|
أزمة الحكم ومحاولاتٍ يائسةٍ لإحياءِ
المشروعَ الاستعماري في العْراق المبادرة العراقية الديمقراطية لا يستطيعَ أي محللٍ سياسيٍّ أنْ يتَنَبأ ما يجري في العراق، وماذا يُمكن أن يطرأ على السياسة العامة للدولةِ بسبب الصراعات الطائفية والعرقية اليومية من أجل المكاسِب الفئوية الضيّقة. فالخلافات بين جميع الكتل المهيمنة على مجالس السلطات الثلاث لا تزال على أوَجها. ومنذ تشكيل أول إدارة حكم في البلاد على يدِ الاحتلال، لا تزال القضايا المصيرية الهامة التي تعني في الدرجة الأولى المواطن العراقي، بين الجميع، موضع خلاف شديد، الأمر الذي يؤدي بين الحين والآخر إلى صراعات تكاد أن تقوّض مصير العراق أرضاً وشعباً، وتتجه بهما نحو المجهول. وفي مقدمة هذه القضايا الحساسة، ليس افتقار الماء والكهرباء وأتساع الهجرة والتهجير وتصاعد عدد الأرامل واليتامى وتفشي البطالة والإرهاب والقتل على الهوية فحسب، إنما هي مسألة الحكم برمته، دستورياً ومؤسساتياً، حيث يفتقر المرجعية القانونية والقضائية التي يمكن الاحتكام إليهما، آلياً وحرفياً، وليس على أساس تصورات عقائدية تتجاذبها تناقضات لا للشعب ناقة أو جمل فيها. أو على هوى أطراف النزاع كما تقتضيه مصالحهم الطائفية والقومية الضيقة وفق منهج العمل بما يسمى \"ضرورة التوافق\" سيئ الصيت الذي عطل ميكانيكياً كل أمرٍ في البلد. إلى ذلك فلا زال موضوع تعديل الدستور وقانون الانتخابات العام والمحافظات، ومشروع انضمام عناصر الصحوات والعشائر إلى القوات العسكرية وقوى الشرطة والأمن العراقية التي شكلت كلها على أساس الولاءات والمحاصصات الطائفية والعرقية، موضع خلافٍ، قائمٍ وخطير. أما الصراع بين الأطراف السياسية حول مدينة كركوك فقد أشتد في الأسابيع الأخيرة وامتد ليشمل خانقين وغيرها من المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة المركزية والتي أرادت الأطراف الكردية انتزاعها بالقوة وجعلها إلى جانب مسألة كركوك، قضية ضغط للمباحثات والمساومات ورفع سقف مطالبهم والحصول على مكاسب جيوديمغرافية ومادية وسياسية أكثر. ويتحدث خبراء النفط والقانون بما فيهم الأمريكيين عن مخاطر صفقتي (قانون النفط والغاز والمعاهدة الأمنية) وتأثيرهما على مستقبل العراق وتطوره. الأمر الذي يتطلب إضاءة الحقائق والكشف عما يجري من خطط تحت أقنعة كاذبة للتنازل عن ثروات العراق النفطية والغازية وإناطتها من جديد لأيدي أجنبية والتنازل عن إيرادات العراق بحجة الحاجة للخبرات والرساميل والتكنولوجيا الأجنبية. وتستمر خطط إحالة عقود حقول النفط والغاز إلى الشركات الأجنبية بوتيرة متسارعة تبعث على التساؤل والقلق مع غياب أي حديث عن تشريع قانون جديد للنفط والغاز. فيما سارع إقليم كردستان بتوقيع 22 عقدا غالبيتها خلال فترة أسابيع قليلة وبدون أي دور للحكومة المركزية بل وحتى لبرلمان الإقليم ( بحجة أن قانون الإقليم للنفط أعطى الصلاحية المطلقة لحكومة الإقليم).. لهذه الأهداف وضمان استمرار تقاسم