هل عيدنا سعيد يا سيدي العراق...؟!

 

د-مراد الصوادقي

alsawadiqi@maktoob.com

تساءلت الجبال والأهوار والمدن والقرى والصحارى والوديان والأنهار والسواقي والبحيرات والسدود والغدران, ومزارع التفاح والعنب والبرتقال والرمان والمشمش والنارنج والنخيل والتكي والنبق في كل بستان. وحقول الرقي والبطيخ والشمام والخيار والبامبة والطماطة والباذنجان.

تساءلت البقلاوة والزلابية وشعر البنات والشكرلمة والحلاوة والشرابت والكليجة, والقوري والسماور والشاي أبو الهيل, ومنقلة الفحم الكراجي بجمراتها التي تمنح دفئ الألفة وطعم المحبة وصدق المشاعر والرحمة والحنان.

تساءلت دبكة الجوبي ودبكات الشمال والجنوب والأبوذية والعتابة والمقام والثوب الجديد والعيدية والهدية والأحضان المتلهفة للأخوة العراقية.

تساءلت البيوت بحدائقها الغناء والشوارع والأزقة والحارات والمدارس والدوائر ورياض الأطفال والكليات والجامعات وسائر البنيان.

تساءلت العصافير والبلابل والحمائم والزرازير  وطيور الماء وزيطة القصب ومجاميع البط , والباز والصقر والنسر والقطا والحبارى والدراج والقبرة على تل صغير وهي تغرد للحياة.

تساءلت الأغنام والماعز والأبقار والقطط والكلاب والغزلان والجمال والخيول وحتى الأسماك وهي ترقص تحت الماء وعيدها أن تطعم الجياع.

تساءل الأطفال وهم يبتسمون لصباحات وطن يحلمون أن يكون حاضنة أحلامهم وموئل انطلاقهم وصيرورتهم الكبرى تحت شمس الرحمن.

تساءلت النساء وهن يرقبن فلذات أكبادهن في محنة الحياة ويتساءلن عن المصير وفرجة الأمل والرجاء والهدوء والثبات.

تساءل الشباب وهم يحملون طموحاتهم المتوقدة كالجمرات في صدورهم فيحترقون بها ويستحيلون إلى رماد.

تساءل الشيوخ وعيونهم ترى وجودا يحترق وأملا يتهاوى وركاما يتنامى وحطاما متواصلا بلا هوادة.

تساءلت الدشداشة والصاية والشروال والبشتوان والبنطال , والعباءة والفروة والعمامة والصدارة والعقال.

تساءلت بغداد بعيونها الدامعة وهي ترى الخراب والأسوار وندرة السلام وضياع الأمان في عالم أشبعها أحزانا وأطفأ في شوارعها الأنوار.

تساءلت كركوك جوهرة العراق وقلبه النابض بالنفط والمحبة والأخوة والألفة السمحاء , كركوك بودقة الألوان ورمز العراق القوي السعيد الغني بالرخاء , وهي ترى كيف يتم فيها اغتيال الألوان وتخريب لوحة الجمال والروعة العراقية وتغييب أسباب التقدم والنماء.

تساءلت السليمانية بجبالها الغناء ووجوهها الحسناء وأشجارها المثمرة الزاهية الخضراء على سفوح الجبال الشامخة والغنية بأسباب الرجاء. والتي تستوطنها طيور القبج فتمنحها حيوية وتطربها بأصواته الشجية , وتصدح محلقةً فوق قممها نسورها العلياء.

تساءلت الموصل بمنارتها الحدباء وغاباتها وجوامعها العريقة الفيحاء ونهرها الجميل وسدها الكبير وجامعتها ذات العطاء العلمي الأصيل والبهاء.

تساءلت سامراء بملويتها الشماء وقبة مجدها الذهبية المتوهجة السناء. وآثارها وقصورها وكهوفها وسدتها ومدارسها ومعالم وجودها العربي القوي في زمن الأزمان وروعة العطاء.

تساءلت كربلاء بكل طاقات حزنها وألمها وسوح نزيفها وعنائها ومراقدها وقوة شد القلوب إليها , وبمسيراتها وتفاعلاتها المعبأة بأقصى طاقات المشاعر البشرية الصادقة الانتماء.

تساءلت النجف عبر مآذن إمامها وحناجر أبنائها ونداءات قلوب الزائرين والوافدين إليها وهم يحجون إلى منبع العلم والحكمة والبلاغة والقوة والأدب والإيمان.

تساءلت البصرة بشطها وخليجها وعشارها وبساتين نخيلها , التي دمرتها الحروب وآذتها الصراعات وأشعلت فيها الفتن والاضطرابات , وهي ثغر العراق الذي يريد أن يبتسم في زمن عز فيه الفرح وقتلت البهجة ووأد الحبور ومُنعت المسرات.

تساءلت الحياة في بلاد الرافدين عن معنى حياة الإنسان بين سنابك الويلات والحروب والاجتياحات والإمعان في امتهان الحرية والإنسانية باسم القيم والمثل العليا.

تساءلت السماء والنجوم والقمر , وتأملت حال قلب الأرض الموجوع بالأوهام والذي ينزف دم الوجود , فسكبت دموعها وأطفأت أنوارها.

تساءل الله عن ظلم البشر للبشر وعن جهله بدينه  وكتابه , وكيف أنه لا يختار دروب الخير ويميل بقوة إلى طرق الشر وشرائعه ولا يتبع سنن خالقه , ويتحول إلى عبدٍ لمخلوق مثله تظاهر بالضلالة والبهتان.

وتساءلت الأرواح فوق الأرض وفي ترابها , فاهتزت القبور وتعثرت الخطى وفار التنور وتحولت السماء إلى بحار تفور والأرض إلى جحيم يمور. وتأمل البشر وجوده وأدرك أن مصيره الرحيل , وأن الحياة بالمحبة تكون وترتقي وبالشرور تغيب وتنمحي. فخرجت القلوب من الصدور, فأدركت أنها تنبض سوية وبنبضها يتحقق الوجود, وتساءلت لماذا يقتل النبض نبضا غيره , ولماذا يكره أن يشارك القلوب في مهرجان الحياة.

فارتعشت الآثام وتجمدت النفوس , فارتعب التراب وتقيأت الأرض طعامها. وظهرت شعلة منيرة جذابة في أفق الزمان , وراح نورها يسطع ويتسرب في الأعماق لكي يغسلها من الشرور والأحزان والهموم وهتف نداء رحيم....

أن الحياة محبة ...أن الحياة محبة

وأن العيد صفاء القلوب وتجاذب النفوس والأرواح , وتفاعلها في بلد السلام والكلمة الطيبة والرحمة والتنوع والجمال والرجاء والبناء والانطلاق إلى مباهج الأحلام.

وتردد السؤال في أعماق الكون

وصمت العراق

ودوت الآفاق

فهبت الرياح

وغنت الحياة

يا أمة العراق هل عندكم عيد؟!

وغردت أطيار وصفقت أشجار وصدح المقام

عراقنا سعيد وغدنا مجيد

لن تقتل العراق عواصف الوعيد

يا سيدي العراق فعيدنا سعيد....!

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com