دراسة تحليلية  لتهستر الشيخ القرضاوي ضدّ التشيّع ... الدوافع والاسباب!

 

حميد الشاكر 

al_shaker@maktoob.com 

منذ حملة العلاّمة الشيخ يوسف القرضاوي التي اثارها في ايام رمضان المبارك الماضي في احدى الصحف المصرية حول مصطلح (( التبشير او التمدد او الغزو .. الشيعي )) تلك لم تزل كرة الثلج التي حركها العلاّمة  لاتريد الوقوف  على حجم وثقل معين، فالشيخ القرضاوي لم يزل على أصراره في اثارة نفس الموضوع بين الفينة والاخرة لادامة الدفع لهذة الكرة اكثر فاكثر من على منابر الاعلام المختلفة، حتى أخرها وصل الى الصحف القطرية قبل ايام  مما يدللّ على ان هناك اصرار واضح من قبل العلاّمة الشيخ على التمديد لحركة التشنج السنية الشيعية المزمنة، أن لم نقل ان هناك ارادة واضحة لتفجير الخلاف والدفع به الى نهايته من الاحتقان الموّلد لكميات عددية بمتوالية هندسية الى الوصول للنقلة النوعية في عملية الصراع والجدل هذه !.

والحقيقة ان الاسألة وردود الافعال التي اثارتها تصريحات الشيخ القرضاوي حول ( التبشير الشيعي ) أتت متنوعة من جهة، ومتضاربة او منسجمة من جهة اخرى، فهي لم تستثر فقط الجانب الشيعي المستهدف علنّا بتصريحات الشيخ يوسف فحسب، بل واثارت الكثير من المثقفين والعلماء والاحزاب والشخصيات الاسلامية ومن كافة الطوائف الاسلامية، بردود افعال متنوعة منها مندّدة تارة ومبررة اخرى، وشارحة ثالثة وداعمّة رابعة .... الى ان نصل الى سؤال مفاده : هل العملية التي ا ُريد لها ان تثور علنّا على انقاض مصطلح التمدد الشيعي هي عملية برمتها تدور بحلقة مفرغة ؟.

ام ان لهذه الظاهرة الجديدة التي يحاول الشيخ القرضاوي قيادها، لها بداية كما ان لها نهاية منظورة في الافق ؟.

في هذه الحالة من الاسألة والاجوبة لايمكننا القفز ونحن نريد تشخيص الدوافع والاسباب التي تقود الامام القرضاوي لقيادة حملته هذه من العودة والسير مع الشيخ من البداية، ومن ثم لنحلل القرضاوي كظاهرة وليس كشخص يتحرك في الفراغ لنفهم فيما بعد حركة الامام القرضاوي بكل عقلانية وبعيدة عن الانفعالات المرتجلة هنا وهناك لنلقي الاتهامات جزافا ونوزع الوصفات مجانا على هذا الطرف او ذاك بمافيهم العلاّمة يوسف القرضاوي نفسه !.

نعم لنبدأ اولا بسؤال : ماهي الاسباب التي تدفع شخصية اسلاميا للصراخ العالي من ظاهرة التمدد الشيعي في العالم الاسلامي السني، مع ان نفس هذه الشخصية لم تكن تُعير الاهتمام لمن كان يقول بتمدد شيعي او تقول بمصداقية لوجود مخطط يهدف الى تمدّد شيعي في المنطقة على حساب تقلّص سني في الماضي او في الحاضر  ؟.

الحقيقة وبغض النظر عما طرح من بعض المثقفين الاسلاميين المصريين ( الدكتور النبيل والشريف  سليم العوا ) من سؤال هل هناك في الحقيقة ظاهرة تمدد اولا ؟.، وبغض النظر عما طرح من البعض الاخر ( راشد الغنوشي ) من انسياق اعمى لثورة ( كلنا قرضاوي ) على حساب الادراك لماهية المشكلة ؟.، وبغض النظر عما طرح ( العلامة السيد محمد حسين فضل الله ) من تحويل للموضوع برمته ليسأل عن :(( وماذا عن التبشير العلماني والمسيحي ؟.)) ؟.، وبغض النظر عما طرح في المقابل لتصريحات الشيخ القرضاوي المستفزة ( الاخوان المسلمين بمرشدهم العام مهدي عاكف ) من سؤال : (( هل التمدد الصهيوني أخطر ام التمدد الشيعي ))؟.,  بغض النظر عن كل ذالك لم يكن هناك تحليل مطروح بمنطقية للاجابة على سبب ولادة مثل هذه  الظاهرة الهجومية  للقرضاويي على الشيعة بهذا الشكل العلني غير ماطرحه النائب الاول للشيخ القرضاوي في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الا وهو شيخ التقريب الاسلامي الشيخ (( التسخيري حفظه الله  )) حيث ذكر في معرض التحليل والاسباب  :(( ان هناك ضغوطا من التيارات السلفية التكقيرية هي التي ضغطت على الشيخ القرضاوي ليتبني موقفه هذا من الشيعة والتشيّع بصورة عامة ))!.

