انحرافات الشباب بين الواقع الصعب والحلول العملية (البطالة.. الفراغ.. الفوارق الاجتماعية.. أهم الأسباب)

 

عباس السعيدي/ الديوانية
Abbas1985@hotmail.com

الشباب أمل الأمة، وذخيرة المستقبل. والاهتمام به وبتوعيته من الواجبات المفروضة على كافة الجهات المعنية. وإذا كان العصر الذي نعيشه قد فرض على الشباب تصرفات بعينها تأخذ بيده إلى الهاوية، فإن الهيئات والمؤسسات الخاصة بالشباب لابد أن تكون حائط الصد لكل المغريات العصرية.  

وفي هذا الموضوع ندخل عالم الانحراف الشبابي (التجربة والحل) محاولة منا للإجابة عن السؤال الذي يطرح نفسه وهو: هل الثقافة الحديثة في مجتمعنا المعاصر هي ثقافة الانحراف في ظل عدم وجود عقوبة رادعة للمنحرف؟

وفي رحلة ابحارنا في عالم الانحراف بين شباب هذا الجيل التقينا (رانيا علي) كلية التربية لتروي لنا قصتها في عالم الانحراف قائلة: الأمور اصبحت على ما يرام حتى خضت أول خطواتها داخل سور الجامعة، فبدأت التساؤلات التي لم أعهدها من والديَّ من قبل مثل أين تذهبين؟ ومتى ستعودين؟ ومع من التقيت اليوم؟ حتى وصل الأمر إلى أن طالبني أبي بجدول محاضراتي. وراح يحسب خطواتي المعدودة منذ الخروج في الثامنة صباحاً وحتى العودة في الرابعة بعد الظهر.  وعندما سئمت من تصرفات والدي لجأت إلى أمي لعلها تجد لي مفراً يحتويني ويجعلني في بر الأمان، لم أجد سوى الرقابة الأكثر صرامة حتى وصل الأمر إلى الاطلاع على بريدي الالكتروني وتحديد من أقوم بمحادثته بغرف الدردشة على صفحات الانترنت.

 تجارب مريرة:

لمع في عينيها بريق ما تراه في الجامعة من الاختلاط بين الشباب والفتيات، وشعرت بالحاجة الى خوض التجربة لتعيش مثلما ترى في هذا المجتمع الجديد وعندما لوح إليها أول شاب بإشارة البدء لم تتردد واستجابت له واستيقظت من هذا الحلم على وثيقة الزواج المؤقت التي تم عقدها في مكتب محاماة، وهنا تغيرت الحال من الصدق في الحديث إلى الزيف في الكلام فلم تجد أمام تساؤلات والدها عن مواعيد المحاضرات التي بدأت تتأخر فيها كثيراً إلا إعطاءه جدول محاضرات مزور يتوافق مع مواعيد (عريس الجامعة) واستمرت الأحوال لمدة عامين، وما زال الأب مخدراً بجدول المحاضرات والنهاية لم تأت بعد.

وأثناء تجوالنا بين الشباب في محاولة للتعرف على كيفية التفكير وفي ماذا يفكر وكيف تحولت الأحوال لتصل إلى ما نحن عليه.  التقينا (مصطفى ناصر) حازت شهرته كل الآفاق يمارس مهنة الطباعة، ولكنها طباعة من نوع خاص جداً، فهو يقوم بطباعة الكتب الجامعية وبيعها للطلبة بسعر أقل من السعر المعروض على الكتاب، حيث يحاول إيجاد نفس نوعية الورق المطبوع منها الكتاب من أي تاجر ثم يقوم بطباعة المذكرات والكتب التي يحتاج إليها الطلبة، وكما ينشرها الأستاذ الجامعي ولكنها بسعر منخفض جداً، ويرى بطل القصة أنه بذلك يحقق منفعة متبادلة للطلاب من خلال توفير الكتب الجامعية والمذكرات، وتحقيق عائد مادي مناسب له خاصة في ظل عدم وجود فرصة عمل حقيقية للشباب.

وفي أحد الأحياء يسكن الشاب (علاء) بمفرده فبعد وفاة والدته وذهاب والده إلى إحدى الدول الأوروبية للعمل هناك أصبح (علاء) يعيش بمفرده، ولم يجد سوى أصدقاء السوء يؤنسون وحدته. ولم يجدوا أفضل من منزله لقضاء سهراتهم كل ليلة، وذات ليلة جاء إليه الاصدقاء ولكن هذه المرة مع ثلاث فتيات، وعندما ساور الشك الجيران قاموا بدخول المنزل وضبط الفتيات الثلاث والأصدقاء وهم فاقدو الوعي.

 الثواب والعقاب

ويقول خالد محمد (مدرس): إنه عند النظر الى مجتمع الشباب المعاصر نجد هناك الكثير من المظاهر السلوكية المنحرفة التي لم نعهدها من قبل ابتداء من ارتداء (الجينز) والعري في وسائل إعلامنا المعاصر مثل الفيديو كليب، مروراً بالسلوك اليومي والانبهار دوماً بالغلاف الخارجي للثقافة الغربية التي تُفرض علينا لعدم وجود ثقافة حقيقية تثبت الهوية العربية. وأضاف: إن أهم الأسباب التي صنعت بيئة صالحة لنمو هذا السلوك غياب الدور الرقابي الإيجابي للأسرة سواء كانت صغيرة أو كبيرة، وانهماك الوالدين في تحصيل العنصر الاقتصادي وغياب القدوة الاجتماعية في الآونة الأخيرة بخلاف الأمس حيث كانت القدوة كفيلة بإخراج جيل بنفس القيم والعادات السليمة، وأكد سهولة الحصول على أسباب الانحراف نفسه من خلال توافرها بكثرة في المجتمع المعاصر تحت عين الرقيب وبمباركة منا لنجد تغير النظرة الاجتماعية للمنحرف والتماس العذر له، بل ونتعاطف معه أحياناً في محاولة لإيجاد مبررات له، ومن جانب آخر عدم وجود عقوبة رادعة من الجهات المعنية للمنحرف.

