"البداوة " وسرقة التراث..!

 

باقر الفضلي

 bsa.2005@hotmail.com

وأنا أتصفح خبر سرقة التراث اليهودي العراقي من العراق ونقله الى إسرائيل، حيث طبقاً للخبر المذكور فإن:

  [[...باحثاً إسرائيلياً قد كشف أواخر شهر يونيو الماضي لصحيفة هآرتس، عن حيازته عدداً من المخطوطات النادرة باللغة العبرية القادمة من العراق. وأثار هذا الخبر استياءً عراقياً، وشكوكاً بأن هذه المخطوطات قد وصلت إسرائيل بتعاون أمريكي. وأشار وزير الدولة العراقي للسياحة والآثار بأصابع الشك إلى تعاون الأمريكان وشكلت الحكومة العراقية اثر ذلك لجنة خاصة مهمتها متابعة وبحث حيثيات هذه المسألة.]](1)

  ...أثارني في الخبر المذكور، علاقته بكامل قصة تدمير وحرق وسرقة التراث العراقي الفريد في نوعه وفي قدمه، والذي يعتبر من كنوز الحضارة العالمية، ومن مصادر ثروة العراق الثقافية التي لا تقدر بثمن، والتي تعتبر المصدر الثاني للثروة العراقية بعد النفط، وقد سبق وأن كتبت بهذا الشأن في مقالة سابقة..!(*)  

وأنا أتخيل همجية الغزاة الهولاكيين في شباط عام/1258 وتدميرهم لكنوز الثقافة العراقية في بغداد يومذاك، تجسدت أمام ناظري همجية "المتحضرين" الجدد في آذارعام/ 2003، وهم يستبيحون مراكز الثقافة والمعرفة العراقية؛ من متاحف ومكتبات عامة وقصور رئاسية، ومراكز توثيق المعلومات وغيرها من المراكز الثقافية والعلمية النادرة، ويعرضونها الى النهب والتدمير والسرقة والحرق، ويقيمون معسكراتهم العسكرية في مواقع الآثار التأريخية المنتشرة في مختلف أرجاء العراق؛ فلم أستغرب أن تصل كنوز التراث اليهودي العراقي الى سراقها في إسرائيل..!؟؟(2) 

فما الذي جمع بين همجية الغزاة الهولاكيين والأمريكيين يا ترى..؟! هل هي الحضارة في أرقى أشكالها التكنولوجية، أم البداوة في أدنى مراتبها الدنيوية..؟!! 

ما لفت نظري بهذا الشأن، هو ما قيل ويقال ويُروج له اليوم كثيرا، عن "بداوة العرب والشرقيين" وعن تمسكهم بعاداتٍ وتقاليدٍ أكل الدهر وشرب عليها، ومنهاعلى سبيل المثال مقولة؛ "كل شيء أو لا شيء" الصحراوي، الغارق في البداوة، وجهلهم بمصالحهم وخسارتهم الدائمة بسبب تمسكهم ، ب"موروثهم الإجتماعي" الذي هو إمتداد "لثقافتهم البدوية"..!؟؟ 

فإذا كان العراقيون يقعون ضمن هذا التصنيف، فليس هناك من حاجة والحال، أن نتألم أو نحزن على خسارة تراثنا الثقافي وكنوزه الفريدة التي دمرها الغزاة، والتي تناثر وجودها شذر مذر في شتى بقاع الدنيا..!؟ 

ولكن الغريب في الأمر، أن مَنْ يمتلك كل هذه الكنوز الثقافية والمعرفية الرائعة، ويحرصون عليها حرصهم على حدقات أعينهم، هم قوم يرجعون في ثقافتهم الشخصية والعامة الى أصول "ثقافية بدوية"، وينهجون في حياتهم نهجاً بدوياً خشناً فضا، لا يعرف "الوسطية" في التعامل الحياتي كما يُقال عنهم، وتصرفاتهم ولسان حالهم يقول "إما كل شيء وإما لا شيء" حسب ما ينسب اليهم؛ فكيف تسنى لمثل هؤلاء القوم، أن يجمعوا بين الحضارة التي تتمثل بكل هذا الموروث والخزين الثقافي المذهل، والذي يعتبر من مقدمات أصول المعرفة الإنسانية والثقافية، وبين "بداوة" همجية لا تعرف إلا "السيف طريقاً للحياة"..؟!!  

يبدو أن المتحضرين التكنلوجيين الجدد، رغم تحضرهم العالي وإمتلاكهم مصادر المعرفة العلمية الحديثة، لا يختلفون في تجذرهم الثقافي وتصرفاتهم  السلوكية اليومية، عن همجية "البدو" من بقايا سكنة الصحراء، من الذين لا يعرفون غير "السيف" و لا يحركهم غير مبدأ "كل شيْ أو لا شيء"، إذا ما أخذنا بما يدعيه بعض الكتاب المحدثين والمتحضرين، أو همجية وبداوة هولاكو، وإلا كيف نجد مخرجاً أو تفسيراً لهمجية تدمير التراث الثقافي العراقي و سرقته أو إرساله الى إسرائيل، وإستباحة المواقع الآثارية وتحويلها الى ثكنات عسكرية، ونحن نعيش في بدايات القرن الحادي والعشرين للحضارة الإنسانية، إن كان هناك ثمة من تفسير آخر..؟؟!  أم أن البدو العراقيين لا يستحقون أن يحتفظوا بحضارة مثل تلك، رغم أنهم أصحابها وهم مبدعوها أو من حافظ عليها، وبالتالي فإن "بداوتهم" الملصقة بهم، أنسب لهم من "حضارة" العالم "الجديد"، التي أسهمت  في تدمير وسرقة التراث العراقي..؟!(3)

 ولكن الأمر الأكثر يقينا؛ أن الفرق بين همجية المتحضرين التكنلوجيين الجدد، وبين "بداوة" العراقيين، هو تلك القيم الإنسانية الرفيعة، التي إحتفظ بها العراقيون، وحافظوا من خلالها على كنوز الثقافة العريقة، وصانوها ورعوها كفلذات أكبادهم عبر العصور، لتكون معلماً لكنوز الثقافة الإنسانية ورمزاً أبدياً للحضارة البشرية تقرؤه الأجيال القادمة على مدى مسيرة التأريخ؛ فهل للمتحضرين التكنولوجيين الجُدد ما يؤهلهم من القيم والأخلاق نفسها، ليكسبوا بها ثقة العراقيين ذوي "الأصول البدوية"..؟؟!(4)     

         ________________________________________________

(*)  http://www.al-nnas.com/ARTICLE/BFadli/22zk.htm

(1)   http://arabic.rnw.nl/mideastafrica/11070802 

(2)http://arabic.rnw.nl/articlesbytag?tag=%D8%B1%D9%8A%D9%86%D9%8A%D9%87+%D8%AA%D9%8A%D8%AE%D9%84%D8%B1

(3)   http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/middle_east_news/newsid_2951000/2951287.stm

(4)   http://www.w-arb.com:80/vb/showthread.php?p=338855  

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com