والآن هل حقا ان سبب توتر وانفعال وانزعاج الشيخ القرضاوي الانفجاري من الظاهرة الشيعية هو فحسب بسبب وجود ضغوطات سلفية تكفيرية تمارس على الامام القرضاوي فحسب كما ذهب اليه الامام التسخيري ؟.

أم ان هناك اسبابا أخرى تستحق الطرح لدراسة ظاهرة الانقلاب الكبير لموقف الشيخ القرضاوي لكننا لم نسمع او نقرأ ان احدا طرحها من قبل ؟.

اولا لنتناول مفهوم (( الضغوط السلفية )) كمدخل لتحليل موقف القرضاوي هذا ولنسأل : ما المقصود لمقولة ضغوطات سلفية تكفيرية اجبرت الامام  القرضاوي على الارتداد على مواقفه المعتدلة والوسطية في قضية المذاهب الاسلامية ؟.

وثانيا : هل ان هناك وفعلا دوافع واسباب شخصية للشيخ القرضاوي داخلة بصورة مباشرة على لعبة الارتداد تلك ؟.

واذا كانت هناك دوافع شخصية ونفسية وفردية للشيخ، فماهي نوعية تلك الدوافع الغير مكتوب فيها ؟.

*****

 

اولا :

 

(( الخليج قاعدة السلفية ))

لاريب اننا ان اردنا ان ندرس سلوك ومواقف اي انسان في التاريخ وحتى اليوم، فلايمكننا فعل ذالك بلا دراسة اولا لمحيطه الاجتماعي والجغرافي والثقافي والسياسي والاقتصادي ايضا، باعتبار ان الانسان وليد ومرآة عاكسة لمحيطه الانساني، ومن هنا فمن يريد فهم مواقف ومسالك وردّات فعل الشيخ القرضاوي فلا يمكنه في اي حال من الاحوال ان يدرس الحالة بعيدا عن محيطها المعاش، وهذا مايشرح لنا عبقرية الامام التسخيري نائب الشيخ القرضاوي في اتحاد علماء المسلمين عندما ارجع الارتدادة الخطيرة في تصريحات الشيخ القرضاوي الى حضن الاجتماع الذي يعيش فيه القرضاوي واعتبار موقفه على اساس انه انعكاس :(( لضغوط سلفية تكفيرية في الواقع الخليجي هو الذي فرض على الشيخ القرضاوي تغيير مواقفه الاسلامية المعتدلة التي كانت عالقة به منذ نشأته في المجتمع المصري المتحضر )) وهذه الرؤية بالواقع هي الاقرب للعقلانية الاجتماعية في فهم تصريحات الشيخ القرضاوي ضد التشيّع الاخيرة !.

والحقيقة ان المحيط الاجتماعي السلفي الخليجي الذي قرر الشيخ القرضاوي الانتماء له بعد تجربته المريرة في مصر، وطرده وسجنه وتعذيبه واهانته في واقعها السياسي ...، كل ذالك انعكس بشكل آخر على الشيخ القرضاوي عندما انتقل الى امارة قطر الخليجية ليجد ليس الرعاية والاحترام والتقدير والتقربة من العائلة الاميرية وغير ذالك فحسب، بل ايضا منح الجنسية القطرية وهيئت له خزينة مالية بترولية وقناة فضائية ( الجزيرة ) يشرف عليها روحيا لتكون منطلقا له ولافكاره الاخوانّية التي تحاول الوصول الى قلوب المسلمين وعقولهم ولكن بلا جدوى، وكل ذالك قدم للشيخ القرضاوي فرصة العمر الذي لاتعوّض باي حال من الاحوال، وبالفعل كانت انطلاقة وشهرة الامام القرضاوي اليوم مدينة بالفضل الكبير لدولار البترول القطري ومنصة قناة الجزيرة القطرية الفضائية، ولكنّ مافات ربما الشيخ القرضاوي والكثيرين من المتابعين لرحلته من عرش مصر الى قساوة البادية ان هناك ثمن ينبغي ان يدفع لهذا الحياة الجديدة التي خلقها المجتمع الخليجي للشيخ القرضاوي وفكره الاخواني الاسلامي، الا وهو ثمن الولاء للسلفية الخليجية والتي هي الداعم الشرعي لنظم الامارات والملكيات الخليجية العربية !.

نعم السلفية في الخليج العربي ليست مجرد مذهب ديني تعبدي يمارسه الانسان الخليجي في المسجد فحسب، وانما السلفية مثلت ومنذ قيام امارات وملكيات دول البترول الخليجي الشرعية السياسية الدينية ايضا لهذه النظم، وكان ولم يزل من يرغب بالعيش في امارات الخليج العربي عليه وبالضرورة ان يفهم هذه الصلة السياسية والدينية بين النظم السياسية الخليجية القائمة والنظام السلفي الديني الذي يمنح شرعيته الدينية لاستمرار هذه النظم السياسية بالاستمرار، مما يتطلب وبكل صراحة على من يريد ان يعاشر القوم اكثر من اربعين يوما ان يكون منهم وحسب نمطية حركة حياتهم الفكرية والثقافية والسلوكية !.

عند هذا وفي أطار هذه الرؤية الاجتماعية الخليجية بالامكان فهم التغيرات الفكرية التي طرأت شيئا فشيئا على سلوكيات الشيخ القرضاوي الفكرية والنفسية، وبالحق يقال ان الشيخ القرضاوي عندما يدرس اي باحث حياته الفكرية والنفسية السابقة سيجد ان هذا الرجل كان يعيش في حالة صراع مريرة بين مايحمله من فكر اسلامي اخواني مصري يتمتع بنوع من قبول الاخر الاسلامي، وبين مايعيشه بالواقع الخليجي الذي يفرض حتمية العيش في نمطية سلفية موحدة من الفكر وعدم الترحيب بالفكر الاخر حتى وان كان اسلاميا، وهذه الحالة هي مايشرح لنا ايضا لماذا عاش الشيخ القرضاوي شطرا من حياته داعية تقريب اسلامي، وصاحب حوار، وباني اسس لاتحاد مسلمين عالميين، وفجأة يتحول هذا الرجل نفسه الى داعية انغلاق وطرد للاخر، وصاحب مشروع احادي الاتجاه ... وباقي صفات السلفية الخليجية المعروفة !.

ان هذا الاستنتاج التحليلي الاجتماعي لسلوك الامام القرضاوي الفكري والنفسي الذي ظهر عليه مؤخرا في هجومه على التشيّع والشيعة الذي كان يرحب بهم فيما مضى، يدلل من جانب اخر ان الامام القرضاوي قرر ايضا التخلص من حالة الانفصام الشخصي الذي كان يعيشه الشيخ القرضاوي بين فكر وعقيدة وروح ونفس تنتمي للعالم المصري الاخواني القديم الذي كان مضطرا للانفتاح على الاخر الاسلامي والديني القبطي، وبين واقع الحياة الخليجية السلفية التي تؤمن بضرورة التوحد ولاتعترف بشرعية التعددية الفكرية ولاتقبل بالترحيب بالغريب الاجنبي عن فكر السلطة السلفي، ومثل هذه القرارات ليس من الصعب ادراكها على الباحثين الذين يدركون معنى صعوبة ان يعيش الانسان بشخصيتين في حياة واحدة، لاسيما ان اخذنا نموذج الشيخ القرضاوي وكيفية صراعه المرير بين التوفيق بين مايحمله من فكر ومايمارسه من سلوك سلفي، وعندهذا ربما نستطيع فهم مدى المعاناة النفسية والفكرية التي كان يعيشها هذا الشيخ العجوز من ازدواجية الشخصية لايستطيع التخلص منها الا بقرار يخرجه من هذه الحالة ليجعل سفينته الروحية والنفسية والفكرية تستقر على جانب واحد وشخصية واحدة ومنهج واحد، فكان اعلان الامام القرضاوي الاخير وتصريحاته الواضحة ضد الشيعة والتشيّع مؤشر لايقبل الشك ان الشيخ القرضاوي قد اتخذ قراره الاخير في الاستقرار على منهج وحياة ونمطية وتفكير واقع اهل الخليج العربي الذي بدوره يتخذ نفس الموقف المتشدد من قضية الشيعة والتشيّع والفكر الاخر والتعددية الفكرية،مما يشير لنا وبكل وضوح ان موقف الامام القرضاوي الاخير ضد التشيّع لم يكن سوى اعلان الامام بضرورة الانصياع الى العقل الجمعي الخليجي السلفي فحسب !.

