|
الديمقراطية .. الحلقة (1) رشيد كَرمـة الديمقراطية هي الثقافة الجديدة التي لابد لنا من ولوجها، ومن دون تشويهها أو اللعب بألفاظها، ولكن علينا أن نسأل، أولا ً:هـل الثقافة الجديدة ستكون في مأمن من قوى الضد والذين يشكلون الأغلبية العظمى فـي كل بلدان العالم بشكل عام والبلدان العربية والإسلامية بشكل خاص ؟ الجواب قطعا ً كلا . وثانيا ً : أن ديمقراطية الثقافة الجديدة هي أول من يستهدفها قانون الإرهاب، إذ لـم يعد شراء أحدث الأسلحة بمعوق ٍ ما, كما أن أستخدامها بأبشع صورها لم يعد مقززا، نتيجة موت الضمير يقابلها صحوة الغيب،,,ولكن إنتاج المعرفة وبما يشبع ويسد حاجة المجتمع أصبح من الصعوبة بمكان ديمومته أن لم نقل الحفاظ عليه . وإغتيال شغيلة الثقافة الجديدة هو الشغل الشاغل لقوى الظلام، والتي تلقى التأييد والتشجيع من لدن الأورثدوكسية الدينية ـ الأسلامية بتعدد مذاهبها، على الأقل الصمت المطبق الذي تلوذ به المرجعيات الدينية أزاء ما تخسره المعامل الثقافية في الوطن العربي بشكل عام والعراق على وجه الخصوص . ولم يعد ثمة مبرر لليسار العراقي والعربي والعالمي على المداهنة والمجاملة، كما لم يعد خافيا علـى أحد ماتروجه الأمبراطورية العالمية عبر العولمة الأمريكية، بتفكيك القوى الناشطة والتي تنشد العدالة الإجنماعية . ولابد من حماية، و(( حماية شعبية )) لثقافتنا العراقية ومبدعيها . وإذ أشكر بعض أعضاء النادي العراقي في مدينة بوروس ـ السويد،( إبراهيم آكو، رندة الكردي، ماهر طه ) لتعاونهم أزاء نقل وترجمة ما كتبه شهيد الثقافة العراقية " كامل شياع " أحاول هنا ترتيب ونشر ما كتبه الشهيد في مجلة الثقافة الجديدة العدد 309 لعام 2003 . آمل من أصدقائنا ورفاقنا وممن تعز عليهم جهود شغيلة الفكر وتضحياتهم، ان يساهموا ما أمكنهم من نشر نتاجات الشهداء في المواقع الألكترونية والصحف ووسائل الاعلام وخصوصا ً المرئية والتي يعاب عليها أنها لم تكن بمستوى الحدث، حدث إغتيال الثقافة العراقية بمنصب وإسم ( كامل شياع ) الذي كتب هذا البحث الشيق، والذي أراه مدخلا ً لديمقراطية العصر الحديث، أو الثقافة الجديدة، او ديمقراطية الثقافة الجديدة. كامل شياع منذ صدوره قبل ( 10 )عشرة أعوام أثار كتاب ( إمبراطورية ) لـ" إنتونيو نيغري " و " مايكل هارت " إهتماما ً واسعا ً في الأوساط الأكاديمية واليسارية في الغرب فاشاد عدد من النقاد والمفكرين البارزين بتحليله العميق لحالة العالم ما بعد الحرب الباردة ورؤيته الثاقبة لتناقضات عصر العولمة وآفاقه وأخذ عليه آخرون تقييمه الخاطئ لظاهرتي الإمبريالية والدولة الوطنية واستنتاجه بأنهما فـي طور الزوال وبأن النضال اليوم ضد الرأسمالية ينبغي أن يتم ضمن شروطها الجديدة وليس خارجها،,, التقريض والنقد لا يغني عن قراءة هذا الكتاب الذي هو تركيب نظري جامع وخلاصة فلسفية – سياسية مكثفة لمصادر اساسية في الفكر الحديث والمعاصر ولنزعات الثورة والتغير الاجتماعي . رغم إشتراك " مايكل هارت " في التأليف الا أن بصمات " انتونيو نيغري " هـي الأوضح في الكتاب، فقد كلل بحوثه النظرية التي ظهرت خلال العقود الثلاثة في أعمال ملفتة مثل ماركس ما بعد ماركس (1979)والاستنثاء الوحشي، السلطة والقوة عند سبينوزا (1983) . الماركسية كما يفهمها نيغري الاستاذ لفلسفة القانون والعلوم السياسية في جامعة بادوا الايطالية والمناضل العمالي الناشط منذ نهاية الخمسينات،هي فلسفة حياة وممارسة قبل ان تكون عقيدة جامدة أو نظام مفاهيم مجردة. لذلك تحفل ماركسيته بروح ثورية قلقة وحالمة تراهن على قوٌة العمل والتضامن في تغيير نمط الإنتاج الرأسمالي من داخله، عبر دفع تناقضاته إلى مدياتها القصوى، والمضي في تحقيق المشروع التأريخي الإنساني . أما سيرة ( نيغري) السياسية فهي مثيرة ككتاباته،فقد أودع السجن بعد أن إتهمته السلطات الإيطالية بكونه العقل المدبٌرلأعمال العنف المسلح والإغتيالات التي لجأ اليها اليسار المتطرف خلال سنوات السبعينات، وظل معتقلا ً لأربع سنوات ونصف حتى أطلق سراحه عام ثلاثة وثمانين ( 1983) بفضل الحصانة البرلمانية التي حصل عليها لفوزه في قائمة مرشحي الحزب الراديكالي بقيادة ( ماركو بانيللا ) بعد شهرين من الحرية, رفعت عنه الحصانة البرلمانية لتخلي الحزب الراديكالي عنه فاختار" نيغري" الهروب الى فرنسا حيث بقي فيها لاجئا ً حتى عـام ( 1997) . فـي ذلك العام قرر أن يضع حدا لما اسماه بسنوات المنفى الثقيلة فغادر الـى روما ليضع مصيره بيد القضاء الايطالي، وهـو حاليا نزيل احد سجونها ...... فترة إقامته بباريس جعلته على تماس مباشر مـع أفكار " ميشيل فوكو" و"جيل دولوز" الذي جمعته به علاقة وثيقة، شهدت تلك الفترة تاثر " نيغري " بمفهوم علاقات القوة التي يتجاوز نطاقها علاقات الانتاج المتموضعة في المصنع ليغطي الحياة الاجتماعية بأسرها يعترف " نيغري " بان ذلك المفهوم قاده الى ان يتخلى عن اللغة العمالية الصرفة، لغة التحليل الطبقي الكلاسيكية، لياخذ بلغة عالمية على قدر غير قليل من التعقيد والصعوبة لذلك اعتبركتابه هذا من المراجع الاساسية للحركات المناهضة للعولمة من موقع اليسار ... كتاب امبراطورية طرح تصورا جريئا ً يستدعي التأمل حول الحالة الراهنة للعالم وآفاقه المستقبلية وقدم إجتهاداً مثيراً حول ماهية الماركسية فـي بُعديها الفلسفي والتحرري ومـن هذه النقطة نبدأ تناولنا له حيث يدعونا مؤلفاه إلى أن نتخلى مرة ًواحدة ًعـن جملة ٍمـن المفاهيم الأساسية في التحليل والسياسة الماركسيين وهـي مفاهيم تشمل : المادية التاريخية, التفكير الجدلي،الحتمية والغائية، الفكر العلمي، النزعة الانسانية، القاعدة، والبناء الفوقي, الطبقة العاملة، الامبريالية الاستراتيجية والتكتيك، المركز والاطراف، الحزب السياسي، الاممية البروليتارية الثورة الاشتراكية، حركات التحرر الوطني. هل فاتني شئ من مفردات هذا الجرد الجذري للماركسية ؟ وهل بقي للمرء بعد كل هذه المفاهيم المسحوبة من مجال التداول والمسقطة من منهج التحليل ما يسمح له بالادعاء إنه صاحب موقف ماركسي او شيوعي ؟ نعم هناك على الأقل مؤلفا هذا الكتاب الخطير اللذان يختمان كتابهما بعبارة مستوحاة من القديس سان فرانسيس (ومقامه في مدينة اسيس الايطالية ) تدعو الى مجابهة بؤس السلطة ببهجة الوجود وهـي عبارة يردفانها بالقول إن قوة الحياة والشيوعية " التعاون والثورة " يمضيان سوية في حب وبساطة وبراءة وذلك منبع الرقة والبهجة اللتين لا يمكن كبحهما فـي المرءحين يكون شيوعيا ًبلغة المفاهيم وليس بلغة الشعر والاستشراف . تظهر ماركسية مؤلفي الكتاب في تمسكها الصارم بمفهوم مادي للوجود بموضوعة التقدم التأريخي بترابط العدالة والحرية بالحاجة الى اعادة بناء الكيان الانساني الممزق خارج علاقات السوق والاغتراب وبأولوية الممارسة على التأمل والصيرورة على الثبات والفعل على النظرية . على هذه الرؤية الماركسية أو ما بعد الماركسية ان شئتم تستند اطروحة الكتاب التي تتلخص في ان العالم المعاصر يشهد تشكل امبراطورية جديدة تعبر عن نفسها من خلال العولمة، ثورة الاتصالات والمعلومات، فكر ما بعد الحداثة، تراجع دور الدولة القومية وإضمحلالها التدريجي، تزايد الهجرات الـى البلدان الغنية، تغير اساليب حل النزاعات بين الدول، أزمة الشرعية، عدم تمركزالانتاج والسلطة وانتشارهما عالميا، تلازم الفساد والانحلال مـع صيرورة النظام العامة وتوفر امكانات أوسع للتغييرالاجتماعي ......... تمثل الامبراطورية بالنسبة (لمايكل هارت وانتونيو نتغري ) قطيعة تأريخية في مضمون السلطة السياسية ونقلة جذرية في ممارسة الهيمنة وهي تعكس الى حد كبير الانتشار العالمي لفكرة الدستور الامريكي فكأن أمريكا تـُمثل صورة مصغرة لعالم الإمبراطورية الذي يخترق الحدود الدولية ويدمج في ثناياه الدول والثقافات وأنماط الاستهلاك والتبادل وإمكانات الثورة وفرص التحرر كاسراً ثنائيات المركز والاطراف، الداخل والخارج النظام المدني والنظام الطبيعي، العمل والرغبة، الانسان والآلة، الفوضى والنظام، الخاص والعام . فكرة الدستور الامريكي كما يناقشها الكتاب تتضمن مفهوما للسيادة مختلفا عـن سواه في دساتير الـدول الغربية الحديثة لأنه ينطوي علـى أسس أومبادئ السيادة الامبراطورية الجديدة ....... السمة الأساسية لهذا الدستور الـذي يوصف بانه الأكثر ديمقراطية فـى العالم إنه يحدد السيادة ارتباطا بالشعب كما ينبغي ان يكون علية أي نظام جمهوري ديمقراطي . السيادة هنا ذات مرجع دنيوى ونابعة من تناقضات الحياة الاجتماعية وصراعاتها وليست مفروضة عليها من خارجها، السمة الاخرى المهمة للسيادة كما يحددها الدستور الامريكي انها تمثل مشروعا مفتوح الآفاق قادرا ًعلى إستيعاب عناصر جديدة وغير مقتصرة على جماعة محددة او أمة بعينها بالمعنى المتداول للكلمة.. السيادة هنا ذات نزوع توسعى لكن ليس وفق الطريقة الكولنيالية القائمة على الإحتلال والإستغلال والنهب والعزل والإبادة الجماعية والعبودية، التوسع الإمبراطوري يستوعب الشعوب ويضم الأقليات والجماعات ضمن علاقات موزعة ومتشابكة تتجاوز الحدود الوطنية . الدستور الأمريكي كما يلاحظ المؤلفان بحق لم يكن دائما محرك السياسة الأمريكية فهى حين تقيد نفسها بمصالحها القومية تتحول إلى قوة استعمارية تقتفي خطى نظيراتها الأوربيات الأقدم تاريخيا ًمثلما تشهد تجربتها المبكرة في الفيليبن ولاحقا في فيتنام .... يتبع ......
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |