|
العدالة والإنصاف في التقويم القمري
د. علي النصراوي يمر عام قمري جديد ومازال هناك من لم يستفد من الفترة الزمنية الماضية ومن ما سبقها وتخللها من أحداث لحل مشكلة يبدو أنها تشتد وتشمل عددا ونوعا جديدا من الناس لتشغل أذهانهم وتضيع جزءا من طاقاتهم ليس في معالجتها بل في الإلتهاء بها وبنتائجها : ألا وهي مشكلة تعيين بداية الشهر القمري الذي يعتمد عليه المسلمون خصوصا في ممارسة الطقوس الدينية ومناسباتها كالصيام والحج ومناسبات أخرى ليست قليلة أو مهملة، وهنا لابد لي أن أنوه بأن الكثير الكثير من الطاقات تصرف في دراسة مشاكل قد تكون أقل أهمية من هذه ـ التي يكاد البعيد أن يستفيد من تفاقمها عند المسلمين جل الفائدة في حين يتضرر القريب منها كبير الضرر ، ولابد لي أيضا أن أتناول الملاحظات والإستنتاجات والحقائق التالية التي ستنفع في توضيح الصورة . لمعالجة هذه القضية المتعلقة بالتقويم القمري يقتضي الأمرأن نقارن بين هذا التقويم والتقويم الشمسي بشكل دقيق فنذكر بالفروقات المهمة بينهما، وذلك لأسباب عدة.. لعل أبسطها وأوضحها أن الصيام اليومي يعتمد على الشمس والشهري يعتمد على القمر. لن اتحدث في أصل وكيفية إسناد التقاويم المختلفة التي أتخذها الناس لتعيين مواقع الأحداث زمنيا وتأريخيا سابقا أو لاحقا على أساس أصل أو ثقافة أومصلحة الأقوام التي أتخذتها، بل سأتناول أداة التقويم... التي أساسها التكرار الدوري (الدورية) في الظواهر الفلكية. اليوم والعام الشمسيان والقمريان يتردد النهار والليل تباعا (خلال يوم شمسي وهو فترة دوران الأرض حول نفسها ) عندما يبدو أن الشمس تبزغ من جهة وتنطوي عند جهة أخرى ، وأثناء ذلك يحيد تدريجيا مبزغها ومسارها ومخفاها ( يتغير موضع الشروق والغروب شمالا و مسار الشمس يرتفع فيطول النهار و يقصر الليل عند أقتراب الصيف وبالعكس شتاءا) . يحدث ذلك ويتغير الطقس تدريجيا( تتكون الفصول الأربعة) وتعاني الكائنات تغيرات، كل حسب طبيعته نتيجة للتغير في العوامل الفلكية والجوية، ثم يعود كل شيء تدريجيا الى ما كان عليه ثم يعود ليعاني ما عاناه سابقا فتتكرر الظاهرة الكبرى هذه بعد تكرار الظاهرة اليومية ب 365مرة وربع المرة( أيام السنة الشمسية وهي المدة الزمنية التي تقضيها الكرة الأرضية لتدور حول الشمس مرة واحدة) ، وعلى هذه الظاهرة الدورية إعتمد الأنسان في وضع تقويمه المعتمد على الشمس ( التقويم الشمسي). إنتبه الى ما يلي: 1- الأرض مفلطحة الشكل (عكس الشكل البيضوي) ودورانها حول محور يمر بين قطبيها. 2- يصنع محور دورانها زاوية ليست قائمة على مستوي دورانها حول الشمس، فيتعرض نصفها الشمالي أكثر للشمس صيفا . 3- أن مسار الأرض حول الشمس ليس دائريا بل بيضويا. وكان التقويم القمري بالإعتماد على متابعة ظهورالقمر وإختفائه وما يصاحبه من تغيرات طبيعية كالمد والجزر الذي يسجل أيضا حضورا دوريا يتكرر بيوم قمري واحد( وهو الفترة الزمنية بين ظهورين للقمر في نفس الموضع و أطول من اليوم الشمسي بحوالي 1/ 28 من اليوم )، وبمتابعة تغير صورة القمر ( الضياء المنعكس عليه ـالقادم منه) دوريا أيضا ب 29 يوم شمسي وجزء ( شهر قمري#28 يوم قمري ). وعند الإلتفات الى هذا الجزء نجده يحرك بداية السنة القمرية بشكل عادل على فصول السنة. ولابد أن لتكرار الدورة القمرية ل12 مرة وجزء خلال العام الشمسي دور في أعتبار السنة القمرية من 12 شهر قمري ، ودور في تقسيم الدورة الشمسية الى 12 جزء ( شهر) . وبالإعتماد على الدورية القمرية كان التقويم القمري الذي إستفاد من الدورة الشمسية التي هي عام شمسي في تعيين عام قمري أمده 12 شهر قمري . يبدأ اليوم الشمسي وينتهي عند غروب الشمس أو حسب التقويم العصري عند الساعة صفر(تقريبا منتصف الليل) وأسم