هذه هي الرؤية التي اشار لها الشيخ التسخيري في تحليله لموقف الشيخ القرضاوي الاخير عندما انتقل الشيخ من الاعتدال والقبول بالاخر الى التشددّ ووجوب طرد الاخر والخوف منه، فوقع الاخر بثقله على التشيّع والشيعة في فكر الامام القرضاوي ليس لان الشيخ بالفعل قد تلمس خطرا وغزوا شيعيا على الحقيقة، ولكن لأن الواقع السلفي الخليجي لايرى له خطرا غير التشيّع والشيعة وايران والعراق وباقي مواقع التشيّع العالمية من منطلق ان الفكرة السلفية في القديم وحتى الان بنيت على حرب التشيّع وتقديس السلف ووجوب اقامة الحرب من اجل الدفاع عنهم، بينما نفس هذا الواقع الخليجي لايرى في اسرائيل او الولايات المتحدة او اي دولة استعمارية انها بؤرة خطر سياسية على نظم الخليج العربي، ومن هنا كان موقف الامام القرضاوي ايضا وتبعا للنمطية الفكرية الخليجية السياسية والدينية السلفية رأى ان الشيعة والتشيّع هو من قام بالفعل بالتمدد والغزو وليس اسرائيل الغازية لفلسطين ولا امريكا المتمددة والغازية للعراق وافغانستان وهلم جرّا !.

نعم ايضا عندما يقال ان هناك ضغوطات سلفية تكفيرية خليجية مورست على الامام القرضاوي لتبنّي منهجية السلفية التكفيرية والايمان بحربها الداخلية بين سنة وشيعة فحسب، فان هذا لايعني فقط ماذكرناه انفا، بل يعني كذالك ان الامام القرضاوي حاول التملص عدة مرات من الانصياع لهذا الواقع السلفي الخطير، وذهب الى مصر بزيارات كثيرة لتلمس الاجواء السياسية على امل ترحيب السلطة في مصر به وفتح المجال لمزاولة نشاطه الاسلامي في مصر بلده، ولكنه اصيب بخيبة امل عظيمة عندما كانت السلطة المصرية غير مرحبة تماما باي نشاط للاخوان المسلمين داخل اطارها، مما اضطره او دفعه لاتخاذ القرار الاخير بالاستقرار النهائي في الخليج العربي على امل دفنه في مصر اذا توفي حسب وصيته المكتوبة الان، وهذا شيئ ايضا ينعكس بشكل خطر وضاغط على مواقف الامام القرضاوي الفكرية، فهو بين نار الضغط السلفي الخليجي الذي لايقبل الا الخضوع التام لمنهجيته الفكرية الدينية، وبين نار عدم وجود ملجأ اخر يرحب به ويهيئ له امكانيات اعلامية واخرى مالية ترفع من وجوده العلمي والشعبي !.

واخيرا هناك ضغوطات من نوع اخر مورست على الشيخ القرضاوي كذالك وهي ضغوطات شخصية وعلى الصعيد الفردي والاسري ايضا، فهناك من تحدث عن تهديد مباشر لحياة الشيخ القرضاوي من قبل السلفية التكفيرية، وهذا شيئ غير مستبعد على من خبر نمطية الفكر السلفي وكيفية اخضاع مناوئيها لها بالعنف والقوة، كما ان الذي يدرك ماهية تكتلات الاجتماع السلفي الخليجي يكفيه ذالك معرفة بأن من يعيش وسط هذا المحيط من المستحيل له التفكير بغير مايعتقدونه صحيحا، ولهذا تجد ان كتم الافكار وعدم التصريح بالمشاعر بحرية، وميزة ظاهرة الصمت الطويل على افراد المجتمعات السلفية ..، كل هذه ظواهر منشأها الخوف المسيطر على دواخل وخوارج الانسان السلفي الذي يعيش داخل هذه المجتمعات المرعوبة من درّة الحاكم ودرّة الواعظ الديني، ودرّة القدر الخفي ّ.

