قضية المناطق المتنازع عليها .. رد على مقال للسيد خالد عبدالكريم هدَو

 

أوات أسعدي

awatasadi@gmx.de

في اطار الخلافات العراقية ـ الكردستانية اثارت ازمة قانون انتخابات مجالس المحافظات العراقية والازمة العسكرية في خانقين اكبر قدر ممكن من الضباب في الاجواء العراقية الملبدة عادة بالغيوم الداكنة. وكان من المنتظر ان تطفح هاتين المشكلتين الى السطح، لأنهما تشكلان قسطاً كبيراً من الخلافات الاساسية بين الحكومة العراقية والقيادة الكردستانية.

لقد كُتب العديد من المقالات حول الموضوعين أعلاه، والكثير منها كانت عرضة للنقاش. الا اننا وجدنا ما دعی الى الرد على موضوع كان يُفترض من خلال الصفة التى الحقت بأسم صاحب المقال (مستشار) والمصدر المزعوم (الميزان للدراسات القانونية) ان يكون قانونياً صرفاً وبالتالي بعيداً كل البعد عن التأويلات الغير قانونية. غير ان كاتب المقال (خالد عبدالكريم هدو) تمادى كثيراً في موضوعه المعنون بـ "قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية و الدستور العراقي الجديد يحدد الخط الأزرق كحدود نهائي لإقليم كردستان" ودخل نفسه في متاهات مواضيع سكانية وسياسية وجغرافية وتأريخية بشكل لا تليق بأسلوب البحث العلمي في مجال القانون، فضلاً عن افتقاره الى الكثير من معلومات موسوعية.

فالكاتب قبل ان يدخل في تفاصيل موضوعه يقدم للقارئ بعض الملاحظات عن البدء و كيفية نشؤ الخط الازرق، وهنا يستعمل لوصف حدود أقليم كردستان المعترف بها من قبل الحكومة العراقية مصطلح "حدود نهائي" ثلاث مرات و مصطلح "حدودا نهائية" مرة واحدة. فمن حق القارئ ان يسأل: إذن هل هناك شيئاً اسمه "قضية المناطق المتنازع عليها؟" اذا كانت الحدود النهائية لأقليم كردستان قد وضعت في الدستور بهذه الشاكلة وبصورتها النهائية كما يدعي بها الكاتب، فما الداعي الى المادة 58 من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الإنتقالية وما الباعث من إدخالها فيما بعد ضمن المادة 140 من الدستور. كان الاولى للكاتب استعمال مصطلح "الحدود الحالية الرسمية" بدلاً من استعمال كلمة "النهائية" المطلقة.

وثم لماذا التشديد دائماً في التذكير بوجود حساسيات اقليمية في قضية تحديد حدود اقليم كردستان الاداري، كما جاء ذلك في النقطة الاولى من مقاله حيث يقول "وان الأكراد يعرفون حساسية وخطورة هذه القضية على الصعيد الداخلي والخارجي أكثر من غيرهم." لو كانت النية لدى الجانب العربي حسنة، لسعى فعلاً في معالجة المشكلة بصورة سلمية ودون اللجوء الى تهديدات مبطنة او مباشرة بما يسمى بـدول "الجوار" والدول الاقليمية.

وفي ملاحظته الرابعة والأخيرة يبالغ الكاتب بصورة مدهشة في "الحضور الكردي" الذي كان "طاغيا ومؤثرا ولم يكن غائبا وكانت لهم الكلمة العليا والتأثيرالابرز في خروج النصوص وفق مصالحهم". فأذا كان تأثير القيادة الكردستانية بهذا الحجم الضخم، كما يدعي صاحب المقال، لکانت بإمکانها إدخال الفقرة الأولى من المادة الثانية من مشروع دستور إقلیم کوردستان في تحدید الحدود الادارية للأقليم ، التي تنص: "تتكون كوردستان - العراق من محافظة دهوك بحدودها الإدارية الحالية ومحافظات كركوك والسليمانية وأربيل وأقضية عقرة والشيخان وسنجار وتلعفر وتلكيف وقرقوش ونواحي زمار وبعشيقة وأسكي كلك من محافظة نينوى وقضائي خانقين ومندلي من محافظة ديالى وقضاء بدرة وناحية جصان من محافظة واسط بحدودها الإدارية قبل عام 1968."