اليوم ورقمه يبدأآن عند جزيرة في المحيط الهادئ ثم تتبعها بالتسمية والترقيم الأرجاء الواقعة غربها بالتتابع حسب خضوعها للوضع الفلكي. مثلا: أستراليا، أندونيسيا، الهند، اليمن، ساحل العاج، البرازيل، كولومبيا. ولأن الإنسان يخضع في سباته ومعاشه أساسا لفعل الشمس النافذ والطاغي على فعل القمر وأثره ، كانت الشمس مرجعه الأول وكان اليوم الشمسي لديه محددا واضحا. ولأن إلتفات الإنسان للقمر وإعتماده عليه (عند تأثره به أو حاجته له) ثانوي ، بقي اليوم القمري له منسي (خاصة لعدم تواقته مع اليوم الشمسي) ، فحسب مدة الشهر القمري بالأيام الشمسية، فكانت 29 وجزءا . وعند الألتفات الى هذا الجزء نجد أن له دورا أيضا في العدالة التي نقصدها لأنه يحرك بداية الشهر القمري على الكرة الأرضية ويوزعها على سكانها بشكل عادل ويحرك عقولهم ويعلمهم ويحملهم مسؤولية شؤونهم. أن ما جاء ذكره هو مختصر ينفع لموضوعنا بخصوص الأنصاف والعدل في التقويم القمري، وأقول: - إن ربط المناسبات والأحداث وتسجيلها ومتابعتها حسب التقويم الشمسي يقدم فوائد جمة منها أنه يعطي فكرة ضرورية عن الظرف المناخي (الفلكي) الذي واكب الحدث ويواكب ذكراه أيضا ويوضح دوره في حدوث الحدث أحيانا ،(مثال على ذلك العطل الصيفية والربيعية ) ، لكنه يربط معايشة ذكرى الحدث بحالة مناخية معينة(مثال ذلك عيد ميلاد سيدنا عيسى عليه السلام عند النصارى) تنطبق على من يحييها في موضع حدوثه فقط ولا تنطبق على الجميع اي يحدد الشعور المتعلق بالحدث بحدود الطقس وما يترتب على ذلك من تبعية للظرف أوللغير فيحدد اللذة المتوخاة اذا كان الحدث سعيدا والأسى المطلوب أذا كان غير ذلك ، ويمنع اخرين عنه. بالإضافة الى أن قصب السبق في إستقبال المناسبات هو دائما من نصيب من يقطن أستراليا لأن أسم اليوم ورقمه يبدآن هناك. كما ان طو ل مدة المناسبة يختلف من مكان الى آخر على الارض حسب بعده خط الاستواء وغير ذلك. لاحظ التبعية لطقوس الأوربيين الشتوية في أستقبال عيد الميلاد في أستراليا رغم أن الطقس هناك ساخن. أما تأريخ الأحداث حسب التقويم القمري وتوقيته فإنه يوزع الظرف المناخي - لذكرى وقوع الحدث وطول مدته على البشر بالتتابع مما يتطلب التذكير به للتوضيح إذا كان ذلك مهما، و يوفر ظروفا مناخية مختلفة لمعايشة ذكرى الحدث التي هي بالأهمية التي لا تقل عن الحدث نفسه في أكثر الأحيان بل أحيانا أكبر بكثير فالمناسبات والأحداث وذكراها ومزاولة طقوسها تأتي في ظروف تتغير من عام لآخر ولا يواكبها ظرف مناخي خاص بها فلا تخلق إنطباعا أو تأثيرا نفسيا واحدا مرتبطا بحالة الطقس او بطول مدته لقد كانت الشعوب سابقا أكثر إنعزالا وأقل إهتماما ببعضها وأقل تنقلا وإحتكاكا وكانت الأحداث تعني الناس في موضع وليس في كل المواضع على الأرض في وقت واحد . أما بالنسبة لهذا العصر فإن الأحداث والمناسبات( وذكراها) تعني الناس على سائرأرجاء الأرض على حد سواء ويجب أن يكونوا سواسيا بتلاقفها أوأحيائها أو ذكراها وأن يتسنى لهم ان يعيشوها ويحيوا ذكراها كما حدثت ومن أجل هدفها الأصلي أو الحقيقي وليس غيره ودون أن يكون للبعض سبق زمني غير عادل او مدة اطول او اقصر فتظهر له نتائج غير عادلة. فمناسبة بدئ رمضان وليلة القدر ويوم العيد ويوم ميلاد الرسول (ص)هي مناسبات أساسية عند المسلمين على سائر الأرض ومن العدل والأنصاف أن يكون المسلمون سواسيا في تلاقفها وأن لا يكون قصب السبق لقوم قبل آخرين أو لبلد قبل آخر. ولذلك كانت رؤية الهلال أساسية لتعيين نقاط الأرض التي تبدأ عندها الليلة الأولى من اليوم الشمسي الأول من الشهر القمري(سنأتي لإيضاحها) وتليها النقاط التي تقع غربها لأن الهلال يكون في حالة إتساع و رؤياه نظريا أسهل. أما في المواضع التي سبقت مواضع