العمل على إنهاء المجازر وقتل الأبرياء والصحفيين في العراق واجبٌ أخلاقي؟

 

عصام الياسري

 iyasiri@hotmail.de

أيام قلائل بعد اغتيال أربعةَ صحفيين عراقيين في مدينة الموصِل في العراق، تعرَّضت في ٢٠ أيلول ٢٠٠٨ نقابةَ الصحافيين العراقيين في بغداد إلى تفجيرٍ بواسطة سيارة مفخخة، أدّت إلى إصابة نقيب الصحفيين العراقيين مؤيد اللامي وأربعة من زملائه اللذين كانوا أثناء التفجير في مقرِ النقابة بإصاباتٍ خطيرةٍ نقلوا أثرها إلى المستشفى. والجدير بالذكر أن المفكر والكاتب العراقي كامل شياع قد تعرَّض هو الآخر في الثالث والعشرين من آب ٢٠٠٨ في بغداد إلى عملية اغتيال مستهدفة، لم يُكشَف لحد الآن عن المخططين للعملية والرؤوس التي تقف وراءها ومنفذيها الفعليين. ولاتزال الزميلة إيمان بلال مراسلة الحرة رهنَ الاعتقالِ في كربلاء منذ أسابيع لنشرِها تقريراً مفصلاً عن تلوث المياهِ وآثاره على انتشار الكوليرا في العراق، وفضح أساليبَ المتنفذين في نهب وهدر المال العام على حساب تقويم الأوضاعِ وَأَهَمّهَا الماء والكهرباء. إلى ذلك فإن السلطات قامت أيضاً باعتقال الصحفيان عمر محمد وكمال عزيز خضير وآخرينَ بسبب إصرارهِم على كشف الحقائق للرأي العام العراقي والعربي والدولي. وبسبب القصف العشوائي لقوات الاحتلال قُتِل مؤخراً اثنين من الصحفيينَ العراقيين العاملين لحساب مؤسسة إعلامية أمريكية بالإضافة إلى العديدِ من المواطنينَ العراقيينَ الأبرياء.

وليست هي المرة الأولى التي يتعرّض فيها زملاء عراقيين وعرب وأجانب يعملونَ في مُختلف وسائل الإعلامِ في العراق إلى أَساليب منافيةٍ للأعرافِ والقوانين كالاعتقال والتعذيب والقتل على الهوية بشكل غير مسبوقِ، وليس من باب العجب أن يحدث كل ذلك في بلدٍ تتخندقُ فيه الطائفية كما تساق الرعية نحو المجهول على أساس هذه القاعدة، بلداً يسودهُ الاحتلالَ والفوضى، وَتَنْتَعِشُ فيه أساليبَ الخطف والابتزاز اَلْمُنَظَّم إلى جانب القمع والتهديد السياسي. العجب ألا يَجْرِ أي تحقيقٍ لملاحقة وكشف هوية منفذي تلك الجرائِم أو إحالة القتلة للمحاكم القضائية والجنائية، بيد أن الأطراف القائمة على رأس اَلسُّلْطَة ومؤسسات الدولة لا تجدْ حرجاً في عدم كشف الحقائق ومعالجة الوضع بالشكل الذي يجعلُ المواطنَ يطمّْئِن على حياته ومستقبله. أيضاً قوات الاحتلال لا تجد نفسها معنيةً على الإطلاق، ولا تحترم التزاماتها بفرض الأمن والقانون كما يوصي العهد الدولي بذلك كونها قوات احتلال. لكن السؤال المحيّر، يبقى، من هو المعني فعلاً لوضع حدٍّ لهذا القهرِ ووقف نزيفَ الدمِ في العراق؟ ومن هو المسؤول عن مثل هذه المجازر.؟

لا أَتَصَوَّر أن هناك كلماتٌ يستطيع المرء أن يعبر فيها عن مشاعرهِ إزاء ما يجري بحق الصحفيين وغيرهم من أصحاب العِلم والرأي والفكر والقلم في العراق، بحق الثقافة والإنسان الذي صنع مَجْد الأمم ومنها الأمة العراقية بكل أطيافها وشعابها.. أي كارثةٍ ينبغي علينا صد صيرورتها قبل أن تتسع وتصبح أسبابُها ونتائِجُها أمراً لتأنيب الضمير أمام محكمة التأريخ.