وهنا ينبغي القول انه حتى المادة 58 من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الإنتقالية قد صيغت بشكل، تكاد تخلو من تسمية المسميات بأسماها الحقيقية. ففي هذه المادة لم يُستخدم سوى مصطلح "تغيير الوضع السكاني لمناطق معينة بضمنها كركوك" لوصف ما تعرضت له المناطق المتنازع عليها من ظلم. أى لا يجد المرء في النص مصطلح سياسة التعريب والحديث عن التصفية الأثنية للأكراد. بالأضافة الى ذلك اقتصرت مسألة تلك السياسة فقط على "الظلم الذي سببته ممارسات النظام السابق" وكأن سياسات الانظمة التى سبقته كانت خالية من التفرقة الأثنية و ملاحقة الأكراد.

يقول الكاتب في الفقرة التالية "أن الطرف الكردي يقوم بالدمج بين المناطق الكردية ضمن الخط الأزرق وبين المتنازع عليها ويعد الجميع تابعة له عائدة إليه, ولكن أزمة خانقين قد فصل بين الاثنين".

هذا ما یدعي به الکاتب يجانب الصواب على نحو صارخ. تنص المادة الثانية من مشروع دستور اقليم كردستان العراق مایلي: "تعتمد المادة (140) من الدستور الاتحادي لرسم الحدود الادارية لاقليم كوردستان". اي ان حكومة الاقليم لا تقوم بالدمج بين المنطقتين بأعتبارهما منطقة واحدة او ان تترك انطباعاً بأن تابعیتها قد تم الاقرار بها مسبقاً. وعلى ارض الواقع: في حكومة اقليم كردستان وزارة تسمى بوزارة شؤون المناطق خارج الاقليم، زد على ذلك، هناك ادارات محلية سواء كانت في خانقين او في كركوك تابعة، كما هو معروف، الى الحكومة الاتحادية لا الى حكومة اقليم كوردستان. وهذا لاينفي وجود علاقات متينة لاسباب جغرافية واجتماعية وسياسية وتاريخية عديدة بين تلك الادارات و الاقليم. والاهم من ذلك ان تواجد قوات البيشمركة في تلك المناطق حصل اساساً بموافقة الحكومة الأتحادية وقوات التحالف. وما تحصل بين حين واخر من تشنجات مابين الادارات المحلية في تلك المناطق ـ على سبيل المثال بين كركوك و بغداد ـ تعود الى محاولات بعض من المسؤولين في بغداد في القضاء على نفوذ الأكراد المتواجدين اصلاً في تلك المحافظة لأسباب ليست بخافية على احد.

وفي معالجته لموضوع المناطق المتنازع عليها يثبت الكاتب بأن تلك المناطق "محسوم دستوريا" و انها "تدخل في الاختصاصات الحصرية للسطلة الاتحادية... إلى حين التحقيق بشكل عادل وشفاف من الأمور التالية..." بعد ان قرأنا النقاط المقدمة تجلت لنا شك فيما اذا كان الكاتب عند كتابة مقالته قد أطلع فعلاً على المادة 58 من الدستور. فالذي يلقى نظرة واحدة الى تلك المادة، سوف لن يجد قاسما مشترکا بين فقرات تلك المادة (وهي حسب اعتقادنا اطول مادة من مواد الدستور المؤقت) وما يسرده الكاتب من أمور في ثمان (كذا) نقاط، التي ينبغي "التحقيق" منها "بشكل عادل وشفاف". فالمادة 58 المذكورة تتكون بكل اختصار ـ بات الجميع على علم به ماعدا صاحب المقال كما يبدو ـ من ثلاث نقاط اساسية هي: التطبيع والاحصاء والاستفتاء، وكذلك بعض الآليات في كيفية التعامل مع الموضوع، اي انها لا تتضمن المسائل التى يطرحها الكاتب لا من قريب ولا من بعيد.

وبالمناسبة لا مانع لدينا ان نخوض في تفاصيل مواضيع التي يثيرها السيد هدو لنبين لقراء الميزان للدراسات القانونية التى تمتلك على الاقل عنواناً الكترونياً في الانترنيت (Mizan_kanon@yahoo.com) وللمهتمين بأبعاد القضية بالدلائل القاطعة والحجج الدامغة.

