يمكن أن يبقى الاضطراب سائدا مهما كانت المصالح المكتسبة من ورائه، سواء كانت مصالح شخصية أم حزبية أم محلية أم خارجية. إن تطبيق القانون وترسيخ هيبة الدولة لا يأتي من فراغ، إذ ينبغي على كل العراقيين أن يميزّوا بين تطبيق القانون وامن البلاد وبين أساليب مقاومتهم للمحتل الأميركي.. ذلك ان اي مقاومة لا يمكنها إقرار الاضطرابات والعبث ليس بالمؤسسات حسب، بل بالمجتمع وخدماته. وعليه، فان أي تنظيف للعراق من الأسلحة، سيشكّل بهدوء علامة فارقة ومتقدمة من تأسيس مشروع وطني. ان العصابات وجماعات الموت في العراق لابد من اجتثاثها وتثبيت أسس الدولة، ولابد أن تلقى دعما في المدن والبلدات والقرى سواء من أهالي المدن او الريف.. أن أخشى ما يخشاه اي عراقي أن تكون كل من تجارب البصرة والموصل وخانقين المريرة قد فشلت إزاء قوة المليشيات، كونها جاءت سريعة وانتهت بسرعة ! ولقد توضّحت الصورة المأساوية عن تفسخ فاضح في المؤسسة العسكرية التي تتفرق فيها الأهواء، وتتباين فيها الانتماءات بعيدا عن أي عقيدة عسكرية عراقية وطنية.. إن الحكومة العراقية قد وعدت بتنفيذ خططها في السيطرة على الموصل، ولكنها لم تستطع تنفيذ اي خطوة هناك حتى يومنا هذا.. ولم تزل المدينة تعاني كثيرا من جراء الصراعات الداخلية جراء الانقسام بين العرب والاكراد.. إن تثبيت أسس الدولة لا يمكنه أن يتم من فراغ، فالدولة بحاجة إلى قوة عسكرية نافذة، وهي بحاجة إلى دعم اجتماعي وشعبي منقطع النظير، ولم يزل المجتمع العراقي يعيش تشظيا طائفيا وسياسيا واجتماعيا مريرا.. وهي بحاجة إلى سيادة القانون، فالمؤسسات هشة ويدمرّها الفساد الإداري والأخلاقي بشكل لا يصدق ! وآخر ما أقول : إن كل ما يجري بمعزل عن أي مشروع وطني حضاري سيكون مصيره الفشل الذريع !
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |