مهرجان رمضان ....

 

 رشيد كَرمـــة

rashid_karma@hotmail.com

ويبقى العراقيون متواصلين مع تراثهم بشتى الصيغ، مطوعين ايامهم الحبلى بالعوز والحسرة واليأس الـى مايشبه الإكتفاء والقناعة والأمل ،  وذلك عبر المحبة وتأسيس جسور الصداقة مع الآخر . ولم تكن صدفة كتلك التي جمعتني مع آثاري عراقي* في شهر رمضان  من قبل، كما أنها ليست صدفة  أيضا ً فـي أن ألتق فنانة ليتوانية **مغرمة بالآثار العالمية والعراقية في رمضان سابق، كما أنها ليست كذلك حينما خفقت الأفئدة و تطلعت أبصار  الصديقات والأصدقاء من البيت الثقافي العراقي وجمعية المرأة العراقية في مدينة يوتبوري ـ السويد ومعهم أحبتهم من النادي العراقي في  مدينة بوروس، نحو أثر ٍ مهم من آثارنا العراقية ـ الملوية ـ وذلك من خلال مأدبة إفطار حيث نظم النادي العراقي مهرجانا ًوديا ًومأدبة إفطار عراقية تبارى الجمع ذكورا ً وإناثا ًفي خلق أجواء إفتقدها شعبنا طويلا ً .

فلم تكن أمسية الجمعة 19 أيلول من هذا العام إلا إستكمالاً لتذكر آثارنا العراقية والتي أمست بحق فخر البشرية وعلى الجميع  مسؤولية  الحفاظ عليها وإدامتها .

ولأن كلفت دولة المتوكل بالله  المهندس الكلداني ـ دليل يعقوب ـ بتصميم وبناء ملوية سرى من راى ( سامراء)، وهي عبارة عن زقورة حلزونية، تلتف خمس لفات عظيمة، تنحرف تدريجياً حتى تصل إلى قمتها.حيث يبلغ ارتفاعها الكلي اثنين وخمسين متراً، يُصعد إلى قمتها على الخيل أو البغال أوالحمير. وطريقها الحلزوني من السعة أن يسير فيه الناس جماعات ، وكأنهم يسيرون في شوارع المدينة. وكثيراً ما يفشل المرتقون بلوغ القمة، لما يصيبهم من حالة الدوار أو التعب، أو الخوف من العلو الشاهق. فيبدو حجم الواقف على رأسها ضئيلا للناظر من الأرض***. فإن أحدا ً لم يكلف الكلداني  سمير فتوحي **** في صياغة وصنع نموذج مصغر لـ( ملوية سامراء ) بعد مئات السنين من تشييد المئذنة الأم، ولكن للوطن حضوره، وللفنان واجبات والمحافظة على معالمنا التأريخية  تنم عن حب فطري ليس إلا .

أتذكر جيدا نماذج مصغرة لنصب الحرية  من ( جبس )طرحت في الأسواق في السبعينات من القرن الماضي، ويعيدها اليوم عراقي عاند الدكتاتورية البعثية ثم مالبث ان إستوطن السويد غير انه لم ينس العراق ومعالمه المعرضة للدمار بفعل الأهمال والتخريب وسوء الأدارة .

كان رمضان هذا العام مهرجانا ًللود بين أبناء الشعب الواحد، بل شاركنا بعض أشقائنا وشقيقاتنا من دول مجاورة للعراق، مشاركة ذات معنى ومغزى،,  فلقد تطوعت ( مينا ) وهي إمرأة إيرانية للعمل مجانا ً ليوميين متتالين لحساب النادي العراقي كما تطوع صديقا ً من دولة تركيا مع مركبته لهذا المهرجان و( نعيمه ) من سوريا شمرت عن ذراعها في المطبخ، ( ام محمد ) من فلسطين أبت رغم صيامها ألا ان تعمل ما يوطد صداقتنا وإخوتنا،عائلة من الأردن كانت جل رغبتها مشاركة العراقيات والعراقيين هذا اللقاء      ( جميل فتوني ) من لبنان هاتفني مستفسراً عن لعبة المحيبس؟  ثم جائني ضاحكا ًبعد أن شاركنا الأمسية  قائلاً لي : شو أخي طفشني صاحبك مابعرف ليه بس صرخ بوجهي قائلا ً " يسرة يمنة " شويعني هيدا؟ انا ماعملت شي دخلك .. ولاشك أن للأعزاء الأكراد نساء ًورجالا ًالحضور المميز وكذلك أحبتنا التركمان والأجمل مافي الأمر ان الحضور الذي تجمع في قاعة الأحتفالات لأحياء ليلة رمضانية عراقية ضمت معتنقي الأديان الرئيسة الثلاث كما طبعت الأمسية بحضور عراقي من كافة مناطق العراق من الموصل ودهوك وأربيل والسليمانية والرمادي وبغداد والحلة وكربلاء وديالى وكركوك والبصرة والعمارة والديوانية والنجف والسماوة و الكوت والناصرية التي ينتمي اليها ( خليل الصالحي ) الذي حبس دموع الفرح وهو يتقدم على كرسي متحرك وسط تصفيق حاد عندما نودي عليه لتسلم جائزة الصداقة من الفنان التشكيلي ( سمير فتوحي ) فهل هناك أجمل من هذا المهرجان الرمضاني، آ مل ان يتكرر في أكثر من مكان في مناطق تواجد الجالية العراقية كي نتلافى ما أحدثته الحقبة الصدامية وكي ندرء خطر الطائفية وشرورها ....

الهوامش

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

* دوني جورج رئيس الهيئة العامة للآثار العراقية سابقاً

Daiva Lozyta **

عندما دعيت لورشة الفنانة المذكورة وجدت زقورات بابل، ومنحوتات لمآذن إسلامية في حين تتعرض آثارنا للسرقة والتخريب .

*** من مادة للباحث د . رشيد خيون عن ملوية سامراء .

****  سمير فتوحي فنان تشكيلي عراقي، ولادة قره قوش مقيم في السويد، يدرس  الفن التشكيلي حاليا ً أنجز أربعة نماذج مصغرة للملوية ( مئذنة سامراء ) أهدى النادي العراقي في مدينة بوروس  واحدة من هذه النماذج في هذا المهرجان .  

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com