|
ظاهرة الإنتحاريات العراقيات يحيى السماوي ظاهرة النساء الإنتحاريات في العراق تبعث على الحيرة .. فلم يُعرف عن الرجال العراقيين إقدامهم على ارتكاب إعمال انتحارية حتى بالـنسـبة لمن كانوا يمارسون العمل السياسي المعارض ضد أنظمة الحكم ، بما في ذلك نظام صدام باعتباره النظام الأكثر نبذا ً من قبل الشعـب وقواه الوطنية المعارضة .. وباستثناء العمل الإستشهادي الذي نفذه أحد أعضاء حزب الدعوة بتفجيره وزارة التخطيط قبل عقود ، فإن العراق لم يشهد مثل هذه الظاهرة ، فكيف وصل الأمر بنساء عراقيات أن يرتكبن جريمة القتل الجماعي العشوائي بتفخيخهنّ أجسادهنّ وتفجيرها بين جموع من النسوة والأطفال والرجال مجهولي هوية الإنتماء الطائفي ، في حين يُفترض بالمرأة أن تكون أكثر حرصا ً على الحياة من الرجل ، نظرا لطبيعـتها الأنثوية الرقيقة ؟ الغالبية العظمى من الإنتحاريين هم من جنسيات غير عراقية .. لكن الإنتحاريات عراقيات الجنسية ... فما تفسير هذا الأمر ؟ أهنَّ بغايا أو مرتزقات ؟ البغايا يعرضن شرفهنّ للإيجار حبّا ً بالمال كوسيلة لنعيم مبتذل ، فكيف يضحّين بحياتهن ؟ والأمر نفسه بالنسبة للمرتزق أو المرتزقة ، فهما أكثر الناس تشبّثا بالحياة لأنهما أكثر الناس حبا للمال ، ومحب المال محبٌّ للحياة بالضرورة .. صحيح أن تاريخ النضال العراقي حافل بكوكبة كبيرة من المناضلين والمناضلات الذين ضحوا بحياتهم فصعدوا المشانق غير آبهين أو سقطوا صرعى آلات التعذيب في السجون والمعتقلات ذودا عن قضية أو مبدأ .. لكن الصحيح أيضا أنهم لم ينتحروا ، ولم يتسببوا بإزهاق روح بريء كالذي يحدث نتيجة العمليات الانتحارية التي شـهـدها العـراق في السـنوات الأخيرة .. القول بأن الإنتحاريين هم من يتامى صدام حسين ،هو قول يجانب الحقيقة إذا أخذنا بنظر الإعتبار واقع أن الديكتاتور وكبار مسؤولي حزبه ومناصريه ، قد اختاروا الهرب والإختفاء لمجرد رؤيتهم دبابتين أمريكيتين على جسر من جسور بغداد ـ ومنهم مَنْ ذهب بنفسه ليعلن استسلامه لقوات الإحتلال ، فكيف يقدم مثل هؤلاء على القيام بعمليات انتحارية وهم الذين هرعوا إلى جحورهم المعدة مسبقا خوفا من الموت في حال المواجهة ؟ أشك في أن يكون بين الإنتحاريين والإنتحاريات عفلقي واحد أو عفلقية واحدة ـ وإذا حدث وجود مثل هذا أو تلك ، فلابدَّ أن يكون الإنتحاري أو الإنتحارية قد غـُيِّـبَ عن وعـيه بوسيلة ما من الوسائل التي يتقنها التكفيريون وأيديولوجيو الإرهاب ... حتى المقبوران عدي وقصيّ لم يقاتلا كما يزعم بقايا حزب الديكتاتور المقبور ... فهما حاولا الدفاع عن نفسيهما كفعلٍ لا إراديّ ـ شأن أيِّ جبان يُرغـَم على المواجهة . كما أن القول بأن الحقد الطائفي وراء إقدام الإنتحاريات والإنتحاريين العراقيين ، هو الآخر قول ينأى عن الصواب ... فالكثير من تلك العمليات القذرة قد استهدفت أبناء طائفتهم ... والإنتحاريون العراقيون يعرفون تماما أن المناطق والأماكن المستهدفة تضمُّ خليطا من الطوائف .. فالسوق مثلا ليس " حسينية شيعية " .. والشارع العام لا يقتصر في مشاته على مذهب دون سواه ... ولا ثمة ملامح تميّز الشيعي عن السني أو المسيحي عن المسلم في وطن كالعراق يتماثل فيه المواطنون حتى في ملابسهم ... إن هذه الظاهرة بحاجة إلى دراسة مسـتفيضة من لـدن أطباء عـلم النفـس و المعنيين بنـُظم السلوك البشريّ غير السـويّ ..
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |