|
إنهيار المؤسسات المالية الأمريكية وتلافي الوقوع به د. عبد علي عوض كثير من الذين يعتبرون أنفسهم إقتصاديون حذقون، يوجزون الإقتصاد الحر، بأنه بلا قيود تحدد نشاطه، وتتلخص وظيفة البنك المركزي بإصدار العملة النقدية ورفع وخفض الفائدة المصرفيةعلى الإيداعات والقروض والإشراف على الإحتياط الإستراتيجي من الذهب والعملات الصعبة . لقد أثبتت الأحداث الأخيرة في الولايات المتحدة بإنهيار مؤسستين ماليتين عملاقتين، فشل وبطلان تلك القناعات من خلال إعتراف الكونغرس الأمريكي بغياب الدور الرقابي الفاعل للبنك الفدرالي الأمريكي، وأُضيف سبباً آخر هو غياب وعدم وجود خطط تنبؤية مستقبلية، يمكن اللجوء إليها وتطبيقها مِن أجل تلافي حدوث تلك الإنهيارات . إنّ الركض وراء الأرباح الخيالية من خلال منح القروض الهائلة والتي لا تتناسب مع القيَم الفعلية للأصول (العقارات)، هو السبب في إفلاس المصرفَين الأمريكييَن . وهنا يعود بنا الحديث إلى المؤسسات المالية والإستثمارية الوهمية العراقية، وقبل الخوض فيه، من الضروري التطرق إلى التجارب والظواهر المماثلة التي حدثت في بلدان أوربا الشرقية وفي مقدمتها روسيا، بعد أن إنتقلت في ليلة وضحاها إلى الإقتصاد الحر (الفوضى الإقتصادية)، دون التمهيد لعملية الإنتقال بصورة تدريجية، وما هي إلاّ عملية لتنفيذ مخطط أُعِدَ مسبقاً لإشاعة الفوضى الإقتصادية، من أجل تدمير ما هو قائم من مؤسسات إقتصادية عملاقة . سوف لن أتطرّق إلى قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة والسياحة والعقارات، لأنّ الحديث عنها طويل ومتشعب، وإنما ألقي الضوء على القطاع المالي وبإختصار في روسيا . لقد ظهرت مؤسسات مصرفية وإستثمارية في المدن الروسية الرئيسية بعد فترة وجيزة من إنهيار الإتحاد السوفيتي، ففي موسكو وحدها تأسست تسعمائة شركة مالية إستثماريةومصرفية، بدون وجود ضمانات بنكية مِن قبل بنوك الدولة الرسمية لتلك الشركات، إضافةً إلى جهل المستثمرين في كيفية إسترداد ودائعهم في حالة إفلاسها، والسبب الرئيسي الذي دفع جميع المودعين لإستثمار أموالهم هو النسبة المئوية المغرية للإرباح والتي تتعدى 100% سنوياً . فبعد مرور ثلاث سنوات إختفَت تلك المؤسسات من الوجود، بعد أن قامت بتهريب 450 مليار دولار إلى خارج روسيا، مما أدى إلى تحول غالبية المجتمع الروسي إلى طبقة معدمةتحت خط الفقر، أما بنوك الغرب فكانت مستعدة لتلقي تلك المليارات وحسب المخطط المرسوم، دون التدقيق في مصادرها !! . وما يجري في العراق حالياً ما هو إلاّ بدايات لما جرى في روسيا سابقاً . لقد علم الجميع بمسألة شركة الصقر العالمية في مدينة الناصرية، وكيف أنّ مالكها هرب ومعه (350 مليون دولار)!! . حدثت هذه الظاهرة للأسباب التالية أولاً - غياب دور مؤسسات الدولة المالية وبالذات وزارة المالية والبنك المركزي، أدى إلى ظهور هكذا مؤسسة دون توثيقها بإئتمان مالي يتناسب مع حجم وحقيقة نشاطها الإستثماري، حفاظاً على أموال المستثمرين . ثانياً - القائمون على تلك المؤسسات، ما هم إلاّ حفنة من الطفيليين على عالم الإستثمار، بحيث شغلهم الشاغل فقط جني الأرباح من العدم وبفترة قياسية، أي أنهم يمارسون نشاطهم بأموال غيرهم، فإذا ما أشهرت مؤسساتهم إفلاسها (المصطنع)، سوف لن يخسروا أي شيء، الخاسر الوحيد هو المواطن المودع لأمواله عندهم . ثالثاً - جشع وجهل أصحاب الإيداعات بعمليةالإستثمار وقواعدها ونسب الأرباح اللامعقولة التي يمكن الحصول عليها . فتلك الشركة (الصقر) طرحت نسبة أرباح 8% شهرياً، أي 96% سنوياً، إنه رقم مغري ويسيل اللعاب من أجله!! . لكن لم يفكر أولئك المودعون، أنّ البنوك الرصينة والمستقرة مالياً تعطي أرباحاً تتراوح بين 2% - 5% سنوياً وليس شهرياً . لذلك من خلال ما ذكرته آنفاً، على الحكومة العراقية إن أرادت الحفاظ على ما تبقى من المال العام، أن تقوم بإعادة تقييم اصول جميع الشركات الإستثمارية، عن طريق إجبارها على وضع إئتمانات مالية لدى بنوك الدولة كشرط يسمح لها بمزاولة نشاطها الإستثماري ولضمان حقوق المستثمرين . وأخيراً سؤال يطرح نفسه هو - بعد الإنهيار المالي الذي حصل في الولايات المتحدة و أثّر سلباً على إقتصاديات معظم بلدان العالم (المرتبطة بالدولار)، هل ستفكر تلك البلدان بإيجاد عملة نقدية موحدة كوحدة قياس ومعيار (وليست للتداول) لكل العملات النقدية في العالم، بعيداً عن الهزات الإقتصادية التي تتعرض لها تلك البلدان صاحبة العملات الرئيسية (الدولار، اليورو، الإسترليني) المتحكمة بألإقتصاد العالمي ؟ ! .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |