دراما للتخدير ودراما للتحرير
 

سهيل أحمد بهجت
sohel_writer72@yahoo.com

من خلال متابعتي للدراما العربية والعالمية وإعلام الدول الإسلامية والعربية وما أشاهده من دراما غربية وأمريكية على وجه الخصوص، وجدت أن الإعلام هوخير مثال وانعكاس لعقلية الشعوب ومنطقها وأسلوب عيشها، فمسلسلات "باب الحارة" بأجزائها الثلاث والمسلسلات المصرية مثل "الدالي" و"حدائق الشيطان – الذي عرض في رمضان الماضي" وغيرها، وأفلام محمد سعد – الممثل المصري المشهور – كلها تعكس دورا حكوميا خفيا يقف وراء تشويه الأعمال الفنية، ففي هذه المسلسلات تتركز الفكرة حول نظريات المؤامرة التي يديرها "المحتلون"!! و"عملاء الاستعمار"!! وأن البلاد العربية والإسلامية تتعرض للغزوالعسكري والثقافي ومن خلال هذه الدراما تتكرر عبارات شتم اليهود والأمريكان والفرنسيين، وبدلا من أن يستوحي المشاهد العربي والمسلم فكرة واقعية ويشاهد هذه الأعمال بعين الناقد، نجد مجتمعاتنا تنبهر بالقبضايات والشخصيات المتجهمة والعنفية وتعجب بالمجرم الذي تاب في اللحظة الأخيرة – كما جسد ذلك الممثل جمال سليمان في مسلسل حدائق الشيطان وأحمد ماهر في دور أبوجعفر المنصور في مسلسل أبوحنيفة - من حياته بعد أن أدرك أنه ميت لا محالة، كل هذا يؤكد فشل مجتمعاتنا وسذاجة العقلية الغالبة وهشاشة القيم بل وزيفها.

في المقابل نجد الدراما الأمريكية ومسلسلات "كوسبي"، "أكوردينغ توجيم"، "جورج لوبيز"، "ماي نام إز إيرل" و"ذا كوج"، هذا عدا الأفلام، نجد كلها تحمل حكايات اجتماعية إنسانية هادفة إلى كشف المضمون الإنساني وعلاقات المجتمع وكيفية معالجة مشاكله، وإضافة إلى روعة الأفكار التي تتضمنها الدراما الأمريكية وما تتضمنه من نزعة إنسانية، فهي ذات حرفية عالية وتخلق لدى المشاهد حسا من الاستنتاجات المنطقية وتعدد وجوه الحقيقة وأن على الإنسان أن يتحاشى الحكم المتسرع على الأشياء والواقع، هذا كله نتيجة طبيعية للديمقراطية والتعددية الحزبية والفكرية والاجتماعية، فالمجتمعات الغربية تتنافس سلميا عبر شرعية "حرية التعبير" لكن مجتمعاتنا المفلسة تتنافس عبر ثقافة "المقاومة" والعنف ونظريات المؤامرة وتصفية الخصوم.

إن الأنظمة التي تروج لهذا النوع من الدراما التي تضيف إلى عقد المجتمع مزيدا من الفايروسات والجراثيم، هي في حقيقتها أنظمة تعاني عقدة شعور بالنقص تعكس حقيقة كونهم ناقصين فعلا ولكنهم يسيطرون على زمام الأمور، وفي هذه المجتمعات الشرقية المتخلفة يبدولنا الله ذاته – كما يصوره الوعاظ المتاجرون بالدين – مالكا لشرعيته فقط عبر قوته، وليس لأنه جميل ويحب الجمال، فالواعظ والملا ورجل الدين يحب أن يشبّه الله بمالك رزقه (السيد الرئيس القائد وجلالة الملك) والعكس، أي أن ينعت الزعيم بصفات الله، من هنا نجد أن الأزهر مثلا ومن خلال توجيهه الدراما الدينية يقوم بتشويه حقائق تاريخية بحيث تحيل تاريخ الإسلام إلى شيء مناف للواقع التاريخي، فنجد أن أحد المشركين وهويدخل على النبي نجده مشركا قبيح الوجه ساخطا وذا حاجبين ضخمين وما أن يخرج من خيمة النبي حتى نراه شخصا جميلا مبتسما ومبشرا بالخير، ولوكان هذا متعلقا بشخصية ومشهد لكان هذا نوعا من الإخبار بأن الإسلام دين تسامح، لكنهم يصورونه وكأنه "سحر" لا أكثر ورغم أن النبي يقول: خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام" وهوما ينفي ما سبق، فلم يكن كل ما في الجاهلية قبيحا ولا كان كله شرا ولم يستطع الإسلام قطعا أن يقضي على كثير من صفات السوء التي طبعت مجتمعاتنا ونحن متمسكون بها لحد الآن كعبادة الحكام والعرف القبلي.

تستعين أمم العالم بالفن من تمثيل سينمائي وتلفزيوني ومسرحي لتستلهم شخصيتها وعقلها وحقوقها وحريتها، أما الدراما والفن عندنا فهوعلكة للحكام نحن نمضغها ونعتلكها ونصدق بها وما فيها من مخدر ينومنا ويمنعنا من الرؤية.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com