كيف يتحول الذئب إلى حمل وديع
 

محمد علي محيي الدين
abu.zahid@yahoo.com

 في رد شائق كتب الأخ والرفيق ذياب مهدي محسن تعقيبا على الحلقتين المنشورتين عن مذكرات الأخ عدنان عباس أشار فيهما الى أني جمجمت ولم أصرح على عادتي في التصريح في موطنين مستعملا التقية كما هو حال الإسلاميين،والأمر الثاني مطالبتي بالاقتصاص من البعثيين والانتقام منهم لما ارتكبوا من جرائم بحق الشيوعيين،وهو ما لا ينسجم مع تصورات الحزب ومبادئه وما هو عليه من سياسة ثابتة في مواجهة الأحداث.

بالنسبة للأمر الأول،أن أشارتي لما أرتكبه الأربعة من أخطاء وتجاوزات هو أمر شائع ذائع لا يستحق الإشارة إلى أسمائهم لأنهم معروفون للجميع،فتوخيت الاختصار لاعتمادي على ما هو مسطور في الكثير مما كتب حول تلك الفترة،وما ذكر بتفصيل في كتاب ثمينة ناجي يوسف عن الشهيد الخالد سلام عادل،فقد وضعت النقاط على الحروف،وبينت بالوثائق طبيعة ما جرى وأسباب الإخفاق والملابسات التي صاحبت التكتل وما جرت من كوارث على الحزب.

أما المطالبة بالاقتصاص من البعثيين القتلة وحرسهم القومي أو المجرمين الذين ارتكبوا جرائم بحق الشعب العراقي منذ 1968 حتى 2003،بأخذ الثار وغسل العار،وعدم الاكتفاء بالقانون الذي هو الفيصل في مثل هذه النزاعات،فهذا الأمر يحتاج إلى وقفة طويلة وحديث مسهب قد لا يرتضيه الكثيرون،ويرفضه الأيديولوجيون ،لأنه لا يتماشى والنظرية الماركسية،أو يتعارض مع اللينينية،ويتوافق مع الستالينية وما إلى ذلك من تمحل ليس له محله في المجتمع العراقي الحديث،ناسين أو متناسين أننا نتاج هذه الأرض وثمار غرس له امتداده لعشرات القرون،فهل من المكن الانسلاخ عن موروثنا الذي عليه نشأنا وعليه نموت.

ويبدو أن الرفاق الذين عاشوا في المنافي ودول اللجوء السياسي تخلقوا بأخلاق تلك البلدان واكتسبوا طبائعها،وتناسوا عاداتهم وتقاليدهم ومواصفاتهم الاجتماعية المهمة،فحاولوا البناء على ما تعلموه في الخارج متناسين طبيعة مجتمعهم التي تدعوا إلى الاقتصاص من المجرمين لعلمهم أن القوانين لا تنال المجرم ولا تحاسب المسيء،وأن راحة الضمائر في الاحتكام إلى القوة الذاتية في الانتقام من القتلة لقصور القانون ولا أباليته وانحيازه الى القوي القادر ضد الشريف الصابر ،وأني أسأل أخي الكريم ذياب هل جرى محاسبة الحرس القومي بعد انقلاب عارف في تشرين عن جرائمهم وما ارتكبوا من موبقات بحق شعبهم،وهل أعدم محسن الشيخ راضي ،وراسم العوادي وحسين الحارثي وحبيب الأسود وعبد الوهاب كريم وغيرهم من جلاوزة البعث،أم أنهم لا زالوا أحياء يتمتعون بملايين الدولارات التي أغدقها عليهم حزبهم المقبور،وأين هو القانون من جرائم الصداميين التي طالت ملايين العراقيين،ومن عوقب منهم بعد خمسة سنوات من سقوط النظام،إن آلاف المجرمين منذ 1963 لا زالوا يتمتعون بالامتيازات والمكانة الاجتماعية والأموال التي وهبها لهم العهد الماضي في الوقت الذي لا زالت عوائل آلاف الشهود تنتظر الرحمة بصرف رواتب لها أو محاسبة قتلة أبنائها،والقيادات العاملة مشغولة بتثبيت أقدامها وبناء وجودها في العراق غير عابئين بما حدث أو مفكرين بما سيحدث فها تطلبون منا البقاء ليعودوا ثانية ليقتلوا ويذبحوا من جديد،أم نبقى بانتظار المنتظر ليقتص منهم ويقطع شأفتهم من الوجود.