ثروات العراق بين الأطراف على رأس السلطة، لابد \"طبعاً\" من عقد معاهدة أمنية وعسكرية مع الولايات المتحدة لحماية مصالح الطرفين، بمعنى \"حاميها حراميها\". فيما ستعرض هذه الاتفاقية مستقبل العراق ومصالح شعبه للخطر، وتكبله مشاق وخسائر مادية ومعنوية كثيرة على مدى عقود.. يبقى مهما كانت التسميات، إعلان مبادئ، أو معاهدة استراتيجية، معاهدة أمنية أو اقتصادية، ومهما كانت المبررات التي تحاول تسويغ هذه التبعية والاستهتار باستقلال البلد وخيراته ومواطنيه، فان ما يعرف بالحكومة الحالية لا تمتلك لا الشرعية ولا الأهلية لعقد مثل هكذا معاهدات. إن تأجيج الصراع حول كركوك في الأسابيع الأخيرة وجه الأنظار إلى مدى خطورة الوضع وعدم استقراره منذ الغزو الأمريكي للعراق. فأحزاب التآلف الكردي تقوم تحت أنظار الاحتلال ورضاه، وبمباركة أحزاب الإتلاف الشيعي الحاكم بزعامة الحكيم والمالكي بتغيير التركيبة السكانية بمحافظة كركوك، وبالأخص مدينة كركوك، كخطوة أولى لضمها إلى إقليم كردستان، من أجل بناء أساس اقتصادي وجغرافي يشكل القاعدة المناسبة لتحقيق هدف الانفصال عن العراق كما يسعى إليه الساسة الأكراد. وما قانون المحافظات ليس إلا الحلقة التي تفجر عندها السخط الشعبي، والذي أدى إلى انسلاخا فوضوياً لبعض الكتل والشخصيات داخل أوساط الأحزاب الحاكمة. وبهذا فشلت خطة التحالف الرباعي ((المالكي ـ الحكيم، والطلباني ـ البرزاني)) الهادفة إلى التنازل عن كركوك مقابل بقاء الحزبين الطائفيين في السلطة والحصول على حرية التحرك في الوسط والجنوب. فخطة الحكيم بإنشاء إقليم الجنوب هو الجزء المكمل للسيطرة على كركوك من قبل ميليشيات البيشمركة الكردية، الهدف منهما تفتيت العراق والسيطرة على المناطق الغنية بالنفط والثروات الطبيعية لغرض إنشاء إمارات في الجنوب وفي الشمال تحكمها عائلات متنفذة كعائلة الحكيم والبرزاني والطلباني تدعمها وتحميها الدول الإمبريالية أو دول الجوار التي ترغب أن تكون لها مصالح مشتركة مع مثل هكذا سلطنات. سعى الاحتلال منذ غزوه للعراق إلى تشجيع الاتجاهات والأفكار الهادفة إلى إنهاء كيان العراق كوحدة وطنية، أرضاً وشعباً، بدعم من الأحزاب الطائفية والشوفينية التي تتربص الفرص لتحقيق مآربها. وما كان تكوين مجلس الحكم الذي تألف على يدِ بريمر على أسس أثنيه، إلا خطوة أولى في هذا الاتجاه لحقها خطوات أخرى في إطار ما يسمى بالعملية السياسية، التي اعتمدت على تفكيك الروابط الوطنية وتعويضها بروابط طائفية وقومية وعشائرية كانت غير معروفة في العراق. فسمحت حكومة الاحتلال بتكوين الميليشيات خارج إطار الدولة وعلى أسس طائفية أو قومية مثل منظمة بدر وميليشيات البيشمركة الكردية. لا بل ودعمتها بالمال والسلاح للوقوف بوجه من عارضها ورفض الاحتلال. إن تزامن محاولة تمرير مشروع معاهدة العبودية وضم كركوك لكردستان ليس محض صدفة على الإطلاق. إنما كان مخططاً له وفق برنامج معد سلفاً بين أطراف عراقية وأجنبية ذات مصالح مشتركة، فبعد تعثر المشروع الإمبريالي الأمريكي، الذي ابتدأ بغزو العراق، بسبب مقاومة الشعب العراقي ورفضه للاحتلال وتفاهة حلفاء الاحتلال من العراقيين، كان لابد أن تجرِ محاولات للخروج من المأزق وتحقيق الرغبة الأمريكية بربط العراق بمعاهدة أمنية استعمارية أسرارها غير معلنة، وتعميق الصراع الداخلي على أسس أثنيه لتمرير مشاريع الانفصال وإقامة الإمارات. وكما يسير مشروع الاتفاقية نحو الفشل، فإن المشروع الشوفيني لسلخ كركوك عن وحدتها الطبيعية ضمن عراقٍ موحدٍ، سيكون مصيره الفشل كذلك. إن الشعب العراقي بوعيه يدرك تماماً المخطط الأمريكي الذي يسعى إلى تفتيت وطنه وتحويله إلى إمارات ودويلات، تدين بالولاء لحفنة من العوائل المتنفذة التي أثرت على حساب الشعب والوطن برعاية إمبريالية ودعم دول الجوار.. لكن السؤال يبقى: هل خطر ببال أصحاب مثل هذه المشاريع الانفصالية، بأن إماراتهم المزعومة هذه ستكون، أثر بعد عين، لأنها ستفتقد إلى كل مقومات الدولة، وإن دول الجوار ستتربص بها ما دامت مرهونة المصير والأجل، فهل سيطعم النمر البهيمة إلى الأبد.؟ على قيادات الأحزاب الكردية المتآلفة أن لا تُبسط الأمور وتعط أمالٍ للشعب الكردي الذي يمتحن هو الآخر ويعاني من وطأة القمع والفقر والجوع والبطالة في ظل هذه المؤسسة العشائرية الحاكمة، بأن الأمور ستكون وردية ومتناغمة حين يتحقق مشروعها الانفصالي فتصبح كردستان هونغ كونغ أو دولة الإمارات. عليها أن تع، بأن المشروع الأمريكي، الذي كان يخطط إلى تحويل الشرق الأوسط إلى مستعمرة أمريكية، لن يجديها نفعاً، حيث هو الآخر في طريقه إلى مقبرة التأريخ ليس إلا. إن ما يجري في العراق من أَساليب منافية للأعراف والقوانين كقتل أصحاب العلم والرأي والقلم، بلد يسودهُ الاحتلال والفوضى وتتخندقُ فيه الطائفية، تسرق المال العام وتوزع فيما بينها الامتيازات والعقارات كما تنتعشُ أساليبَ الخطف والابتزاز المُنظَّم إلى جانب القمع والتهديد السياسي، ولا يُسأل الشعب عن رأيه في القضايا المصيرية، ليس أمراً عجيباً،. إنما العجب ألا تجد الأطراف القائمة على رأس السلطة ومؤسسات الدولة من أمرٍ يجعلُ المواطنَ يطمئِن على حياته ومستقبله وحق المواطنة، كما يشعر بالاقتراب من نهاية النفق وإنهاء الاحتلال. إننا نهيب بجميع القوى والشخصيات الوطنية العراقية للانضواء تحت مرجعية الانتماء للوطن وسيادة القانون، العمل لوضع صيغة برنامج عمل وطني مناسب، يُخرج بلادنا من دائرة الخطر وشعبنا من محنته وما آل إليه القتل والإرهاب المنظم، حفظاً لضمان وحدة العراق وسيادته، على أن يكون مبنياً على أسس ديمقراطية، لا على قاعدة المحاصصة الطائفية وتوزيع الغنائم وحكم المليشيات. - لا لمعاهدة الانتداب والعبودية - لا لبقاء قوات الاحتلال في بلادنا - لا لتقسيم العراق وتفتيته - لا للطائفية والشوفينية وقوى التكفير والإرهاب - من أجل عراقٍ ديمقراطي مستقل وحياة حرة كريمة
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |