إشكالية الدين والعلمانية في العراق
 

سهيل أحمد بهجت
sohel_writer72@yahoo.com

تشكل المسألة الدينية والبعد الروحي لحياة الإنسان دورا مهما في خلق بيئة متطورة ومدنية قائمة على التسامح والمحبة الإنسانيين – إذ ينبغي تجاوز الخطاب الفئوي في الدين – وأن هذا البعد الروحي سوف يتسبب بكارثة في مجتمعاتنا كما هوواقع الحال الآن بسبب استغلال الدين والقومية سياسيا، إن الدين ولكونه يتجاوز البعد المادي المحدود للإنسان ولكونه يتجاوز المنطق والفلسفة وكل الأفكار البديهية، فإنه يشكل خطرا فعليا إذ لا يمكن التحاور معه إذا ما تحول إلى فعل عنيف كون العنف لا يعرف لغة غير العنف المماثل.

الدين يكون مفيدا فقط حينما ينغمس في الروح الفلسفية ويتجاوز ظواهر النص الجامدة، ومنذ صدر الإسلام كان هناك صراع وتنافس بين نمطين من التفكير، الأول – متمثلا في السلفيين من السنة والشيعة والخوارج وأهل الظاهر - كان يرى أن الإسلام كدين هومجموعة نصوص وشرائع غير قابلة للتأويل ولا يمكن إيجاد حل وسط بين الرفض والقبول لهذه الشرائع والقوانين، بينما الطرف الآخر – المتمثل في الشيعة الإشراقيين والمتصوفين السنة والشيعة الإسماعيلية والباطنية – كان يرى في الشريعة حلولا لمجتمعات لم تكن تملك قوانين وضعية وثقافة تنظم شؤون ومصالح الفرد والمجتمع.

إن الدين كحقيقة متجاوزة للمادة الملموسة لا يمكن له أن يطرح نفسه كمهيمن على السلطة الزمنية التي ينبغي لها أن تنسجم مع أهداف الدين ومقاصده لا تفاصيله المتراكمة والمرتبطة بحوادث تاريخية متصلة بظروف الماضي وأجواءه، فبالتأكيد زمننا مختلف كليا عن زمن النبي والأئمة المعصومين، زمننا الذي أصبح أشبه بخلق جديد قوامه السرعة وتخطي الزمن والمكان والسبل، إذا فلابد من تحجيم التدين الذي أخذ حجما هائلا لا يناسب مكانته الحقيقية وصار من المهين للدين نفسه أن نطلب منه أجوبة على كل شيء مع أن مجال الدين محدد ببعض القواعد الأخلاقية والاجتماعية، وهذا أشبه بالذي يرجوأن يبني بيتا وبناءا عبر الطب والذي يعالج مريضا بالهندسة.

إن الإسلام ظهر في أرض غير مدنية قوامها الصراع والغزووكان عهد المدينة الذي أبرمه النبي مع اليهود أول دستور تعرفه الجزيرة العربية والحقيقة أن العرب لوكانوا يملكون قوانين مدنية كحال الفرس والرومان لربما كان الإسلام سيحوي جوانب عقائدية فقط، لكن ولأن الناس لم يكونوا يعرفون شيئا عن مفهوم العدالة والمساواة أمام القانون فقد كان لزاما على النبي أن يعلمهم حتى كيفية الاغتسال والأكل والشرب وهوما جعل الفقهاء والوعاظ يقدسون هذه التعليمات "الدنيوية"

المحددة بواقع تاريخي معين، من هنا نستنتج أن هذه التعليمات والقوانين في غالبيتها كان يهدف إلى تمدين البيئة البدوية ويعرفها بهدف القانون – المساواة – وإن كان إسلاميون سيتهموننا بأننا نروج للـ"كفر" و"الإلحاد" فنحن لا نأبه بهم لأنهم من الدكتاتورية وروح الهيمنة إلى درجة أن أحدهم يكفر العالم أجمع.

إن غايات الأديان أهم من طقوسها، ونحن العراقيون أحوج ما نكون إلى هذه الثقافة التنويرية في بلد متعدد الأديان والثقافات، فلوقمنا بجعل العراق دولة قائمة على العرق والدين فإننا بذلك نكون في بداية خلق شرخ حقيقي في المجتمع والنظام القضائي، لوكان العراق بلدا منقطعا عن جيرانه بفضل البحار – كاليابان مثلا – لربما كان من الممكن أن يكون العراقيون أقرب إلى النمط الواحد، ولعل هذا التنوع يكون بذاته دافعا وسببا لترسيخ العلمنة والعلمانية في العراق كون ذلك يشكل حاجة ماسة للحفاظ على الاستقرار وتطوير مجتمع مدني ذي بنية سليمة، فإذا كانت إيران والسعودية – التي تتسمان بهيمنة طائفة معينة – تعانيان من الداء الطائفي فما أحوجنا نحن العراقيين لذلك.

العلمانية تعاني في العراق بسبب تعاقب أنظمة شمولية كانت تعلن (علمانيتها) بينما كانت على أرض الواقع طائفية عنصرية مما أدى إلى ردّ فعل سلبي تجاه العلمانية وخصوصا أن تلك الأنظمة لم تنتهج نهج العلمانية الإيجابية التي تطبع النظام الديمقراطي الغربي الآن، هذه العلمانية التي تحمي حرية العقيدة والفكر والإبداع، بل كانت الأنظمة تضطهد العراقيين على أساس المذهب والطائفة، حتى أن الشيعي كان متهما لمجرد انتمائه المذهبي وكان نظام البعث يصنف حتى معارضيه طائفيا لتكون عقوبة هذا المعارض أقسى من ذلك المعارض المنتمي إلى مذهب وطائفة أخرى.

إذاً من الضروري للعراقي المتدين أن يعرف أن العلمانية لا تعني بحال من الأحوال أن يتم اضطهاد الدين والعقيدة ومحاولة إلغائها بقدر ما تعني أن تكون السلطة والقوانين محايدة لا لون لها إلا اللون العراقي – الهوية الجامعة لكل المواطنين – فبذلك وحده نكون آمنين أحرارا نفكر كما نشاء ونعبر عن أنفسنا كما نريد.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com