|
العريف الشهيد توما ياقو ابونا
إعداد/ نبيل يونس دمان استهل الموضوع بالقول " ان ضحايا ارهاب اليوم امتداد لشهداء شباط الاسود عام 1963 "، قبل مدة قصيرة غادر مازن جرجيس ابونا الارض، مفارقا حياة لم يتمتع بها، دارت عليه خمسة وثلاثين ربيعاً، وهو محروم من السعادة ومحاط بالخوف ومتردد في التقدم، ولد وترعرع في الموصل التي قصدها والده طلبا للعيش عام 1969، ربّى العم جرجيس ( ججو ) اولاده على العمل والكدح المتواصل والتنقل بين القرى والقصبات المحيطة بالموصل للبيع والشراء، كانوا نزلاء في بيت واسع قرب كنيسة مار توما في محلة الساعة، صمدوا وقاوموا الظروف الصعبة في تلك المدينة دون ان تغريهم اية وضعية جديدة للظهور، او حتى رفع رؤوسهم، من إقبالهم على كسب قوتهم اليومي، وكان يوم التاسع من تموز 2008 حاسما بل كارثيا، فقد سقط منهل مضرجا بدمه، وفيما والدته نني حنا ابونا تهرع اليه لتحتضنه وتقبله قبلة الوداع، يخذلها قلبها، فتمتنع عن ذرف ما بقي لها من دموع، ولترتمي بجانبه جثة هامدة . قبلت الام ولدها قبلة الموت في مشهد أليم لا يرى حتى في الافلام، ولتتحقق نبوءة ناحوم الالقوشي عن نينوى ( ويل لمدينة الدماء الممتلئة باسرها كذباً وخطفاً التي لا تفارقها الفرائس، هوذا سوط السياط وصوت الزلازل الدواليب والخيل الجاثلة والعجلات الطافرة . ووثوب الفارس ولهيب السيف وبريق الرمح وكثرة القتلى وتراكم الجثث ولا نهاية للجيف وهم يعثرون بجيفهم ... نبوءة ناحوم 3/1، 3/2، 3/3 الكتاب المقدس ) . ذهبت نني وولدها مازن الى خالقهما مكللين بالشهادة، وبذات الاكليل الذي تكلل به عمهما العريف الشهيد توما ياقو توما رحيثا من بيت ابونا العريق . لم ار العريف توما في حياتي، لكني تاثرت باستشهاده منذ طفولتي . كم من المرات حاولت الكتابة عنه لكني لم اوفق، وكل ما عرفته وهو جاري في محلة التحتاني، ان والدته المرحومة حبوبة كانت تذهب مع جدتي الى السجن كل يوم لتقصي اخبار ابنائهم المعتقلين، وفي احد الايام بدل ان تكتحل عيون الخالة حبوبة برؤية ابنها، فان السجانين سلموها ملابسه الملطخة بالدماء، جثمت على ركبتيها ورفعت ايديها الى السماء طالبة من الرب ان ينتقم من القتلة، ثم صعدت الى القوش بواسطة باص النقل ( النيرن )، لن انسى ذلك الصباح عندما تخطت بيتنا وهي تملأ الدنيا صراخاً وتذرف الدموع السخية وبيديها ملابسه العسكرية . لقد قتل الجناة ابنها الذي لم ينعم بالحياة والزواج وهو في ريعان الشباب . التقيت مؤخراً بالأخ نوئيل وحال معرفته اني من ابناء القوش، بادرني على الفور، ان كنت سمعت بالعريف توما ياقو، فاردفت وبنفس الحمية : بل العريف الشهيد توما ياقو ابونا، فسلمني الموضوع الذي نشره عام 2006 في مجلة فينوس التي تصدر في كالفورنيا. اعيد نشره لتثبيت اسم الشهيد البطل توما في سجلات المجد والفخَار، ولتوثيق الجرائم التي ارتكبها البعثيون الحاقدون على كل زاهي وجميل خلال حكمهم الذي امتد عقودا، وما الحالة التي نعيشها اليوم الا استمراراً وايغالاً في ارتكاب المزيد والمزيد من الجرائم، لقد جبلوا عليها مذ خرجوا من بيضتهم الفاسدة عام 1947، ولانحدارهم من كل ما هو سلفي، عفن، وآسن في الحياة، يقيناً لن يغفر لهم التاريخ ما اقترفته ايديهم البشعة، بل سيضعهم على الدوام في درجاته الدنيا. الى الموضوع الذي كتبه الصديق نوئيل بطرس عوديش بعنوان: الضحايـــا العريف الآلي توما ياقو من مواليد القوش المدينة الكلدانية العريقة وعروسة الجبل الخالدة : تلك المدينة التي انجبت ابطال فغادرها الى بغداد وهو في عنفوان الشباب. ثم تطوع في صفوف الجيش العراقي الباسل . تعرفت عليه عندما انتقل الى وحدتنا ( كتيبة هندسة الفرقة الخامسة ) في معسكر الرشيد سنة 1962 وكان برتبة عريف آلي وبعد فترة قصيرة اصبح من أعز اصدقائي فلقد حاول اقناعي للانضمام الى الحزب الشيوعي بحكم العلاقة التي كانت تربطني به فلم يفلح حيث كان مشبعا بالافكار التقدمية وفي يوم من الايام حصل بيننا نقاش حاد حول السياسة حيث قال لي : لابد وان انظمك يوما فقلت له : يا توما اترك السياسة خير لك لانها لا توكل خبز فكان يضحك ويستهزئ من كلامي ثم عاد وحاول عدة مرات ولكن بدون جدوى الى ان يئس ولم يعد يحدثني عن السياسة بشيء الا اننا بقينا على صداقتنا واحترامنا لبعضنا في كل الظروف . وفي احدى الامسيات حدثت مشادة كلامية بينه وبين النائب العريف الآلي عبد الحسين الذي كان سائقا لآمر السرية النقيب عبد الرزاق النائف , ولقد ساءت العلاقة بينهما حتى وصلت حد التهديد والوعيد فلقد استطاع ن.ع عبد الحسين بحكم مركزه كسائق لآمر السرية من خدع احد الجنود البسطاء من السواق الآليين واتفق معه على تلفيق احدى التهم الباطلة والدنيئة ضد العريف توما ياقو حيث حيكت خيوط المؤامرة بدقة متناهية حتى اعتقل العريف توما ومن ثم زج به في سجل الهندسة كما احيلت اوراقه الى التحقيق وبقي في السجن لعدة ايام دون ان اعلم بذلك الى ان كلفت بواجب آمر حرس السجن والمشاجب . وكالعادة كان كل آمر حرس جديد يحسب عدد المساجين للتاكد من سلامة عددهم ولما دخلت الى السجن وجدت توما منزويا في احدى الزوايا فلما رآني نهض بسرعة وتقدم مرحبا ثم قال الحمد لله الذي بعثك الى هنا، فقلت له ماذا حل بك، ولما انت معتقل ؟ قال بحسرة والم : لقد فعلها عديم الضمير ( ن.ع عبد الحسين ) والله العظيم انا بريء فقلت له : قل لي الحقيقة، وساحاول مساعدتك قدر الامكان . فلما روي لي القصة بما انزلت ادركت بانه حقا بريء، لانني اعلم مسبقا تصرفات ن.ع عبد الحسين ونواياه الخبيثة من خلال الفترة التي قضيناها معا ً في نفس السرية ( السرية العاشرة ) . على كل حال طمأنته وقلت له : انا ذاهب الى آمر السرية لاخبره بالحقيقة وكل ما جرى فهو رجل عادل وطيب القلب، آنذاك تنفس توما الصعداء وقال : لن انسى جميلك ابدا . ثم ذهبت الى السيد آمر السرية وطلبت من المراسل ان يبلغه بانني اروم مقابلته لأمر هام، ولما سمع صوتي ناداني من الداخل : ادخل يا نوئيل . ولما دخلت الى الآمر حييته ورحب بي وقال خيرا ً؟ فاخبرته بالموضوع وعرضت عليه وجهة نظري كما ترجيته ان يفعل المستحيل لمساعدة العريف توما ياقو . فابتسم وقال : ابشر يا نوئيل، انشاء الله يحصل خير . فشكرته واديت التحية العسكرية، ثم رجعت الى السجن لاداء واجبي، ثم اخبرت العريف توما بذلك وطمأنته على ان السيد الآمر سيتكفل بالموضوع، وان ذلك هو لصالحه . ارتاح لكلامي وشكرني، وبعد كم يوم تم اطلاق سراحه لعدم ثبوت الادلة ضده ورجع الى السرية كما كان معززا مكرما . الا ان الحاقد ن.