العراق مابين الكان واليكون .. كتاب في حلقات – 12

 

محمد حـسـين/ مدير

مركز الإعلام العراقي – سيدني

imcsydney@yahoo.com

 واذا ارادت الشعوب بشكل عام التخلص من الاستعمار عليها ان تقضي على ركائزه ومراكز انطلاقه، فبأعطاء الاقليات القومية والدينية حجمها الواقعي بكامل حقوقهم الانسانية وتصفية آثار الاستعمار الثقافي والتخلص من التبعية الاقتصادية للمستعمر وتصفية احزاب الاستعمار هو السبيل الامثل لتحرير الشعوب مع وجوب استمرار طرق التوعية الجدّية ضد ركائز الاستعمار لفترة طويلة من الزمن لكي يحصلوا على جيل جديد يقوم على مفاهيم الوطنية ووحدة الشعب بكل مكوناته واديانه .

تلك كانت ركائز الحركة الاستعمارية بشكل عام ، اما بخصوص أرض الرافدين فان الاستعمار استطاع ان يمد جذوره الفكرية والثقافية الى العراق من مراكزه في عواصم ايران وتركيا ومصر ، ان الصحف والمجلات التي انشأها الاستعمار في تلك العواصم (طهران واسطنبول والقاهرة) كانت تبث وبشكل منتظم كل مايريد الاستعمار بثه في المجتمع .

  وكان التركيز على الجانب الفكري وإثارة العصبية القومية لتحقيق مبتغاها في السيطرة على البلد ، وكانت تلك الصحف سيئة الصيت تصل الى العراق بشكل مستمر . اما وسيلة الاستعمار الاقتصادية فقد تمثلت في الامتيازات التي اعطتها تركيا العثمانية لحليفتها المانيا بأنشاء خط سكة الحديد بين البصرة وبغداد وحتى عمق الاراضي التركية وكان الهدف من إنشاء هذا الخط هو وصل سواحل الخليج بأوربا ، ومن ثم نقل النفوذ الالماني الى سواحل الخليج كله .

 ومع منح إمتياز إنشاء خط سكة الحديد اعطيت لألمانيا إمتيازات اخرى منها استخراج منابع النفط . والى جانب المانيا اعطيت لمنافستها التقليدية بريطانيا امتيازات اقتصادية اخرى منها انشاء شركة الملاحة في نهري دجلة والفرات .  وقد كان للعراقيين مع هذه الشركة اصطدام مبكر قبل ان يصبح الخطر البريطاني جديا على العراق كله .

 والوسيلة السياسية الوحيد ة التي استخدمت ومهدت الطريق لأستعمار العراق هي شراء الاحزاب والقوى السياسية والعسكرية الموالية للغرب وتقويتها في مواجهة القوى الوطنية . اما النمو التدريجي للتيار الثقافي في بلادنا قسـّم المجتمع فكريا الى قسمين ثم انفرزت الساحة عن مواقف سياسية متباينة نتيجة الأفكار المتباينة ، ومع نمو الاتجاه الغربي اصبح انشاء حزب سياسي ينسق فيما بين انصار الفكرة الواحدة أمرا سهلا ومقبولا .

 وقد ثبت بأن استخدام سياسة الحيلة والمكر من قبل المستعمر هي الوسيلة الممتازة للدولة الأقل قوة والأكثر طمعا . وهذه كانت السياسية التي خطاها حزب البعث البائد في العراق بكل ابعادها وغاياتها كما سيتضح ذلك في حلقاتنا القادمة .

ففي مطلع القرن التاسع عشر الميلادي شملت السيطرة الاوربية جميع انحاء المعمورة بسبب تقدم الحركة الفكرية الاوربية وانطلاق الانسان الاوربي نحو الابداع والبناء والتحكم بمصير الشعوب ، وبشكل خاص اصبح العالم الاسلامي بدوله الثلاثة العثمانية والقاجارية والمغولية تحت وطأتهم أو نفوذهم ، وكــان للعراق النصيب الوافي من النفوذ باعتباره جزءاً من الدولة العثمانية ، وكان ذلك هو بداية العهد الاستعماري في العراق .  

فكان العراق مطمعا للدول الاستعمارية الانجليزية والفرنسية والالمانية ، وكــان النشاط الاستعماري يدخل الى العراق بواسطة رئاسة الدولة العثمانية في اسطنبول أو من خلال الاتفاق مع الولاة مباشرة ، وكـان نابليون فرنسا ذا أطماع استعمارية واسعة ، فسعى للسيطرة على مـصـر مثلما سعى للوصول الى الهند من طريق العراق وايران ، حيث كان في صراع دائم مع المستعمرين البريطانيين .

وبعد فشله في مصر أعاد نابليون الكرة ثانية لدخول المنطقة ، فقام بأرسال مبعوثيه الى المنطقة ليكوّن علاقات مع الولاة هناك  . ففي عام 1805 أعدّ نابليون العدة للهجوم على الهند ، ولأجل نجاح هذا الهجوم عقد اتفاقية مع والي بغداد لتأمين مرور قواته أي القوات الفرنسية عبر الأراضي العراقية ،وعلى اثره شكل والي بغداد وباشراف فرنسا وحدة عسكرية نظامية ، وفي نفس الوقت تمكنت فرنسا من التحالف مع الدولة القاجارية في ايران في نفس المجال  .

وبين هذا وذاك أثار نشاط الفرنسيين في العراق مقاومة الانجليز وقد كان للانجليز في العراق فرع لشركة الهند الشرقية التي انشأت في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي والتي مهدت الطريق لأستعمار الهند ، فقام ممثلو وموظفين الشركة باحباط نشاط الفرنسيين وعزل الولاة الذين يتعاونون مع فرنسا بواسطة مركز الحكم (الباب العالي).  وفي بداية القرن التاسع عشر انهزمت فرنسا امام بريطانيا العراق ، فخلا الجو للأنجليز وفي الربع الأول من القرن ذاته  تأسس في العراق جيش نظامي بأشراف ممثل شركة الهند الشرقية وأستعمل هذا الجيش للأنفصال عن السلطة المركزية .. إلاّ انه فشل في مخططه .

 ......  /  يـتـبـع

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com