لا ديمقراطية دون صيانة حقوق الأقليات

 

ناظم ختاري

khalilkhatary@googlemail.com

إذا كانت الأقليات العراقية في السابق، تتعرض إلى سلب حقوقها، فلأنها كانت تعيش في ظل نظام  دكتاتوري لم يدعي الديمقراطية أبدا، وفي ظله كان سلب الحقوق والقتل الأذان أو اللسان والسجن والتشريد والملاحقة وهدم البيوت  وقطع الأرزاق أمرا طبيعيا جدا، و كان الجميع يدرك مدى عدوانية هذا النظام، فشعب العراقي كله، كان يستغيث من أجل الخلاص من طغيانه وجبروته، وعلى هذا الأساس شارك العراقيون تحت راية عراقيتهم لمقارعته .. ولكن الأمر غير الطبيعي ههنا، هو إقدام الأحزاب البديلة عن نظام صدام حسين، والتي ناضل إلى جانبها أبناء الأقليات للتصدي له، والتي أصبحت تحكم الآن تحت لواء الطائفية والتعصب الديني والقومي، وتتحاصص فيما بينها على سرقة العراق أرضا وثروة وحقوق شعب، وفي الوقت الذي كانت هذه الأحزاب ترفض فيه تلك الدكتاتورية وبشاعة ممارساتها ضد الشعب العراقي، سرعان ما لجأت إلى نفس أساليبه، وإلى أخرى أكثر خطورة منها، في قهر الآخرين، وهنا  في هذه السطور لست معنيا بسرد كل هذا القدر من الجرائم المرتكبة بحق العراقيين، بقدر ما أريد إطلاق صرخة في وجه  القرصنة الدائمة  لحقوق الأقليات، رغم الادعاء الكثير، بصيانتها وحمايتها، والتبجح  بين الفينة والأخرى، بأن لولا الجهة الفلانية لما أعيدت تلك الحقوق المسلوبة من قبل هذه الجهة أو تلك، الأمر الذي يؤدي إلى خلط الأمور لدى أبناء الأقليات المخلصين، وتضللهم دعوات هذه الجهة أو تلك  .

لاشك إن الكل يعلم، إن هذه القرصنة اشتدت وتيرتها منذ سقوط النظام عبر إلغاء تمثيلها في مؤسسات الحكم التي أعقبت السقوط، أي بداية، في مجلس الحكم الذي ضم ممثلا واحدا عن المسيحيين، وأًسقط منه تمثيل باقي الأقليات، حينها توهمنا وقلنا إن في الأمر خطأ لم ينتبه إليه السياسيون، إذ كيف لديمقراطية ما بعد السقوط الجديدة والطرية، أن تنسى أبناء الأقليات المناضلين من أجلها ..! وقيل حينها وعلى الأقل في حدود السياسة في إقليمنا، إن الأمر سيتعالج بإناطة الكثير من المسؤوليات لهؤلاء أبناء الأقليات، وهذا سيكون تعويضا عما فقدوه من دور في قمة الهرم، وبالتالي فإن الجميع سيواصل المسيرة ويساهم من نفس المسافة  في صناعة القرار السياسي للدولة العراقية الجديدة، دون أن يتقدم فلان على علان، وبعيدا جدا عن التحاصص الطائفي أو ما إلى ذلك من أشكال المحاصصة.

لكنه مجلس الحكم أنهى حكمه للبلاد، ولم يجر تعيين فراش من الأقليات في مركز مهم من مراكز القرار، التي تعددت كثيرا، وهيمنت عليها قوى المحاصصة، وسلطت سيوفها على رقاب الأقليات، وحرمتها من المشاركة الفعلية لاحقا في كل الفعاليات السياسية والدستورية التي كانت تتوالى واحدة بعد الأخرى، وأكثرها إثارة للهلع، كان منع أبناء الأقليات من المشاركة في حقهم الدستوري وحرمانهم من التصويت في الانتخابات الأولى، في الغالبية العظمى من مناطقهم الواقعة في "ده شت" الموصل.