رؤية الهلال (شرقها) فإنه من غيرالعدل ومن عدم الإنصاف أن يسبق ناسها آخرين في مواضع أبعد شرقا في تلقف الليلة الأولى سواءا كان ذلك إلتحاقا بمن رأى الهلال غربهم (أي أ ن يطبقوا على نفسهم ما أنطبق على من هم غربهم ) أو تزويرا (أي إدعاء رؤية الهلال) لأن من شأن ذلك عدم إحترام التقويم القمري كله ونظامه الرباني العادل. يدور القمر حول الأرض مرة واحدة في الشهر القمري بينما تدور الأرض حول نفسها وبنفس الإتجاه حوالي 29 مرة، أي أن سرعته الزاوية واطئة نسبة الى سرعتها، وهو كالأرض حيث يستظيء نصفه بنور الشمس ويعكس ضوءها. يقابل الأرض نصفه المضيء عندما تكون الأرض بينه وبين الشمس فيكون بدرا، ويقابلها نصفه المظلم عندما يكون بين الأرض والشمس. يرى بشكل هلال عندما يكون بموضع يصنع زاوية مع موضع الشمس مقدارها أكبر من 7.5 درجة. في بداية الشهر القمري يرى بعد غياب الشمس ويكبر ويتأخر في السماء يوما بعد يوم حتى يصبح بدرا في منتصف الشهر القمري ثم يعود ليرى كهلال من الجانب الآخر قبل طلوع الشمس في نهاية الشهر ، ثم تنعدم رؤياه لمدة 11.5 ساعة وهي مدة ولادة الهلال. عندما تتسنى لموضع ما على الأرض رؤية الهلال قبل شروق الشمس فأن الشهر القمري لم ينته بعد ولا يحق لأي قوم أو بلد على الأرض إعلان نهاية الشهر قطعا. لذا فأن على الناس في سائر الأرض مراقبة الهلال قبل طلوع الفجر من أجل التأكد من إنعدام رؤيته ثم تتبع ظهوره بعد غيابها لإعلان بداية الشهر الجديد. المعرفة الفلكية تنفعنا في معرفة مواضع وأوقات إستحالة رؤية الهلال بالعين وتعرفنا أيضا بالمناطق التي تمكن رؤياه فيها فعلى الناس الإسترشاد بتلك المعرفة ووجوب الإستهلال في تلك المناطق. مناطق رؤية هلال بداية الشهر: يرى الهلال بعد غروب الشمس أي في المناطق التي تغرب فيها الشمس في نفس الوقت وهذه المناطق تقع على خط واحد يمتد بين النصف الشمالي والنصف الجنوبي من الأرض كخطوط الطول الجغرافية ولكنه يصنع معها زاوية تتغير بين الصيف والشتاء شرقا وغربا ( تتناسب وزاوية ميلان محور دوران الأرض مع مستوي دورانها حول الشمس- لاحظ الشكل). هذه المناطق تسمى مناطق وحدة الأفق. تغرب الشمس شتاءا في النصف الشمالي من الأرض أبكر وفترة رؤية الهلال أقصر وفي النصف الجنوبي تغرب أأخر وفترة رؤيته أطول كلما إبتعدنا عن خط الإستواء، وبالعكس صيفا، الأمر الذي يمكن الناس من رؤية الهلال بتوزيع عادل فلا يعتمد من في جنوبها على من في شمالها دائما ولا العكس بل إنهم يحتاجون بعضهم بعضا لتعيين بداية الشهر القمري . إن رؤية هلال الشهر في إحدى مناطق وحدة الأفق تساعد المناطق الأخرى على تعيين الشهر وتحتم رؤيته على من في أفق غربها (اذا لم يكن هنالك مانع طبيعي)، ولكنها لا تساعد مناطق أفق آخر يقع شرقها . أي أن هلال الشهر يمكن أن يرى في أفق الجزائر ولا يرى في أفق ليبيا فتبدأ ليلة الشهر في الجزائروأفقها وتتبعها مراكش فأمريكا فأستراليا فالهند فاليهن فليبيا وآفاقها. أو أنه يرى في أفق لبنان وتتبعها آفاق مصر فليبيا فالجزائر فمراكش فأمريكا أجزاءا..... . هذا إذا عاملنا الآفاق حسب البلدان. أما إذا توخينا الدقة أكثر فمعاملة الآفاق حسب المدن هي أدق وأعدل وأنصف لأن أستراليا شاسعة وشبه الجزيرة واسعة والفرق بين غروب الشمس في شرقها وغربها يقارب الساعة من الزمان يمكن أن تكون الساعة الفاصلة بين إستحالة رؤياه وإمكانيتها، أي أن شرقها وغربها يقعان على أفقين مختلفين ، وكذلك بالنسبة للإيران والجزائر. والأمر واضح جلي بالنسبة لروسيا لإمتدادها من أفق الشرق الأقصى الى أفق الشرق الأوسط. ملاحظة: يتطلب الأمر أيضا معرفة في جغرافية الكرة الأرضية ومواقع البلدان عليها.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |