|
كــا مل شـيـاع النزيه داحـر المرارة واليأس
صادق البلادي كلمة "الثقافة الجديدة " في الحفل الـابيني، الذي أقامته منظمة الحزب الشيوعي العراقي في برلين أخواتنا وإخوتنا، رفيقاتنا ورفاقنا في الفجيعة وخسارة فقدان كاملنا برغم قساوة الحزن وعمق الألم برحيل كامل إلا أنه ترك لنا نحن أحبته وأصدقاءه ورفاقه في مجلس تحرير مجلة (الثقافة الجديدة)، وكل من عرفه حبا كبيرا كمعين لا ينضب، وذكريات حلوة لا تغيب، وصداقات حقيقية لا يلوثها غرض. رحل كامل تاركا لنا صورة المبتسم دوما، وحامل الفرح وشفيف الروح دوما، المجبول من طيبة هذه الأرض الطيبة... المرصع بثقل أحجارها الكريمة. ترك كلمته الثاقبة، صندوق بريده الأليكتروني الملئ بمقالات و مواد ( الثقافة الجديدة )، حلمه الطوباوي بعراق حر، مدني، مثقف،عادل، ديمقراطي ـ تركها ومضى. وهكذا أنهت رصاصة غادرة حياة كامل شياع، أحد أبرز المثقفين العراقيين، وعضو مجلس تحرير (الثقافة الجديدة )،بل الشخص الذي حمل على عاتقه العبئ الأكبر من إصدار المجلة منذ عودتها الى بغداد. ولتعرفوا ما كان يبذله من جهد كبير لأصدار الثقافة الجديدة، وتحمل مسؤولياته المتعددة الأخرى، اليكم بعض ما جاء في واحدة من الرسائل التي أرسلها لي : (لك أن تتخيل عدد الأيام التي أقضيها في إعداد المجلة.. أكاتبكم، وأقرأ ما تكتبون وأراجع تصحيحاتكم، وأتابع المقالات المنضدة وأصححها وأبحث عن صورة الغلافين واكتب الإفتتاحية وأشرف على تصميم الغلاف الأمامي والعناوين ( علي أن أذهب بنفسي إلى مكتب المصمم الواقع في نهاية الشارع الفرعي القريب من سينما النصر في السعدون مرتين أو ثلاث مرات) وأتابع التوزيع واحدث قوائم المشتركين ............هل ترغب بسماع المزيد من هذه التفاصيل التي تشل رغبتي بالكتابة والتفكير لأكثر من شهر في كل مرة؟ وهناك العمل الإداري السخيف الذي يستنزف مني سبع إلى ثمان ساعات في اليوم. النتيجة أن الخواطر التي وعدتك بها لم تكتمل بشكل يرضيني لأرسلها لك أو لإغامر بنشر بعض منها، وأن رغبتي في جمع بعض مقالاتي التي أعتبرها مهمة في كتاب ستبقى مؤجلة حتى إشعار آخر. آمل أن يصلك شيء منها قريباً ( عليك أن تتذكر يا رفيق أنني متهجول في بغداد وأحل ضيفاً على صديق هنا، ولولا التسهيلات التي لديه لما كتبت لك هذه الرسالة) . أقول هذا وأنا على يقين باننا حتى لو شكونا وتذمرنا فإننا أبعد من أن نسقط في قبضة المرارة واليأس... الشيوعي هو أيضاً من يجيد العناية بنفسه.)، لا يسقط كامل في قبضة المرارة واليأس رغم كثرة المشاغل التي أنستنه الكتابة والقراءة والتفكير المعمق بما يدور حوله، كما يصف حاله في مايس هذا العام، قبل أن تأتيه رصاصات قتلة هذا المثقف التقدمي، الذي كان يسعى لتحقيق خيار في العالم يتسع للمنادين بالعدالة والسلام. ويعتبر هذا الخيار خيارا عمليا وطوباويا معاً. هكذا إذن رحل كامل شياع، دو الخيار العملي والطوباوي، نجمة الثقافة التقدمية والديمقراطية.. وبرحيله تنكس الثقافة العراقية الحرة والديمقراطية قامتها، وبفقده نودع مبدعا كبيرا وحاملا لمشروع التغيير والتنوير والحداثة والديمقراطية، ووطنيا نبيلا. لم تكن الرصاصات الغادرة التي أطلقها قتلة محترفون تستهدف شخص كامل شياع. لقد كتب في أحد النصوص التي تركها قبل رحيله: "أعلم أنني قد أكون هدفاً لقتلة لا أعرفهم ولا أظنهم يبغون ثأراً شخصياً مني. رغم ذلك كله، أجد نفسي مطمئناً عادة لأنني حين وطأت هذا البلد الحزين سلمت نفسي لحكم القدر بقناعة ورضا. وما فعلت ذلك كما يفعل أي انتحاري يسعى إلى حتفه في هذا العالم وثوابه الموعود في العالم الآخر، فالقضية بالنسبة لي تعني الحياة وليس الموت". الرصاصات الغادرة كانت تستهدف الرهان الذي يمثله كامل. رهان استعادة السيادة الكاملة بإزاء الاحتلال رهان الديمقراطية، بإزاء الشمولية والدكتاتورية والإرهاب. رهان الوطنية الأصيلة، بإزاء ملوك الطوائف. رهان الكلمة الصادقة، بإزاء الطلقة الغادرة. نعلم ان الرصاصات الغادرة التي انطلقت نحو كامل كانت تريد أن تقول لنا إنها أقوى منا، إنها السيدة. غير أن التأريخ لن تكتبه هذه الرصاصة، الملثمة، المرتزقة، الجبانة. التأريخ لن يكتبه الجلاد، كما درجت أدبيات الخنوع على أن تقول لنا، بل سيكتبه الساعون لغد أفضل، ولذلك لن يموت رهان كامل شياع. أمام هذا المصاب الجلل، لا يمكن لنا نحن الذين تناثرت أشلاء أرواحنا بفقدان كامل، إلا ان نحني هاماتنا تحية الوداع الواجبة له، لهاته القامة المديدة التي ظلت باسقة كنخيل العراق، شامخة كشموخ جباله، نقية كنقاوة نهريه العظيمين، مرفوعة تعانق سماء الحقيقة، تتحدى الطغاة والقتلة وجيوش الإرهاب. يحدونا الأمل بأن لا تسجل عملية اغتيال كامل ضد مجهول، لذا نطالب الجهات المسؤولة بالكشف السريع عن مرتكبي الجريمة الجبانة، ومن يقف وراءهم، وتقديمهم للعدالة لينالوا الجزاء الذي يستحقونه. يحدونا الأمل بألا يخبو سريعا هذا الحراك الذي تركه أغتيال كامل شياع في صفوف المثقفين فكانت مبادرة إصدار" نداء مثقفي العراق "، أعلنوا فيه عن تمسكهم " بخط الراحل ورهاناته الإنسانية والوطنية، ومقاومتهم للرسالة التي أراد القتلة إيصالها، والتي تحاول أن توصل المثقف إلى إعلان استقالته. " وأعلنوا تأسيس مرصد للدفاع عن مثقفي العراق باسم (مرصد كامل شياع). والإلتزام بنشر تراث الراحل في كتاب. عرفت كامل شخصيا منذ أواسط التسعينات في لندن، ثم عملنا سوية في مجلس تحرير الثقافة الجديدة، وهيئة تحريرها.التقينا في اجتماع لمجلس التحرير في هامبورغ، في دار الصديق د.غالب العاني، وانعقد مجلس التحرير مرة في دار كامل في لوفن في بلجيكا، ومرة في هولندا في دار الرفيق د.هادي محمود، وكان كامل في كل الاجتماعات، أولقاءات هيئة التحرير عبر الإنتيرنت متميزا بحضوره. وعندما عاد الى العراق من المنفى في أوائل ديسمبر2003، ودعني الكلمات: عزيزي أبا ياسر سأفتقد في بغداد رفقتك، توثبك وحكمة المناضل المتأصلة فيك. لكن حبل التواصل بالكلمات سيبقى، واللقاء قريب. دمت ... مع المحبة.... كامل 01 .12. 03 وفي نيسان 2004 التقينا في بغداد، في الثقافة الجديدة في أبي نؤاس. وفي تموز هذا العام التقينا في برلين، عند حضوره مع الوفد العراقي بمناسبة افتتاح معرص بابيلون في متحف البيرغامون. وتواعدنا على اللقاء في بغداد أواخر هذا العام، وكم سأفتقدمه هناك، كما يفتقده رفاقه وأهله ومحبوه.لكن ذكراه وسجاياه، خاصةالتواضع والنزاهة والمحبة، التي تدع كل واحد يحس أنه صديقه الأثير، قد تخفف من الفجيعة بعض التخفيف. انتزعه القتلة من الحياة ورحل الى عالم الخلود دون أن يمتلك حسابا مصرفياو لا قطعة أرض، رعم قضائه السنوات الخمسة في بلد الفساد، الذي فرخ المليونيرية في كل مكان. لكنه ظل حريصا على ألا تزل به قدم. إن خير تكريم لكامل يكون لا بالاكتفاء فقط بكلمات الرثاء التي قيلت بحقه، والإيفاء بالالتزامات التى أخذها المثقفون على أنفسهم،بل إن خير تكريم للفقيد الغالي كامل هو الاصرار في السعي للسير على منهاجه، والتحلي ببعض من خصاله وسجاياه، والقدرة على التخلص من شراك الفساد، والبقاء نزيها في غابة الفاسدين. ووفاء لبعض ما علينا من دين لكامل فسيضم العدد القادم من الثقافة الجديدة، وهو قيد الطبع الآن، عددا من مقالاته، كما وسيجري جمع كل ما كتب في رثائه في كتاب، إضافة الى العمل لـجمع كل مقالاته ونشرها في كتاب، ليس فقط للاستفادة مما تتضمنه من فكر نير وقاد، وعميق، بل وكذلك تحقيقا لما سماه بـ "الرغبة المؤجلة الى إشعار آخر "، كما كتب في رسالته لي : "أن الخواطر التي وعدتك بها لم تكتمل بشكل يرضيني لأرسلها لك أو لإغامر بنشر بعض منها، وأن رغبتي في جمع بعض مقالاتي التي أعتبرها مهمة في كتاب ستبقى مؤجلة حتى إشعار آخر." ختاما، أتقدم، باسم مجلس تحرير الثقافة الجديدة بصادق التعازي القلبية الحارة لعائلة الفقيد الشهيد كامل شياع والى أقاربه وكل رفاقه ومحبيه، مقرونة بمشاعر التضامن الصادقة. ولكامل الجميل مجد المثقف الكبير وسحر كلماته وذكراه المتوقدة دوما. كامل... ستبقى نجمة مثقفي العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد، نقيض حروب الطوائف والإرهاب والعسف والاحتلال والفساد .. كامل.... أنت باق في سعي أخيار العالم لتحقيق الطوبى، ليس فقط كنقد*، بل لكون النقد الخطوة الأولى لتشييد الغد الأفضل.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |