قصة يوسف ع رحلة حلم من سجن البادية الى عرش مصر - 29 -

 

حميد الشاكر 

al_shaker@maktoob.com 

(( وما أنت بمؤمن لنا ولو كنّا صادقين ))

 *****

 هذا هو الجزء الاخير من مقولة ابناء يعقوب :(( وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين )) لوالدهم الكريم يعقوب بعد ان ذكروا :((يابانا ءانّا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب )) وكأنما هي الكلمة  التي تنبئ عن ما كان في ضمير اخوة يوسف وردّة فعلهم الطبيعية لحالة والدهم الحاضرة امامهم، فهم على حسب هذا المقول القرءاني شعروا : ان هذه القصة وتلك الحكاية برمتها من الاستباق وحتى ترك يوسف وبمافيها المتاع والذئب ... لم تقنع يعقوب حتى هذه اللحظة، ولذالك اردفوا مباشرة قائلين كردة لفعلهم لما رآوه من ابيهم وعدم قناعته الشخصية قالوا :(( وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين )) !.

اي وان كنا نصدق في كل ماننقل لك من حدثا ولكن يبدو انك لم تصدّق ما ذكرناه لك، بدليل ان ملامحك لايبدوا انها تقول بصدقنا في هذه الحالة، وان كنا على اي حال من الصادقين، وهذه صورة  !.

أو ان مفهوم منطوق النص القرءاني الكريم (( وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين )) هو ناظرٌ ايضا لابناء يعقوب ولكنّ ليس من جانب ردّة الفعل لما ظهر على ابيهم من أمارات عدم الاقتناع والصدق بقصتهم المحكية عن يوسف والذئب، ولكنهم ارادوا الايغال في ايهام يعقوب ودفعه للتصديق بحادثة الذئب ويوسف، ولهذا جاءوا باقصى مايستطيعة الكذّاب عندما يعجز عن اثبات صدق الرواية في انتقاله لاثبات حكايته باسلوب :(( انت صاحب المصلحة في التكذيب وليس انا صاحب المصلحة بالكذب  )) !.

اي بمعنى : ان ابناء يعقوب بعد ان رووا القصة كاملة احبّوا ان يشيروا الى حالة ورود فرض عدم تصديق والدهم يعقوب لمضامين هذه القصة، وانهم وان كانوا صادقين بنقل الحادثة، ولكن والدهم الشيخ العجوز يعقوب ولشدّة تعلقه بيوسف لايريد تصديق هذه الحكاية من الاساس وممكن ورود هذه الحالة عليه باعتبار ان الصدمة قاسية جدا عليه في سماع فقد يوسف على يد او انياب ذئب حقير، ولهذا قدم ابناء يعقوب قولهم :(( وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين )) للتدليل على اننا صادقون ولكنك غير مؤمن بصدقنا لالكذبنا في نقل الحدث ولكن لشدّة تعلقك بيوسف على اي حال لاتريد تصديق احد، وهذه ليست جريمتنا في الموضوع، وهذه هي الصورة الاخرى  !.

أذن نحن امام صورتين في مقولة ابناء يعقوب هذه  لابيهم :

الصورة الاولى : تشير الى ان يعقوب الوالد بدت عليه أمارات عدم التصديق للقصة هو مادفع ابناءه ليقولوا :(( وماانت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين )) .

والصورة الثانية : تتحرك نحو ان ابناء يعقوب انفسهم ارتأوا طرح قضية مصلحة يعقوب بعدم تصديقهم لشدة تعلقه بالمغدور عاطفيا، ليغلقوا جميع المنافذ على ابيهم وغيره باتهامهم بالكذب، ومن ثم لتكون القصة صادقة على جميع وجوهها وان باتهام يعقوب بالافتراء على الصادقين بالكذب !.

نعم مرّة اخرى لم ينتظر ابناء يعقوب بعد ان قصّوا حكايتهم لوالدهم العجوز، لم ينتظروا  ان يطلب العجوز يعقوب نفسه بدليل صدق حديثهم، بل قبل ان يتحرك لسان يعقوب وفمه ببنت شفة بادر الابناء بمقولة :(( وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين ))  وهذا ايضا وكما ذكرناه في الحلقة الماضية من ضمن اليات الكذبة وكمالها القصصي، فوجب على اخوة يوسف طرح جميع الاحتمالات والاسألة والشكوك قبل ان يطلب منهم ذالك احد ليدللوا على صدق حديثهم، وانه حديثا متقن وصادق ومحكم بدليل انه غير متضارب ولامتقطع الاوصال والحقائق !.

أما ان ورد ريب او شك هنا وهناك على مصداقية القصة التي نقلها اخوة يوسف عن يوسف نفسه، فلا يعني هذا ( حسب ماخطط له ابناء يعقوب ) ان هناك ادلة على كذب الحديث، بل هو نوع من خرف وضلال انتاب العجوز يعقوب علّقه تماما وشدّه بقوّة وربطه بشكل غير معقول بيوسف، حتى ان تفكير العجوز يعقوب اصبح لايحتمل ورود فرض غيابه او لايتصور انه بشر يجري عليه مايجري على البشر من مخاطر وموت وغياب وهكذا !.

ولهذا عندما اكل الذئب يوسف ( حسب حكاية اخوة يوسف )  لم يصدق الشيخ يعقوب الخبر، وبدت عليه امارات الشكوك والريبة بابنائه الصادقين !.

وفعلا قال يعقوب في نهاية المشهد الجامع بينه وبين ابنائه وكما توقع اخوة يوسف  :(( بل سوّلت لكم انفسكم أمرا ..)) فكان توقع ابناء يعقوب في محله بفرضية عدم تصديق الاب لروايتهم بالجملة، وانه سوف يتهمهم بالامر كله، ولهذا قدّم ابناء يعقوب فكرة :(( وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين )) لتدحض مقولة :(( بل سولت لكم انفسكم امرا ..)) اليعقوبية هذه !.

ولكنّ ومع ما ذكر من مضامين عدم أيمان يعقوب بما نقله ابنائه من قصة الذئب ويوسف، يتوجب علينا سؤال : لماذا لم يقتنع يعقوب بماهية قصة اكل الذئب ليوسف ؟.

وهل كانت شكوك يعقوب متجهة في طريق عدم تصديق موت يوسف بالحقيقة او متجهة الى عدم التصديق برواية ابناءه الكذابين وانهم حاكوا شيئا ما لايدرك مغزاه يعقوب ولكنه على اي حال غير مارووه من قصة ؟.

فيما مضى من قصة الشيخ يعقوب وابناءه الكثر ليس هناك اشارة قوية او نص صريح يكشف لنا ريبة يعقوب الكبيرة من ابنائه اصحاب العصبة، بدليل انه آمنهم على يوسف وأخذه يرتع ويلعب معهم، وبدليل ان خطاب الابناء له وطلبهم بالذهاب بيوسف، لم يكن يوحي بأن هناك حاجزا نفسيا عاليا بينهم وبين ابيهم فيما مضى من علاقة، ولذالك كان الخطاب يوحي بالاحترام (يأبانا) والطلب يوحي بالثقة ( ارسله معنا غدا يرتع ويلعب ) !.

اذن من اين منشأ الشك في مقولة يعقوب المتأخرة تلك :(( بل سولت لكم انفسكم امرا )) ؟.

وهل اكتشف يعقوب كذبة الرواية من ماقصه ابناءه انفسهم من حوادث ؟.

او انه اكتشف كذبهم مما اوحت له رؤيا يوسف نفسه ع فيما مضى عندما أولها يعقوب باجتباء الله ليوسف وتعليمه واتمام النعمة عليه، ولهذا كان الوحي هو مكذبا لقصة ابناء يعقوب وليس مقالتهم نفسها ؟.

بمعنى اخر اكثر وضوحا : ماهي العوامل التي دفعت يعقوب لليقين بكذب ابنائه في روايتهم لقصة الذئب ويوسف ؟.

وهل هي عوامل منطقية عقلية ذكرها ابنائه انفسهم عندما رووا الحكاية من الاول الى الاخر، فادرك يعقوب الدليل على الكذبة من واقع القصة المروية امامه ؟.

أم ان العوامل التي اكدت ليعقوب كذبة قصة ابنائه مع يوسف هي عوامل فوق المنطقية والعقلية والمادية، بل هو الوحي وتأويل الرؤيا هي التي شكلت الادلة الدامغة بالنسبة ليعقوب بتكذيب رواية ابناءه لحادثة غياب او موت يوسف بأكل الذئب له وتمزيقه اربا اربا  ؟.

الجواب يأتي في العام القادم انشاء الله من اول يوم في رمضان المقبل وكل عام وانتم بخير وصحة وسعادة وعيد سعيد !.        

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com