ع عبد الحسين لم يرق له ذلك . اخذ ينتظر ويترصد الفرصة المؤاتية له لكي ينتقم من توما . الى ان حدث انقلاب 14 رمضان ( 8 شباط 1963 ) ضد الزعيم عبد الكريم قاسم وجماعته . ولما كان ن.ع عبد الحسين رجلا ضخما وقويا فقد تم استخدامه في غرفة التعذيب لتعذيب المتهمين من الشيوعيين وانصار عبد الكريم قاسم وغيرهم . واول ما قام به عبد الحسين هو الابلاغ عن العريف توما . فبذلك استطاع وجماعته من اعتقال العريف توما واقتياده الى جهة مجهولة . التي علمنا فيما بعد بانها غرفة التعذيب، والتي كان ن.ع عبدالحسين احد المشرفين على التعذيب فيها . ثم اخذت الاعتقالات تتزايد داخل وحدة الهندسة . وفي صباح يوم الثلاثاء ( 13 شباط 1963 ) بينما كنت راجعا من واجبي ( آمر للدورية ) تم اعتقالي من قبل ن. ع عبدالحسين مصلح الانابيب والعريف صادق فكانا مسلحين برشاشتي كلاشنكوف فتم اقتيادي الى غرفة المعتقل حيث التقينا بالجندي الاول عبد هرمز الذي كان هو الآخر مقيدا من قبل جماعة ثانية . ولما وصلنا الى المعتقل كان بانتظارنا السيد مساعد آمر الكتيبة والسيد وكيل آمر السرية العاشرة وقد صاح احدهم : جاء عبد الوهاب وفريد الاطرش اي مستهزئين بنا، فقلت ردا على ذلك : اهذا جزائي وانا ثلاثة ايام متتالية بواجب آمر الدورية ؟ فقال المساعد : لا تخافا انها دقائق وسيطلق سراحكما . على كل حال ادخلنا الى غرفة المعتقل، والتي كانت عبارة عن مخزن صغير لا تتعدى مساحته 5 × 3 م مربع، وبشباك صغير واحد طوله 30 × 20 سم مربع وباب من الحديد . وقد وضعت صفيحة معدنية في داخله لقضاء الحاجة ليلاً، اما عدد الموقوفين فيه وصل الى اكثر من 35 عسكريا . هذا وقد سبقنا الى المعتقل النائب العريف متي من اهالي قره قوش ( باخديدا ) وبذلك اصبح عدد المسيحيين المعتقلين في الكتيبة 3 + العريف توما ياقو . فبقينا ذلك اليوم بدون طعام وبلا شراب وحتى مساء اليوم الثاني، ولما سألت الحرس عن السبب قال : غدا ستنزل اسماءكم في قائمة التعيين . وفي تلك الاثناء بلغ جميع المعتقلين التهيء امام الباب للذهاب الى المرافق الصحية ( دورة المياه ) وبينما نحن خارجون من المعتقل جاءني الجندي المكلف البطل الشجاع اسطيفان القس شمعون وكانت معرفتي به قليلة وسطحية آنذاك، الا انني كنت صديقا حميما لشقيقه حبيب وبعلاقة كبيرة مع شقيقه الكبير لويس صاحب استوديو في شارع المشجر في بغداد . قال اسطيفان بتعجب : لماذا انت معهم يا نوئيل ؟ فقلت له ارجوك ابتعد من هنا كي لا يتهمونك بالتعاطف معنا ولربما يشككون في امرك، وقد تعتقل انت ايضا . قال لا تهتم قل لي ماذا تحتاج كي اجلبه لك فورا . قلت له اننا بدون طعام وشراب منذ يوم امس . ثم غادر على الفور. ولدى رجوعنا من المرافق الصحية وجدته بانتظارنا ومعه الرز والمرق والصمون العسكري والشاي . فشكرته على جميله وشجاعته المتناهية حيث غامر بحياته من اجلنا، علما بان كافة الاصدقاء تبرأوا منا وكانوا يمتنعون عن الكلام او حتى النظر الينا خوفا من العاقبة . على كل حال استلمنا المواد الغذائية، وامر الحارس بادخالها الى غرفة المعتقل، ثم تناولنا طعامنا وشربنا الشاي بفضل ذلك الجندي الشجاع والذي لم يذهب من مخيلتي حتى هذه اللحظة، ولا زلت اشكره كلما التقيت به واذكره عن جميله الذي لن ينسى ابدا . هذا وبعد دقائق ضرب الحرس السلسلة الحديدية على الباب بقوة ولدت صوتا مخيفا هزنا جميعا ثم نادى على احد المعتقلين فلان الفلاني : تفضل للنزهة السياحية، يقصد بها غرفة التعذيب، وهكذا اخذ التحقيق مجراه ولعدة ايام الى ان وصل الدور الى النائب العريف متي : اخذ متي الى غرفة التعذيب، وكلما كانوا يضربونه يبكي ويصيح ( وو آوي، وو آوي، هالوخ قشي أبرخ ما كيلي كحاصلي ) ومعناها " ابتاه، ابتاه، تعال انظر ما يحصل لابنك "، ومن شدة الضرب اخذ يفقد اللفظ الصحيح، فعوضا من ان يقول ( آوي ) اخذ يصرخ ويقول ( واوي ويوي )، ولما سمعه احد المسؤولين قال نزلوه ووقفوا الضرب، ثم قال بتعجب : اول مرة اشوف واحد من ينضرب يصيح ( واوي ويوي )، وهكذا اكتفوا بضرب وتعذيب ن.ع متي ثم ارجع الى غرفة المعتقل، وهكذا تم التحقيق مع المعتقلين واحدا بعد الاخر الى ان جاء دور زميلي عبد هرمز الذي كان متهما بسبب قراءته جريدة " اتحاد الشعب " في الكراج اثناء الواجب . اقتيد عبد هرمز الى غرفة التعذيب بصورة غير طبيعية وظالمة وكانه مجرم خطير او قطب شيوعي كبير . وبعد ما يقارب الاربع ساعات من الضرب والتعذيب ارجع الينا وهو متكأ على جنديين من الحرس لعدم تمكنه من الوقوف من شدة التعذيب، ولما نظرت اليه فلم اعرفه في بادئ الامر، نظرا لكثرة الخدوش والجروح والدم الموجود على وجهه، الى ان قال تكيني على الحائط رجاءً، فعلمت انذاك انه عبد هرمز . ثم قال بحزن شديد : هل تعلم ان العريف توما قد قتل ؟ فقلت يا للاسف ألهذه الدرجة هم قساة ؟ قال : شيء لا يصدق، فانا خوفي عليك يا نوئيل لانهم ذكروا اسمك فلربما الآن دورك . فتالمت كثيرا للعريف توما، وبينما انا غارق في التفكير، ضربت سلسلة الحديد ( الزنجيل ) على باب المعتقل بقوة، ثم نادى الحرس : نوئيل عوديش بطرس، قلت : نعم، فقال مستهزئا : تعال لنذهب الى اهلك ! ولما خرجت كانت الساعة تشير الى اكثر من الثانية ليلا، كما كان الظلام دامسا بحيث لم استطع معرفة الشخص الذي اقتادني الى غرفة التعذيب، ثم وضع وصلة قماش على عينيّ ومن ثم سلمني الى مجهولين لا اعلم من هما، الا انني سمعت احدهما يقول للآخر : كيف يهون عليك وانت تسلم نوئيل اخينا وصديقنا الى مسؤول التعذيب، فمن الصوت علمت بانهما من اعز اصدقائي وكانا غانم حمد من الموصل، قحطان حسين ( ابو يعرب ) من الفلوجة، ثم همس بأذني قحطان وقال : لا تخف يا نوئيل سوف نحاول انقاذك من التعذيب قدر الامكان. بالفعل وصلت الى غرفة التعذيب،حيث تم تسليمي الى احد المسؤولين، ثم غادر غانم وقحطان المكان الى جهة مجهولة، ثم جاء المسؤول ورفع قطعة القماش من عيني ثم قال انظر الى هناك : من ترى ؟ فلما نظرت الى الكرسي كتمت انفاسي وحاولت الضغط على نفسي من البكاء فلم استطع، فلقد رأيت بعيني العريف توما ياقو مقتولا وقد القيت جثته على الكرسي . قال المسؤول : لازم صديقك حيل ؟ فقلت له : الكل اصدقائي في الكتيبة من جندي الى ضابط، لانني احب واحترم الجميع، والكل يحبني ويحترمني . قال هل تعرفه ؟ قلت : نعم انه العريف الالي توما ياقو، في هذه الاثناء دخل كل من غانم حمد وقحطان حسين وطلبا من المحقق الذهاب الى خارج الغرفة، لا اعلم لماذا، ثم تقدم الي قحطان وقبلني وكذلك غانم وقالا : كيف يهون علينا وانت في غرفة التعذيب، لقد دبرنا كل شيء من اجل انقاذك لاننا نعلم جيدا انك بريء، والان لنرجع الى غرفة المعتقل، وعليك ان تأن وتون وتصيح آه رأسي، آي كتفي، آه رجلي، وكأننا عذبناك، وذلك لتغطية عملنا كي لا ننكشف، فشكرتهما جزيل الشكر لوفائهما واخلاصهما لي، وبينما نحن راجعون الى المعتقل سالت قحطان : لماذا قتلتم العريف توما ؟ قال : والله العظيم ما كنا نريد ذلك، الا ان عدوه اللدود ن. ع. عبد الحسين هو الذي فعل ذلك . فقلت في نفسي : ألهذه الدرجة يصل الحقد والكراهية بالانسان ان يعذب صاحبه ويضربه حتى الموت ؟ ولما وصلت غرفة المعتقل، وجدت زميلي عبد هرمز منتكيا على الحائط وعيناه مغمضتان فساورني الشك واخذت انادي عليه بدون شعور : يا عبد يا عبد يا عبد، ولما فتح عينيه قلت : الحمد لله انه سلامات . ثم سالني : هل ضربوك ؟ قلت : لا، قال الحمد لله، طبعا لم نذق طعم النوم اطلاقا . وذلك بسبب الخوف والتفكير والقلق بالاضافة الى ضيق الغرفة . هذا وبقينا ننتظر مصيرنا . فالبعض يقول : سيطلق سراحكم، والبعض الآخر يقول سوف تطردون من الجيش، والقسم الاخر يقول : طالما انتم ابرياء ما عليكم شيء وهكذا . المهم ولّى ذلك النهار، وفي المساء كالعادة خرجنا للذهاب الى المرافق الصحية، وبينما نحن سائرون في الطريق، لفتت نظري امراة تصرخ وتقول للحرس : يقولون بان ولدي عندكم لماذا تقولون لا ؟ ويصرخ الحارس بوجهها ويقول : اذهبي فتشي عنه في وحدة اخرى. بينما نحن راجعون : سالت الحارس الذي معنا عمن كانت تسأل تلك المرأة ؟ قال : كل يوم تأتي تبكي وتصرخ تطالب بولدها، قلت له هل تعرف من هو ولدها ؟ قالها بكل وقاحة : العريف توما، فصرخت في وجهه وقلت يا ظالم العريف توما مقتول وملقى على الكرسي في غرفة التعذيب، لماذا لا تسلمونه الى امه ؟ وفي تلك الاثناء جاء قحطان حسين وقال ماذا جرى لك يا نوئيل ؟ صوتك يصل غرفة الآمر، فاخبرته بالموضوع ولما ذهب وجد الامرأة قد غادرت بعد ان يئست من وجود ولدها في الكتيبة لتبحث عنه في سجون اخرى، وما اكثرها تلك الايام . ثم رجع الي قحطان وقال يا اخي .. العريف توما قطب شيوعي كبير، وهو في التنظيم العسكري، لا تسال عنه ولا تدافع عنه . فقلت له يا اخي هذا ظلم، قتلتم الرجل سلموا الجثه لاهلها، ثم قال : جئت لابلغك بانك وبعض الموقوفين معك ستنقلون الى مكان آخر، اتمنى ان يطلق صراحكم . فشكرته على موقفه معي وطلبت منه ابلاغ سلامي الى غانم حمد، ثم ابلغنا ليلا بالتهيؤ والوقوف امام الباب الى ان جاءت سيارة عسكرية، فاقلتنا الى سجن رقم 1 ومنه الى معتقل رقم 2 في الكلية العسكرية . وهكذا استشهد العريف توما بسبب انتمائه السياسي واخلاصه للمبدا الذي آمن به من ناحية ومن ناحية اخرى ذهب ضحية الحقد والكراهية التي كان يكنها النائب العريف عبد الحسين . علما بانه كانت هناك اعداد من السياسيين ولم يلحق بهم الضرر كالذي حدث للمرحوم العريف توما ياقو . رحمة الله عليك يا توما ولاهلك وذويك وزملائك الصبر والسلوان . آمين .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |