العراقيون بين الديمقراطية و"المعزومية"!!
 

سهيل أحمد بهجت

sohel_writer72@yahoo.com

هل ما يجري على الساحة العراقية الآن من تجاوز على الدستور والقانون هومن ضمن مظاهر "الديمقراطية العراقية"؟ وهل تسعى هذه الأحزاب الحاكمة الطائفية والقومية إلى ترسيخ فكرة أن كلمة عراقي تعني "متخلف"؟، للأسف فإن هذا هوبالضبط ما يحصل على أرض الواقع، فبعض الأحزاب القومية المشاركة في السلطة رسخت ولا تزال – في منهج لا يختلف قط عن البعث الغاشم – فكرة أن الفساد وعبادة الزعيم الأوحد وتقديس المسؤول وكونه يملك صفات إلهية، كل هذا هوجزء لا يتجزأ من شخصيتنا "القومية" ونضالنا القومي العنصري التقسيمي، وما إلغاء المادة خمسين من قانون انتخاب مجالس المحافظات – الذي لا يشمل كل العراق – وهضم حقوق الأقليات إلا خطوة إلى الوراء من ضمن خطوات.

المصيبة التي يعانيها العراقيون الآن هي أن الأحزاب الحاكمة والمتحاصصة قد قررت أن تقوم بابتلاع ما يمكن ابتلاعه ضمن لعبة منافقة مليئة بالمجاملات على حساب الدستور والقانون واسمها "التوافق الوطني" الذي حول الديمقراطية إلى – معزومية – وقصعة يجب أن يأكل الجميع منها وبالتالي ذهبت الانتخابات والعملية الديمقراطية ضحية أذواق مريضة ونفوس ملؤها التآمر والتحاصص، فهذه الأحزاب ليست ديمقراطية في بنيانها الداخلي التنظيمي ولا تحمل أي خطاب وطني حقيقي اللهم إلا النعرة القومية العنصرية وعقلية الصراع القومي والطائفي، فكيف نتوقع من هكذا أحزاب لا تعتبر السلطة والسياسة إلا مغنما وفريسة وأن على الشعب أن يستمر في المعاناة لأن هذا هوقدره.
إن الوطنية هي شيء مختلف تماما عن كل العقليات التي حكمت ولا زالت تحكم العراق، فزعيم الحزب "وهي أحزاب أيديولوجية بالتأكيد" هووحده من يقرر ما هي الوطنية وما هي معايير هذه الوطنية ومتى يكون المشاركون في الحكم شركاء وطنيين وخونة يستحقون الموت، ببساطة ولأن هذه الأحزاب – مع استثناءات نادرة جدا – تكره الثقافة والمعرفة والحرية لإغنها تستعين على الدوام بأناس يتم اختيارهم عبر "الولاء" للزعيم والحزب ومن خلال سياسات الحزب تجد أنه أكبر تجمع للمغرورين والجهلاء والعقليات المستعبدة التي لا ترى في الثقافة إلا كمجموعة معلومات فارغة يستفيد منها الكادر الحزبي في الارتزاق، من هنا كان من واجب المواطنين التحري والبحث عن أي حزب وطني حقيقي لا يستند إلى الطائفة والقومية والعشيرة بل إلى خلفيته الثقافية العراقية.

إن الأحزاب الطائفية والعرقية القومية لا تختلف عن حزب البعث الذي كان يحكم العراق "المتعدد" بنعرة عرقية عربية، بالتالي تجد أن هذه الأحزاب لا تختلف عن حزب البعث كون الانتماء إليها محصورا بدين وعرق قومي معين وإذا ما انتمى إليه شخص ينتمي إلى دين وقومية أخرى فإن المجتمع نفسه يحتقره قبل أن يعتبر هذا الشخص نفسه ناقصا – وكان هذا حال الكردي والتركماني الذي ينتمي للبعث العربي الإشتراكي – وبالتالي فإن هذه الأحزاب تعلن أنها أحزاب غير عراقية لمجرد حصرها على طائفة وقومية معينة، كانت هذه الأحزاب تمتلك شرعية ما حينما قسم البعث العراق على أساس العرق والطائفة، ولكن ما أن سقط صنم البعث حتى سقطت هذه الأحزاب معه.
غالبية الأحزاب الموجودة في السلطة تعاني الآن من أزمة انتماء إلى العراق وهي لحد الآن لم تستطع الخروج من زمن الأيديولوجيات وزمن التقوقع وراء نظرية دينية وقومية، وما يميز الشعوب المرفهة الديمقراطية الحرة هوأنها تؤمن بشيء واحد فقط إيمانا مطلقا وهوأن للفرد الحق في التفكير والتعبير والعيش وفق الأسلوب الذي يريده هوودون إكراه من أحد، بالتالي فإن مجموع الأفراد الأحرار ينتخبون من يجسد هذه الحرية، أما نحن العراقيون فغالبا ما نصوت للمنافق الأطول لحية والبطل القومي الذي يعد كل مرة بمحاسبة المفسدين وهذا مستحيل لأنه السبب الأول للفساد، بالتالي لا تتوقع عزيزي القاريء أن يكون هناك ثمار جيدة لشعب لا يعي مصلحته كأفراد، بل هومستمر في الإيمان المطلق بهذا الحزب وذاك التيار وكأن الإنتخاب هواختبار لدرجة الإيمان ودون أن يدرك السائق أن السيارة بحاجة لبنزين فإن أدعيته ونذوره ومفاخر الآباء "الخالدين"!! لن تحرك السيارة ولا حتى للحظة.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com