إذن من ذا الذي يستطيع أن يسْكُت عن كل ما يجري ليس في العراق وحسب، إنما على امتداد الوطن العربي وظمَأ الحرية يغلو في صدرهِ. شعوبَ تعاني من مشاكل في مقدمها القمع والجوع والبطالةِ والتشرد وفقدان أبسَطَ الحقوق والقيّم الإنسانية، إنما الصمتُ، فقط ، يبقى حصادَ القبورِ.. في فلسطين يعاني الفلسطينيون من العام ٤٨ دون يرد لهم أي اعتبارٍ وطني وسياسيٍّ، وفي مصر تسود المجاعة وَيَشْتَدّ ظُلم الدولة للمجتمع، وأخيراً وليس للمرة الأولى يَسقُطَ جبل المقطم فوق بيوت الصفيح على رؤوسَ الفقراءِ والصعاليك حيثُ بلغ عدد الضحايا حسب الإحصائيات المعلنة إلى أكثر من ٨٠٠ مواطن قضوا وكأن الأمر لم يكن.. أقول هذا على سبيل المثال لا الحصر، وكم كنتُ أتمنى أن تلعبَ منظمات المجتمع المدني والجمعيات والنقابات ومنها رابطة الإعلاميين العرب في ألمانيا، دوراً متميّزاً، أقلُ ما فيه متابعة شأن الصحفيين والإعلاميين والكتاب وأصحاب الرأي العرب اللذين يتعرضون في أوطانِهم للتنكيل والإرهاب والسجن والقتل، والإعلان عن موقفٍ تضامنيٍّ، لأن ذلك من صُلب مهامها لا بل من واجباتِها الأساسية، لكن وللأسف لم نلمس من قيادة هذه الرابطة منذ اعتلاءها العرش قبل تسعة أشهر عجاف أي بادرة إيجابية يستحسن عليها في هذا الاتجاه.

وكُنتُ كبعض الإخوة قد بعثتُ قبل أشهر برسالةٍ للهيئة الإدارية تتضمنُ جملة من الوقائع التي تعرَّض لها زُمَلاء لنا في العديد من الدول العربية بالأسماء والتواريخ، لعل السبات ينجلي ويكون لي على الوضع سُورة. وكان هامش مواعيد تلك الأحداث خلال أسبوع لا يتفاوت كثيراً، والأخبار كانت تتوالى يومياً عن اعتقال أو قتل آخرين في هذا المحيط أو ذاك، فيما قوانين صارمة ومجحفة بحق الصحافة والإعلام تشرع وترسم سياسة تطبيقها هنا وهناك، والرابطة سائرة على أنغام القصيد: نامي جياعَ الشعبِ نَامٍ ، حَرَسَتْك آلهةُ الطعامِ.. وكنت في الواقع كالكثيرين من الزملاءِ في هذه الرابطة، أتوقع أن الهيئة الإدارية ستحترم قرارات المؤتمر وتسترشد الرفعة والمقام لتحقيق الحد الأدنى مما ألزَمَها به وما يتطلع إليهِ الجميع كما تقتضيه المصلحة العامة على المستوى الوطني أو على صعيد القيام بحملات تضامُن واحتجاجٍ لنصرة زملائنا على المستوى المهني والاجتماعي والسياسي.

إنني قد أفهم تبريرات قيادات بعض التجمعات أصحاب العلاقات " المزدوجة " كما يحلو للبعض الاتكاء عليها لأجل مصالح نفعية ضيقة، لكن ما هي مصلحة تَجَمُّع إعلامي كالرابطة، من أهم واجباتِه البحثُ عن الحقيقة والدفاع عن حقوق الصحفيين وأصحاب الكلمة وعن حرية الرأي والتعبير، أن تغض إدارته النظر عن كل هذه الواجبات.. فهل يصُح ألا نتحمل قسطاً مما يستحقه زملاء قدموا التضحيات واستشهدوا من أجل قضايا سامية في أرجاء هذا العالم الذي يَشْتَدّ فيه الصراع الأيدلوجي والسياسي وظُلم الإنسانَ لأخيه الإنسان.؟ أم علينا أن نرضخ للأمر الواقع الذي يراد تسويقه علينا دون مبرر أو حكمة.؟ الجواب يبقى على ذمة الجميع.!

إنها مهزلة الزمن الذي سئِمنا فقدان تَحَمُّل المسؤولية بأمانة وتفشي الانتهازية والنفاق فيه.. حسبي على الجميع تحمل مسؤولياتِهِم الأخلاقية لإحداث تغيير شامل، والتفكير بجديةٍ لمنع وصول مثل هذه القيادات والعبثُ بالمنهج الذي تأسست لأجلهِ التجمعات.. إن الإصلاحَ في نظري لا يأتي إلا إذا ما أخذنا بِأَمْرَيْن أساسيين، إقامة النقد وإطلاق العنان للتعبير عن الرأي في أي قضيةٍ تخص العام وميثاق التكافل الاجتماعي، ولا يتناقضُ هذا بأي حال من الأحوال مع أي عُرفٍ يهدفُ إلى تصحيحَ المسارِ في الاتجاه السليم إنما يعزز اَلْمَسْلَك. فلا يَحْصُد امرئٍ ناسكٍ إلا عَمَلهُ، ولا يَرحَمَ التأريخ اُمْرُؤَا أشتط به الغيظُ فخلع عن كاهله عهداً كان موقوتا.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com