وهنا نبادر في البداية الى ايضاح مفهومين لا يمكن خلطهما او استعاضة بعضهما ببعض، وهو الفرق بين المصطلحين الكوردي و كوردستان. فمصطلح "الكوردي" یشیر الی الهویة الإثنیة ومصطلح "كوردستان" اسم لمنطقة جغرافية تقطنها اكثرية كردية. لكن ليس كل من يعيش في ارض كوردستان كوردي. واستعمال صاحب المقال مصطلح الاثني في طرح هوية المناطق المتنازع عليها لم یکن ولید الصدفة. فهو یتسائل فیما إذا کانت هذه المناطق کوردیة، أم لا.‌ يمكن ان يقال بأنه قد تعَمد في عدم استخدام مصطلحات جغرافية لوصف تلك المناطق وهذا ما يسوق المرء الى ان يرد بالمثل ويسأله:

ما هي الهوية الاثنية او القومية للطرف الثاني من النزاع، اي للعراق؟

الجواب واضح. لقد كان علم مملكة العراق شبيه من حيث التصميم لعلم الثورة العربية، التي قام بها الهاشميون ضد الحكم العثماني، ولم يكن فيه شيء يلمح الى كوردستان العراق. والعراق كان من الدول الأصلیة المؤسسة للجامعة العربية و شارك بشكل طوعي في الحروب العربية الثلاثة (1948 و1967 و1973) ضد اسرائیل وثبت في دستور العراق (المؤقت) بين اعوام 1958 و2003 ...ان العراق "جزء من الامة العربية".اي ان العراق كان يعتبر نفسه دولة عربية. ومن هذا المنطلق ينبغي أن لا تمتد حدود هذه الدولة الى مناطق التى لا يشكلون العرب فيها الأكثرية السكانية. والمناطق المتنازع عليها، وهذا ما لا يرقى اليه ادنى شك، لم تتجاوز فيها نسبة العرب السكانية ـ قبل البدئ بسياسة التعريب المبرمج في الاربعينات من القرن الماضي ـ ربما الى اكثر من 20 بالمئة من سكانها فقط.

على اية حال... ففيما يتعلق بالنقاط الاولى والثانية والسادسة والسابعة للمقال، التي فيها يتسائل الكاتب، وفق اية اعتبارات تدعى الأكراد ان تلك المناطق من المناطق المتنازع عليها، نشير الى ان هناك اعتبارات سكانية و جغرافية وقانونية بسببها يمكن اعتبار تلك المناطق بالمتنازع عليها:

  1. الكثافة السكانية العالية للاكراد وفق جميع احصائيات الموجودة لغاية السبعينات من قرن الماضي على الاقل. اي لولا سياسة التعريب المبرمج من قبل النظم لما كانت لتلك المناطق اية صفة عربية بارزة.

  2. الدراسات الجغرافية والعلمية التى قام بها الجغرافيين المحايدين من امثال ريتر 1844 و ماونزه 1892 و بانزه 1911، فهم وضعوا معظم المناطق المتنازع عليها اليوم داخل الحدود الجغرافية لمصطلح كوردستان.

  3. ومن الناحية القانونية اثبتت اللجنة التابعة لعصبة الامم والتى كانت مكلفة بدراسة ولاية الموصل عام 1925 في تقريرها (ص25ـ27) بان العراق "لا يمتد شمالاً ابعد من هيت ـ تكريت أو منطقة جبل حمرين."

  4. عام 1925 قامت حكومة العراق الملكية بإلحاق الالوية الثلاثة السليمانية وأربيل وكركوك بمنطقة معارف كردستان.

وفي جوابنا على النقطة الثالثة للكاتب "لماذا لم تدخل" المناطق المتنازع عليها "ضمن الخط الأزرق في حيينها مع العلم كانت الفرصة مواتية"، نقول لأن طرفي النزاع (اي بغداد واربيل) اتفقا على حل المسألة بالطريقة المتبعة في حل النزاعات الحدودية، أي عن طريق استفتاء القاطنین في تلك المناطق، وهذا ما جاء فعلاً في المادة 58 من الدستور المؤقت.

وعن آلية النزاع (المثار في النقطة الرابعة والخامسة للمقال) فهي الاستفتاء بعد التطبيع والاحصاء في تلك المناطق. اي ان القاطنين في تلك المناطق هم اصحاب القرار ولهم الكلمة الأخيرة. 

والاغرب من كل هذا طرح السيد المستشار في النقطة الثامنة موضوع "الوثائق التاريخية العثمانية والبريطانية" بأنها "لا تشير على إن هذه المناطق كانت للأكراد سابقا" مضيفاً على ذلك "علما ان أسماء الولايات في العهود الإسلامية والعباسية والعثمانية كانت معروفة ليس فيها ولاية كردية واحدة أو ولاية يشكل الأكراد فيها أكثرية عددية...". ان هذا الطرح يناقض مجمل الوثائق والبيانات التاریخیة المعروفة. و يبدوا ان السيد هدوُ لم يعير التأريخ المعاصر لحظة تفكير واحدة كي يتراجع من نشر تأويلاته الذرائعية قيد أنملة. وهنا نضع موضوع ولاية شهرزور العثمانية جانباً و نلقي بنظرة الى ولاية الموصل التى يذكرها المؤلف بنفسه لتأكيد على مزاعمه، الى جانب ولايات بصرة وكوفة وبغداد، لنرى من كان يشكل فيها الاكثرية، علما بأن جميع المناطق المتنازع عليها حالیا تقع، بأستثناء خانقين و مندلي، ضمن حدود ولاية موصل العثمانية...

الوثائق (وربما هذا لسوء حظ الكاتب) سواءً كانت عثمانية او بريطانية او حتی عراقية يمكن استعمالها دون أستثناء للحل والفصل. فهي تؤكد على الاكثرية الساحقة للأكراد في الولاية المذكورة. فحسب تلك البيانات التى تقدم بها الجهات الثلاث الى اللجنة التى كلفت بدراسة الوضع في ولاية الموصل تكشف لنا ما يلي: البيانات العثمانیة اعطت نسبة 56,1 للأكراد والبريطانية 57,9 و العراقية 65,1. مقابل 8,6 و 23,7 و 20,9 للعرب على التوالي. فاذا أخذنا برأي الكاتب سيخسر العرب حتى مدينة الموصل التى تقطنها اكثرية عربية والتي تعتبر الیوم أحد معاقل "القوميين" العرب.

وهناك خطأ فادح وقع فيه الكاتب حتى في استنتاجه النهائي وفیه خلط الحابل بالنابل بشكل عجیب ذاکراً:

"وعليه نخلص من كل ما تقدم إن قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية كما وان الدستور العراقي الحالي قد نص على أن الخط الأزرق هو حدود المناطق الكردية وان حدود إقليم كردستان يتحدد به وخارج الخط الأزرق ليس مناطق كردية لا من حيث النسبة السكانية ولا من حيث ملكية وهوية الأرض ولا غطاء قانوني أو دستوري لما يطالب به الأكراد خارج الخط الأزرق".

ليس هناك اي ذكر او تسمية للـ"مناطق الكردية" في المواد المشار اليها ولا في اية فقرة او مادة اخرى من الدستورين المقتبسين من قبل الكاتب. وانما الحديث فقط عن حدود الادارية لاقليم كوردستان التي كانت "تدار من قبل الحكومة المذكورة [أي الاقليم] فى 19 آذار 2003"، بمعنی المناطق التى كانت في الواقع تحت السيادة الفعلية لحكومة اقليم كوردستان. وهذه بطبيعة الحال لا تعني ابداً ماذهب اليه الكاتب او بالاحرى ما حاول ايصاله الى القارئ، بإعتبار لا وجود لمناطق كوردية اخرى "من حيث النسبة السكانية" او "من حيث الملكية وهوية الأرض" خارج الحدود الأدارية لاقليم كردستان. وهذا الاستنتاج الغريب يفتقر الى الكثير من الصراحة وتنقصه الامانة العلمية. فالتواجد الكردي الكثيف في المناطق المتنازع عليها من بديهيات الحالة الراهنة والماضية وهذا ليس بخاف على احد، إلا على الذين يتجاهلونه عن قصد.

خلاصة الكلام: واهم من اعتقد بأن ما يسمى بالخط الأزرق يشكل الحدود الجغرافية النهائية لكردستان.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com