وتعبيرا عن هذه السياسة الطائفية المتطرفة والتعجرف الديني والقومي تعرض مندائيوا العراق ومسيحيوه إلى انتزاع قسري من أرض بلادنا في الوسط والجنوب وأغلقوا أبوابها بإحكام بوجه الأيزيديين الذين كانوا يجدون هناك فرص عمل لهم في أوقات سابقة، ولم ينج هؤلاء من المذابح التي نظمت بحقهم في المناطق الأخرى مثل بغداد والموصل، ولاشك إن التفجيرات المتكررة في الأديرة والكنائس المسيحية ومأساة الشيخان وكارثة كرعزير وسيبا شيخدرى ومذبحة عمال معمل نسيج الموصل ومقتل رئيس مطارنة الكلدان في نفس المدينة، وغيرها من الغزوات والفتوحات التي شردت وتشرد الآلاف إلى بلدان المهجر وأبعدت المئات من طلبة الأيزيديين من جامعة الموصل، لازالت ترن في ذاكرة الجميع، والتي كانت ولما تزل من إفرازات سياسات المحاصصة الطائفية، والصراع من اجل السلطة وسرقة المزيد من أموال الشعب والهيمنة على مناطق النفوذ. 

كل هذا يجري وأبناء الأقليات "خميرة العراق وأصلاءه " أصروا على متابعة مسيرة العراق الجديد ويأملون انتصارها، علها أن تعيد إليهم مواطنتهم وحقوقهم المسلوبة في شتى المجالات، وتوقف ملاحقتهم وتشردهم من مناطق سكناهم، و تابعوا بقلق شديد الفصل الأخير من الخلافات بين الفرقاء التي اشتدت بشأن قانون انتخابات مجالس المحافظات، الذي ولد مشوها في ظل ظروف عصيبة وصراع محتدم بين الكتل المهيمنة، التي أهملت مصلحة العراق وشعبه لحساب المصالح الطائفية والفئوية وما إلى ذلك، ومن أهم أعراض تشوه هذا "المولود" القانون هو خلوه من أية مادة تخص حقوق الأقليات وضرورة تمثيلها في مجالس المحافظات أو وجود  مواد تضمن لها حق التمثيل، بالرغم من أن القانون الملغي كان يحتوي على بعضا من هذه الحقوق للمسيحيين وأخرى بائسة للأيزيديين لاتتناسب ونسب تواجدهم في محافطتي نينوى ودهوك، ولا شيء للصابئة المندائيين ضمن المادة رقم 50 من هذا القانون والذي جرى نقضه من مجلس الرئاسة .

إذا كانت كل جولة من غمط حقوق أبناء الأقليات ومستحقاتهم تبرر بالنسيان في حين، وبعدم وجود توافق فيما بينهم في حين آخر، وفي ثالث عدم وجود إحصائيات أو غير ذلك .. فإن الإصرار المتكرر على تسويق مثل هذه التبريرات الواهية واختلاق غيرها، لا تقنع أحدا ومعهم أبناء الأقليات، باعتبارها سببا موضوعيا فيما يحصل من اعتداءات متكررة بشأن هذه الحقوق، بل إن الأمر يزيدهم قناعة بأنه ناجم عن رغبة  حقيقية لإفراغ العراق من أبناءه الحقيقيين، وفي نفس الوقت فهو يؤكد لهم دون أدنى شك بأنه دليل إضافي، كون أحزاب المحاصصات السياسية غير مؤهلة وليست مستعدة لبناء دولة القانون والمؤسسات والتشريعات القادرة على حفظ حقوق الجميع وخصوصا الأقليات، وإن عدم تشريع هذه الحقوق وعدم صيانتها أو عدم احترامها  يتنافى بشكل صارخ مع مبادئ الدولة الديمقراطية القائمة على أساس دستور مدني .

إزاء هذا التناسي أو مجموع التبريرات المساقة منذ بداية العملية السياسية، والتي تكررت بموجبها الإسقاطات والاعتداءات على حقوق أبناء  الأقليات، فليس عليهم إلا أن يتضافروا الجهود ويعززوا التنسيق فيما بينهم والالتفاف حول القوى الديمقراطية لتقوية بأسها والضغط عليها للم شملها، كونها القوى الوحيدة المدافعة عن حقوقها بشكل فعلي، كما تدافع عن حقوق بقية العراقيين دون تفرقة أو تمييز، وهذا هو الرد المناسب لإعادة الحق إلى نصابه وتقديم برهان عملي بأن أحزاب السلطة القائمة لا تمثل الأقليات ولكنها تمثل مصالح ضيقة لطوائفها وأعراقها وبالتالي لا يمكن لها أن تنتهج إلا سياسة عرجاء بحق الأقليات . 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com