أن القانون سيدي الكريم هو الاقتصاص من القاتل ،إما إذا عجز القانون عن ذلك فعلينا تطبيق قانون الإنسانية بالاقتصاص بالطريقة التي ترضي نوازعنا وتهدي ضمائرنا وتشفي غليلنا،لأن من أرتكب الجرائم عام 1963 أرتكب ما هو أكبر منها بعد ذلك بسنوات فهل من العدالة والإنسانية أن نبقيه ليعود من جديد ويذبحنا من الوريد إلى الوريد.

وهل من العدالة أن يبقى القاتل حرا طليقا لأن الإنسانية الجديدة ترفض سفك الدماء،وإذا كان القاتل لا يمتلك الإنسانية التي نمتلكها ،فعلينا معاملته خارج حدود الإنسانية لأنه لا يمتلك مواصفاتها وبالتالي فأن خلاص الإنسانية من الجراثيم الخبيثة أمرا لازبا لا يقبل النقض أو التبديل.

ألا نتأسى بقول ألجواهري الكبير عندما قال:

فضيق الحبل وأشدد من خناقهموا فربما كان في أرخائه ضرر

لو جاءك الأمر معكوسا وصار لهم لأوغلوا في دمانا أكلب أشر

والله لاقتيد زيد باسم زائدة ولأصطلا عامر والمبتغى عمر

أليس لنا في التاريخ الذي نكثر من قراءته عبرة للتعامل مع الحاضر بمنطق جديد بعيد عن الفكر المستورد الذي لا يلاءم طبائعنا وأخلاقنا في المعاملة بالمثل والرد بقوة على من يحاول الإساءة لنا والقضاء علينا ،وهل في قوانين البشرية منذ بدء الخليقة ما يدعوا أن نكون حائطا واطئا يعتليه من يشاء،أليس لنا بتجارب الماضي عبرة نعتبر بها:

عفونا وكان العفو منا سجية ولما ملكتم سال في الدم أبطح

ليس بمقدور أحد تجاوز منطق التاريخ وما يمليه الواقع وعلينا أن نتعامل مع الآخرين بنفس الأساليب والطرق التي نعامل بها وإلا نكون خارج الزمان والمكان وفي ذلك افتئات على الحقيقة وجناية على التاريخ ،وأملي أن نقرأ الواقع بتجلياته بعيدا عن الحذلقة والنظريات التي لم يثبت جدواها وجديتها الواقع وأن نكون في المكان الذي وضعنا فيه شعبنا أسود الوغى وخلان ألوفا وأن نتناسى بعض حين الكثير مما لم يعد مواكبا لموازين العصر،وأن نكون نار لمت يعتدي،وحمامة سلام لمن يمد يده للخير والسلام ..

أن عيون الشهداء تنظر بصمت وترقب إلى اليوم الذي ترى فيه الرؤوس العفنة الغادرة معلقة على أعمدة النور وأن التاريخ لا يرحم المهادنين والمسايرين الذين يتناسون جرائم البعث في العراق،والذين أن عادوا مرة ثانية فسيعملون ما عمله هولاكو وجنكيز خان،ولن يراعوا أحدا ممن وقف إلى جانبهم أو أزرهم في محنتهم ولنا بعودتهم بعد تموز 1968 أسوة حسنة فقد حاربونا بيد وصافحونا بأخرى حتى أستتب لهم الأمر فكانت الكارثة الماحقة التي أهلكت الزرع والضرع ،ولا أعتقد أن المنافي ستعصم الهاربين فسيلاحقهم البعث إلى آخر الدنيا والويل لمن استكانوا وظنوا أن الذئب يتحول إلى حمل وديع وأن (الواوي) يصبح من عباد الله الصالحين.

والأمر الآخر أن منطق التعامل بين العراقيين هو القوة والذي يمتلك القوة هو الأصلح والقادر على فرض وجوده في المجتمع،إما الذي يمتلك العقل الرحمة والخلق النبيل فهو في نظر المجتمع ضعيف ومتردد أو جبان لذلك على الإنسان أن يتعامل مع مجتمعه بمواصفات ذلك المجتمع لا بالنظريات التي لا يمكن لها التطبيق في مجتمع تسوده شريعة الغاب.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com