دبلوماسيو العراق بين الأمس واليوم

 

 يحيى السماوي

  yahia.alsamawy@gmail.com

على طول امتداد سنوات اغترابي، لم يسبق لي أنْ مررتُ من أمام سفارة عراقية، ليقيني أنَّ من بين مهام سفارات نظام الطاغية المقبور مطاردة معارضي النظام ... فالسفارات العراقية كانت أوكارا ً لقتـَلـَة ٍ بهويّات دبلوماسية، ومحطـّات إقامة ٍ لِفـرَق ِالإغتيالات من حََمَـلـَة ِ المسدسات كاتمة الصوت وخناجر الطعن وسكاكين الذبح العقائدي ..فلا غروَ لو تجنـَّب العراقي الهارب من بطش النظام المرورَ أمامها وليس الوقوف على عتباتها ـ وبخاصة بعد افتضاح جرائم دبلوماسيي النظام واعترافاتهم إثر إلقاء القبض عليهم متلبسين بالجريمة، كاعترافهم عبر شاشات التلفزة بقتل المناضل الشيوعي الدكتور توفيق رشدي في اليمن الجنوبية " سابقا "، واختطاف وقتل الطالبين الشيوعيين " نعمة مهدي عيد وسامي محمد مهدي " ليُعثـَر عليهما بعد أيام في ضواحي مدينة " كراتشي " الباكستانية حيث كانا يدرسان، مذبوحين وقد فـُصِل رأساهما عن جسديهما .. أما تقرير شرطة " دبي "المرقم 24/1/1276 والمؤرخ في 22/5/1981 فقد أثبت أن المواطن العراقي " سهل محمد سلمان " قد اغتيل من قبل الدبلوماسي الصدامي " عبد الحسين حميد عطية " والذي اعترف بجريمته بعد إلقاء القبض عليه ... ولعل جريمة السكرتير الأول في سفارة النظام في باريس " إبراهيم الصكب " والملحق السياسي " ناطق عبد الحميد " بقتلهما رجل الشرطة الفرنسي " كابيلا " تقدم الدليل على حقيقة أن سفارات النظام المقبور كانت محطات إرهابية .. حيث نشرت الصحف الفرنسية ومنها صحيفة " فرانس سوار " بتاريخ 4/8/1978 صورهما وقد تدلت من رقابهما بيانات القضاء الفرنسي ...

 ***

 قبل عامين، حدث أن شاهدت مصادفة العلم العراقي يتصدّر بناية في شارع من شوارع " كانبيرا " ... وبدلا من أن أهرب نحو شارع آخر، وجدتني وأطفالي، أدخل آمنا ً مطمئنا، حتى إذا مرّت دقيقة أو اثنتان، أطلّ علينا رجلٌ ينضح بشاشة، حَفِـيّـا ً مُـرحِّـبا ً دون أن يسأل مَنْ أكون ليتضح لي أنه السفير ... فوجدتني أسأل عن إمكانية حصولي على جواز عراقي كي أضع حدّا لجوازي العراقي المزوّر ...

 لم يتحدّث عن القائد الضرورة والحزب القائد أو القادسية وأم المعارك .. فقد كان حديثه عن الجواهري والسياب ومصطفى جمال الدين ونخيل البصرة وجبل " بيره مكرون " ... عن عبد الكريم قاسم والجادرجي ومحمد باقر الصدر وسلام عادل وعن جدارية فائق حسن ونصب جواد سليم وناظم الغزالي وفؤاد سالم وفرقة المسرح الحديث ...

 الأسبوع الماضي، حضرت في " أديلايد " أول دعوة إفطار عامة دُعيَ إليها أبناء الجالية العراقية بمعزل ٍ عن انتماءاتهم الحزبية والمذهبية والقومية .. فكان الشيعي والسني، الكردي والعربي، الآشوري والتركماني : يتحلقون حول مائدة واحدة ـ وكان ذلك الرجل الذي رأيته في كامبيرا، يُضاحك هذا، ويسأل ذاك ... سائلا الجميع عن حاجتهم بدءا ً من جوازات السفر، وانتهاءً بأمور دراستهم ـ وما إلى ذلك من معاملات ...

 وقبل ثلاثة أيام، حيث أقام الحزب الشيوعي العراقي والحزب الشيوعي الكردستاني والنادي الثقافي الآشوري وبقية الأحزاب العراقية ومجلة العراقي حفلهم التأبيني في مدينة سيدني لفقيد الثقافة الوطنية والإنسانية الشهيد كامل شياع، كان هذا الرجل الذي يفيض بشاشة من بين مَنْ انزلقت من عينيه دموع الحزن وهو يواسي نخيل الفرات وطين دجلة بفاجعة اغتيال الشهيد المفكر كامل شياع ... حتى إذا انتهى حفل التأبين، دعا الجميع إلى مائدته، ومن ثم ليركب سيارته نحو مدينة استرالية أخرى ليلتقي بقية أبناء الجالية العراقية ...

 رجل المحبة العراقية هذا، إسمه غانم الشبلي ... سفير دجلة والفرات في استراليا، والناطق الوطني باسم عراقنا الممتد من غصون أجفانه حتى جذور قلبه ..

 لم يحمل حقيبة دبلوماسية محشوة بقوائم الاغتيالات ومسحوق الثاليوم أو أوكسيد الفضة، ولا المسدس كاتم الصوت وبقية أدوات " العمل البدبلوماسي "التي كانت تزدحم بها حقائب سفراء نظام جمهورية الأمن والمخابرات الصدامية .. حقيبته كانت تحمل ورود دجلة وعشب الفرات ..

لم يتحدث عن قائد ضرورة أو حزب قائد ... حديثه كان عن خيمة باتساع الأفق إسمها العراق ... ولم يطلب من أحد ٍ تقديم طلب انتساب لهذا الحزب أو ذاك التكتل ... لكنه طلب من الجميع أن يطلبوا منه ما الذي يستطيع عمله من أجلهم ...

 بمثل غانم الشبلي يُعاد للعمل الدبلوماسي الإعتبار، بعد أن كانت سفارات النظام المنبوذ محطات إرهابية بواجهات دبلوماسية ..

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com