العراق: توافق الكبار هدر لحقوق الصغار..!؟

 باقر الفضلي

bsa.2005@hotmail.com

إن كان للعراق ما يفخر به من أمجاد تراثه على مدى خمسة آلاف سنة من التأريخ وأكثر؛ فذلك هو نسيجه الإجتماعي الذي تمثل فيه مكوناته من الأثنيات القومية والدينية القديمة، واسطة العقد الفسيفسائي للمجتمع العراقي. فرغم كل ما تعرض له العراق في تأريخه القديم والحديث من ويلات الغزو والإحتلال، ظلت تلك المكونات متمسكة ومتماسكة في وجودها وإلتصاقها بأرض الوطن، الذي حمل بين جناحيه، الفراتين، تراث هذه الشعوب وأرثها الخالد في الحضارة والقيم والمعرفة حتى يومنا هذا..! 

اليوم ونحن في بدايات القرن الحادي والعشرين، تتعرض هذه المكونات العراقية، الى حملة منظمة من التنكيل والإضطهاد؛ فمنذ ما يزيد على خمس سنوات، ومع البدايات الجديدة للعهد الجديد، وفي ظل العملية السياسية "الديمقراطية"، شُردت  مئات الألوف من العوائل المسيحية والمندائية من مواطن سكناها الأصلية، تحت رهبة التهديد والقتل والإختطاف وفقدان الحماية الحكومية، وهُدمت غير قليل من أماكن عبادتها، وأغتيل العديد من رجال دينها، مما عرض وضعها الديموغرافي الى الخلل؛ حيث دفع بآلاف العوائل منها، الى طلب اللجوء في البلدان المجاورة، وتم إفراغ مناطق واسعة من سكانها الأصليين من هذه المكونات، كما في البصرة ومدينة الدورة في بغداد على سبيل المثال..!؟؟ 

ويأتي أخيراً وليس آخراً، مجلس النواب العراقي، متوجاً كل تلك المآسي الذي تتعرض لها تلك المكونات الإثنية والدينية، بإقراره قانون إنتخابات مجالس المحافظات والأقضية والنواحي، بعد إلغائه نص المادة /50 من القانون على وهنها،(*) حاجباً بذلك حق تلك المكونات من التمثيل في مجالسها، رغم أنها من المكونات التي كفل لها الدستور كل حقوق المواطنة والحقوق السياسية، كمكونات متساوية مع غيرها من المكونات الأخرى في المجتمع، في هذه الحقوق..!!؟ 

ومهما قيل عن نجاح الكتل السياسية الممثلة في مجلس النواب في تجاوز أزمة تمرير القانون المذكور، عن طريق "التوافق" وبتعاون ممثل الأمم المتحدة، إلا أنها أثبتت من جانب آخر، فشلها وليس للمرة الأولى، في الإلتزام بنصوص الدستور ومبادئه العامة، فجاءت عملية "التوافق" لتمرير القانون على حساب تلك المباديء الدستورية، فكانت ضحية توافق الكبار، هدر لحقوق الصغار؛  ولإدراك الكتل السياسية البرلمانية ذات الأغلبية، والتي هي من صوت على الإلغاء، لتداعيات تلك الحقيقة، عَجَّلَ البعض من ممثليها أو رؤوساءها الى التعبير عن "أسفهم" لعدم شمول القانون لحق المكونات الإثنية الأقل عدداً والطوائف الدينية الصغيرة، بالتمثيل في مجالس المحافظات، فأي كلام هذا..؟؟!! 

فإذا كان التعبير عن "الأسف" مجرد شعور ب "الندم" من قبل تلك الكتل السياسية التي شاركت في عملية "التوافق"، ملغية بذلك نص المادة/50 من القانون المثبتة في نسخته المقرة في 22/7/2008 ، فالأمر لا زال في بداياته وبإمكان تلك الكتل المتسيدة في البرلمان، أن تعيد النظر في موقفها وتقترح إتخاذ الإجراءات التشريعية المناسبة التي تعيد الأمور الى نصابها الذي ينسجم مع مباديء الدستور، وذلك بالإعتراف للمكونات الصغيرة بكامل حقها في التمثيل في مجالس المحافظات والأقضية والنواحي، وفق الكوتا التي تتناسب وحجمها (الحقيقي) في المحافظات المعينة. وبإمكان مجلس الرئاسة إقتراح التشريع المناسب لهذا السبب، ولأسباب أخرى تتعلق بإستخدام أماكن العبادة للدعاية الإنتخابية، وإعادته لمجلس النواب للنظر في أمر ذلك..! 

وإذا كان الأسف تعبيراً عن سهو يستوجب الإعتذار، وهكذا بررت بعض الكتل النيابية ذلك، فالأمر أدهى وأمر، ويرفضه كتبرير واقع الحال. أما إذا كان ما وراء الأكمة ما ورائها، وما تبطنه عملية "التوافق" التي جرت في الغرف الخلفية، من خفايا الإتفاقات وأهدافها المبطنة، فالأسئلة التي تطرح نفسها، تظل تبحث عن إحتمالات أجوبتها وتفسيرها بعيداً، في ركام خطط ما هو مرسوم لمستقبل العراق والمنطقة، وفيما سيكون عليه مصير الإثنيات الصغيرة وفي مقدمتها الكلدوآشوريين والمكونات الأخرى من الطوائف الدينية الصغيرة ، وعلاقة ذلك برسم الخريطة الطائفية لتلك المكونات والتعامل معها كمجرد أقليات دينية مسيحية، يمكن إذابتها وإمتصاصها من قبل الإثنيات الكبيرة، وفيما ستكون عليه خريطة العراق القادم، وما تعنيه حملات التشجيع على النزوح من العراق الى دول المهجر..!!؟  

وإلا فأي معنى للأسف الذي أطلقه قادة ورموز الكتل النيابية الكبيرة، في الوقت الذي كانت فيه كتلهم نفسها هي مَنْ صوت بالإجماع على إلغاء المادة /50 من القانون والمصادق عليها سلفاً من قبل المجلس نفسه في جلسته المنعقدة بتأريخ 22/7/2008 ، فكيف يفسر التحالف الرباعي للأحزاب الحاكمة أسفه هذا، وهو المبادر "توافقياً" على إلغاء نص يقر بحق المكونات الإثنية الأقل عدداً والطوائف الدينية الأصغر من صلب القانون، تحت حجج واهية ومنها غياب التعداد الصحيح لنسب تلك المكونات، فهل يمتلك مجلس النواب يا ترى، إحصائيات دقيقة عن أعداد المكونات الكبيرة..؟ أليس في هذا الأسف والقلق الذي أبدته رموز هذه الأحزاب، ما يوحي بأنه من فذلكة التلاعب السياسي، أو من باب ذر الرماد في الأعين، أو الضحك على الذقون، ولا أريد الذهاب الى أبعد من ذلك..؟؟! 

مهما وُصفت به عملية "التوافق" الأخيرة في إمرار قانون إنتخاب مجالس المحافظات والأقضية والنواحي، بكونها عملية بالإتجاه الصحيح في طريق بناء "الديمقراطية" ودعم "العملية السياسية"، من جهة التعجيل بإجراء الإنتخابات، وهذا يسجل لصالحها، فهي من الجانب الآخر وفي جوهرها، قد سجلت إنعطافاً خطيراً بالإتجاه المعاكس للتوجه الديمقراطي المفترض والمثبت في الدستور، والذي تتبجح كافة الكتل السياسية الحاكمة، بالإلتزام به منهجاً في مسيرة "العملية السياسية"، كما وأنها شكلت تعارضاً صارخاً مع منطوق الفقرة/ب /أولاً من المادة الثانية /الباب الأول – المباديء الأساسية من الدستور العراقي الدائم، وفي أخطر المواقع التي تتعلق بحقوق الإنسان، ناهيك عن تعارضها مع العديد من النصوص الدستورية الأخرى..!!؟ (1) 

لا أريد هنا الخوض في التكهن بعوامل وأسباب ما يقف وراء إلغاء المادة/50 من القانون، فهذا له حديث آخر، ولكن من المفيد الإشارة هنا، الى نص المادة/ 35 من القانون التي أغفلها الجميع، لتنكشف أمام القاريء حصيلة لعبة "التوافق" التي جاء من ثمراتها ما حصدته الأحزاب الإسلامية، حكراً لها من وراء ذلك؛ وهو تثبيت نص المادة المذكورة، التي تسمح لتلك الأحزاب بحرية إستغلال أماكن العبادة للدعاية الإنتخابية، خلافاً لأحكام الدستور   فقد نصت المادة المذكورة من القانون بصيغته الجديدة على ما يلي:

{{المادة (35): يمنع استخدام دوائر الدولة ويقصد بها مواقع العمل والوظيفة للدعاية الانتخابية ويسمح استخدام دور العبادة لذلك. }} (2)

 أما حقيقة نص المادة المذكورة في القانون المقر في 22/7/2008 والمنقوض من قبل مجلس الرئاسة فكانت على النحو التالي: {{ المادة (35): يمنع استخدام دوائر الدولة ودور العبادة بأية وسيلة كانت لأغراض الدعاية الانتخابية}}(3)

 ولنا في هذا رأي واضح يمكن الإطلاع عليه في الرابط أدناه..!(4)

_______________________________________________________________

  (*)    ليست صيغة المادة/50 في جوهرها، غير شكل من أشكال تكريس مبدأ المحاصصة بديلاً عن مبدأ المواطنة

  (1)    http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=146581

  (2)  http://www.alsaymar.org/akbar/26092008akh3296.htm         

  (3)    http://www.zowaa.org/nws/ns7/n220708-4.htm 

  (4)   http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=136440

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com