بغداد .. قتلوني ولكن!

 

بشرى الخزرجي

bushra121@yahoo.com

لم ينم بشار تلك الليلة الحالكة الظلمة .. ظل يقظاً يرمق السماء بنظرات حزينة غريبة والدموع تملأ مقلتيه يناجي خالق الكون .. يا رب دقات قلبي تتسارع! ثمة شيء يقلقني، يخيفني، يرعبني،  يسرق النوم من عيني لا اعلم له سببا؟ .. ربي ما الذي يخفي لي القدر مع حلول يومي القادم؟ اللهم أسألك اللطف بي وبوالدي وعائلتي الصغيرة، يا الله.. مولودي الجديد الذي ولد قبل أيام عدة بحاجتي فلا تحرمه مني يا ارحم الراحمين.

سكون  الليل  كان على غير عادته، لف المنطقة والدار المتواضعة القابعة في احد أحياء مدينة الصدر الشعبية، الجميع غط في سبات عميق.. لكن لم يداعب النعاس جفن المهندس بشار ذلك المساء أبدا.. بقي متحيرا لا يجد تفسيرا لما هو فيه، فتارة يضم صغاره إلى صدره كما وقد عزم السفر بعيدا بلا عودة.. وأخرى يرنو بناظريه نحو حجرة والديه وكأنه يودعهم الوداع الأخير محدثا نفسه .. إنها النهاية  .. انه الفراق، انه الموت الذي لا بد منه، بل أظنه طريق الفناء الذي رسمه لي الأعداء المجرمون المتعطشون لدماء أبناء العراق..  هؤلاء الوحوش البشرية الذين يتبعون خطوات الشيطان متوهمين أنهم يسلكون سبيل الرحمن، ينهشون جسد بلادنا دون رحمة كل يوم، حتى في شهر الرحمة والتراحم رمضان الكريم لم يسلم  الناس منهم.. أولئك الغرباء المبتورون لا يريدون الأمان لنا، فكم من الدماء الزاكيات هدروها على أرضك يا بلد الأولياء ؟

 لقد حان أوان رحيلي المبكر الذي خطه القتلة السفاحون لي بلا شفقة أو ذمة .. سأودع أهلي عند غدي الباكر .. أمي، أبي، زوجتي، إخوتي .. أرجوكم سامحوني سأترك لكم أحزانا كبيرة اسأل الله أن يخففها عنكم .. سأمضي  أحبتي إلى واجبي عند الصباح، سيكون صباحا غير كل الصباحات .. فقاتلي الملثم الجبان ينتظرني خلف جدران التخلف والتعصب الأعمى ..هناك في شوارع مدينتنا الحبيبة بغداد.. أجل سأقتل برصاص الغدر والجهل عند شروق شمس يوم جديد من أيامك يا بغداد .. على يد أناس مجهولين ليس لهم طعم ولا لون سوى لون الدم وطعم الموت والدمار!.

أستحلفك يا مدينتي الغالية بكل قطرة دم سقت ترابك الطاهر أن لا تحزني ولا تبكي أبنائك الذين يتساقطون كنجوم ساطعة تنير درب الحرية والبناء .. بل تباهي و تفاخري بهم ثم ادعي وتضرعي إلى الله .. ادعي فبدعائك يرفع الله البلاء عن سماء عراقنا ..  وصيتي لك الصبر ثم الصبر يا مدينة السلام.. كما عهدتك صلبة العود على الرزايا بشموخك وسموك الذي يبلغ آفاق المدى.. كيف لا وأنت عنوان العزة وفخر المدن ومهد العلم والعلماء .. اطلبي يا أم العراق وقلبه الكبير الصافي الطيب من الله أن يحفظ وطننا وأهلنا ويخزي و يهلك أعداءنا في الدنيا قبل الآخرة .. وسنردد كلنا خلفك وبصوت واحد .. آمين يا رب العالمين.

 تنويه: اهدي كلماتي هذه إلى ابن عمتي الشهيد المظلوم الفقير ابن الفقراء المهندس بشار كاظم الذي قتل يوم 2_9_2008 وجميع شهداء العراق الأبرار الذين قضوا نحبهم على يد القتلة المجرمين وما بدلوا تبديلا.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com