همسة في الأذن السليمة ـ إن ْ كانت سليمة حقا

 

يحيى السماوي

yahia.alsamawy@gmail.com

ثمة نكتة كانت شائعة قبل حين من الدهر مفادها : أن قـردا في إحدى حدائق الحيوانات،أطلق نكـتـة فـضحكت الحيوانات جميعا بما فيها حيوانات الأقفاص البعيدة، ما عدا الحمار الذي بقي عابس الوجه مستغربا من ضحك بقية أصحابه ... وفي اليوم الثاني كانت الحيوانات جميعها صامتة باستثناء الحمار الذي بقي يضحك ضحكا شديدا لدرجة التبوّل على نفسه ... وحين سأله القرد عن سبب ضحكه، أجابه الحمار : أنا أضحك اليوم لأنني افتهمت توّا النكتة التي أطلقتها يوم أمس ..

خطرت ببالي هذه النكتة وأنا أقرأ مقالا لسياسي عربيّ كان قد أمضى عقودا عديدة من عمره وهو يكتب ـ مُبشـِّرا حينا ً ومنظـِّرا حينا آخر ـ عن

الإشتراكية باعتبارها الدواء الناجع لجميع أمراض المجتمعات البشرية، وأنّ الأمبريالية والصهيونية هما رُحى مطحنة الشـرّ التي ناصبت الشعوب العداء ـ فإذا بهذا السياسي يتحوّل فجأة، من داعـية ٍ للفكر التقدمي، إلى ناطق شبه إقليمي بلسان صقور تلّ أبيب وذئاب المحافظين الجدد في واشنطن ..

 وعلى افتراض أنه قد ثاب إلى رشده، وأن الوعي هو الذي حمله إلى إعادة ترتيب أفكاره ومعتقداته ـ فإن هذا الإفتراض ينفي تمتعه بالحدّ الأدنى من الوعي، ولسبب جوهري، هو : إنّ الذي يستغرق تفكيره عقودا ً من السنين لاكتشاف الخطأ في فكره السابق، يعني أنه ليس بأكثر ذكاءً وفطنة ً من ( ... ) الذي فهم نكتة صاحبه القرد بعد يوم كامل من سماعها فتبوّل على نفسه من الضحك ..

 إن تغيير القناعات والمواقف والأفكار حقٌّ مشروع من حقوق الإنسان .. لكن هذا الحق يفقد معناه ومسوّغاته حين يتخذ منه صاحبه سوطا ً لجلد الآخرين وليس لجلد ذاته المستيقظة توّا ً من غـفلة دامت عـقودا عديدة من السنين ..... من حقه أن يرى في الإمبريالية أو الصهيونية البلسم الشافي لأمراض الشعوب ... وأن الإحتلال نعمة ٌ يتعيّن على الشعوب مباركتها .. كما من حقه أن يُـغـيِّـر أفكاره بالطريقة التي يغير فيها قمصانه المتسخة .. لكن ليس من حقه الإنتقاص من حق الآخرين في قناعاتهم، سـواء ما يتعلق منها بالإحتلالات الغاشمة والعاهدات الأمنية المشبوهة، أو بنظم وأساليب إدارة السلطة ..

فكما أنه من الحماقة وصف مؤيدي الإتفاقية الأمنية بأنهم جميعا من العملاء لأمريكا وإسرائيل ـ فإنه من الحماقة والنذالة معا، وصف معارضي الإتفاقية بأنهم من مؤيدي السياسة الإيرانية أو المؤتمرين بأوامرها ... فالعراق حافل بالوطنيين الأبرار ـ وهم الكثرة الكثيرة بما لا يُـقـاس، إزاء القلة القلية التي تـُغازل تل أبيب وواشنطن أو قم وطهران أملا ً في وجاهة مبتذلة ومناصب موسمية مستعارة، أو طمعا ً بمال ٍ من الرزق السحت .

إنّ مَـنْ يُطالب الآخرين باحترام قناعاته، عليه أن يحترم قناعات الآخرين أولا ..لا أنْ يتذاكى أو النظر إليهم على أنهم تلامذة في مدرسة جهالته !!؟؟

عملاء تل أبيب وأمريكا هم وحدهم الذين يدّعـون أن معارضي الإتفاقية الأمنية عملاء لإيران ... ربما لأنهم لا يريدون رؤية عراقيين وطنيين ينتمون للعراق وحده... فالوسخ يتمنى أن يكون الجميع متسخين مثله .. وتلك هي المشكلة !!!

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com