وترى (اسماء عبد) الباحثة بالشؤون الاجتماعية أن الفتاة أكثر استعداداً للانحراف من الشباب نتيجة للموروث الثقافي لدينا كمجتمع شرقي بحيث نجد التمييز الواضح في التعامل بين الولد والفتاة مما يدفع الفتيات للشعور بالإجهاد والحاجة الى التعبير عن الذات الاجتماعية، وتتحول الى قنبلة موقوتة جاهزة للانفجار تحت أبسط الضغوط.

 إثبات الذات

وعبر (محمد هاشم) مهندس اتصالات عن رأيه قائلاً: إن شباب اليوم في حاجة ماسة لإثبات ذاته بشتى الطرق الشرعية وغير الشرعية، ولكن اليوم وفي ظل الظروف المحيطة بنا نجد بعضاً من هؤلاء الشباب يتخذ طرقاً غير شرعية من أجل الحصول على هذا الهدف من خلال الجريمة والانحراف بحثاً عن ذاته الضائعة بين الأحلام الوردية وصخور المياه، كما نجد التقليد الأعمى للغرب وثقافته التي لا تتناسب مع مجتمعنا الشرقي،

ويلقى (هاني البرقعاوي) بكالوريوس إعلام: بعبئ الانحراف على وسائل الإعلام حيث وصفها بأن لها اليد الكبرى في انتشار الانحراف حيث تسهم في زيادة مساحة الانحراف، فجميع وسائل الإعلام تعرض مشاكل الشباب باستفاضة شديدة، ولكنها لا تقدم الحلول المناسبة لها، وفي نفس الوقت برأ التكنولوجيا الحديثة ووصفها بأنها مظلومة على طول الخط بحيث يمكن استخدامها والاستفادة منها إيجابياً وسلبياً.

 العولمة والتفسخ الأسري

ولكي نبحث القضية من جميع جوانبها كان لزاماً علينا حمل ملفها ووضعه على مائدة المتخصصين فعند طرح الموضوع على أستاذ علم الاجتماع فقد أرجع انتشار ظاهرة الانحراف بين شبابنا في الوقت الراهن إلى مجموعة من العوامل التي ساعدت في ظهورها والتى أدت لإفراز فرد لديه القابلية للانحراف مثل التعدد اللانهائي في قنوات الاتصال، وظهور العولمة والانفتاح غير المحدود على ثقافات الآخر الصالح منها والطالح. والتفسخ الذي تعرضت له الأسر على المستوى العالمي وليس المحلي فقط هو ما جعل شريحة الشباب الأكثر تعرضاً للانحراف، بجانب عدم وجود مؤسسات اجتماعية لاستيعاب الشباب والتي تعتبر السبب الرئيس لهذه المشكلة.

وبالنسبة لأبعاد الظاهرة حصرها في ظهور الانعزالية، والفردية، والأنانية، والبعد عن الإيثار محاولةً لإثبات الذات في ظل عدم وجود الإمكانيات، وتفشي روح اللامبالاة والانهزامية أمام الواقع الموجود في المجتمع وعدم المحاولة للتغير، وضعف الثقافة الدينية. وأن أهم وسائل العلاج هذه القضية هي إيجاد فرص عمل حقيقية للشباب، وتواجد مؤسسات اجتماعية لاحتوائهم، والتأكيد على التوعية الثقافية، وإخضاع الأسرة للدراسة العلمية السلمية.  

 التنشئة الاجتماعية

ويؤكد الاستاذ (عماد كاظم) وجود تباين في الإحصاءات الخاصة بلغة الانحراف بين الفتاة والشاب بحيث نجد أن الأولى أقل من الثانية، وذلك يرجع إلى طبيعة التكوين البيولوجي للإناث، وشدد على ضرورة تواجد التنشئة الاجتماعية السلمية القائمة على القيم الدينية والأخلاقية والتي تقي هؤلاء الشباب من الوقوع في مثل هذه الانحرافات السلوكية والنفسية، وكذلك تفعيل دور المؤسسات النفسية في المجتمع، كما اننا نرى ان شبابنا مظلوم فعند النظر إلى السلوك الشبابي على اختلاف أشكاله باعتباره سلوكاً غير سوي، يجب ألا يغيب عن أذهاننا أن هؤلاء الشباب تحكمهم ثقافة شبابية تحدد وتقرر سلوكهم ويضيف أن شباب اليوم يعاني الصراع النفسي، كما أنه أوشك على السقوط من الهاوية وصراع إشكالية السياق الاجتماعي والعولمة في الوقت الذي نعرف فيه جيداً أن جيل هذا العصر ليس لديه المنظومة الفكرية السليمة.  

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com