 ****

 ثانيا :

(( الدوافع الشخصية ))

 ذكرنا ان هناك بالاضافة للدوافع والاسباب الاجتماعية التي فرضت على الشيخ القرضاوي تحوله من الاعتدال الى التشدد في مواقفه الفكرية، هناك ايضا دوافع شخصية اخرى ترفد موقف الدوافع والاسباب الاجتماعية تلك في تحوّل موقف الشيخ من قضية الشيعة والتشيّع والقبول بهم الى موقف الشيخ في الرفض المطلق لهم  الا وهو موقف ( السيطرة وقيادة التيار السلفي بدلا من الوقوف بالضد منه )!.

والواقع ان المتتبع لحياة الشيخ القرضاوي ومنذ زمن النضال الاخواني له في مصر، سيدرك ان في شخصية الشيخ يوسف صفة لايمكن غض النظر عنها الا وهي صفة ( التميّز والقيادة ) وهذه الصفة القيادية لاي انسان بما فيهم الشيخ القرضاوي اذا سيطرت على انسان ما فانه ستخلب لبه بالمطلق، مما تتحول مع الزمن وشيئا فشيئا من وسيلة يمتطيها اي انسان الى غاية توجه من حركة الانسان واساليب تفكيره الانسانية !.

فالكثير من القادة عندما تخلق في داخلهم صفة القيادة وطغيان هيمنتها اللارادية، يصبح الانسان فارضا لوجوده الكاريزمي على المجتمع من جهة وعلى نفسه هو من جهة اخرى ايضا، ولافرق في هذه الحسبة القيادية بين فرعون مصر وابراهيم العراق ع، الا من حيث ان الانبياء يملكون صفات القيادة لكنهم يسيطرون على طغيانها، بعكس فراعنة السياسة الذين يملكون صفات القيادة ولكنها تسيطر هي على وجودهم !.

نعم نحن البشر العاديين منّا من يملك صفة وكاريزما القيادة، ولكن الخوف كل الخوف هو في تضخم هذه الصفة التي يحملها اي انسان الى طاغوت داخلي يهيمن على وجود الانسان ويتحكم بحركته وشعوره وفكره ونفسه ايضا !.

ان الشيخ المحترم يوسف القرضاوي قيادي سابق في الاخوان المسلمين، وبقيت صفة القيادة تنمو يوما بعد يوم لهذا الشيخ المحظوظ حتى وصوله الى قمة الازدهار والشهرة عندما استقر في دولة قطر ولعب الدهر لعبته في تهيئة قناة فضائية عربية قوية الامداد تحت تصرفه بالمطلق، وبدت ان حياة الشيخ القرضاوي مهيئة تماما لريادة عالمية على المستوى الاسلامي فهو رئيس الاتحاد العالمي للمسلمين، والذي اسسه شخصيا فماذا بعد ريادة علماء المسلمين في مشارق الارض ومغاربها الا ممارسة السلطة ؟.

هنا وفي هذه القمة الفكرية للامام القرضاوي اعترضته مشكلتان رئيسيتان في العالم الاسلامي :

الاولى : القيادة الاسلامية في ايران ودعوتها لولاية العالم او الفقيه .

الثانية : التيار السلفي التكفيري الذي بدأ يرى في الشيخ القرضاوي نجما صاعدا ولكن ليس على المنهج السلفي !.

وبالفعل حاول الامام القرضاوي التقرب من مواقع النفوذ العليا لجمهورية ايران الاسلامية، ووصل الى قمة النفوذ الاسلامية في ايران الا انه وجد شيئا مختلفا تماما في تفكير القادة الايرانيين !.

الايرانيون اناس بدمائهم بنو امبراطورية اسسها الامام الخميني الذي يرى لافرق يذكر بين موت او حياة، مما يعني ان كل تضحياة الامام القرضاوي في سجون مصر المحروسة لاتعد شيئا يذكر امام من لايرى الموت الاسعادة، والحياة مع الظالمين الا شقاء وتعاسة، وهنا فحسب ادرك الشيخ ان الامامة المطلقة للعالم الاسلامي والذي يتوقع ان ينالها قريبا من المستحيل التحقق بوجود قيادات اسلامية شيعية بهذا التفكير من القوةّ، كما انه ادرك انه وان كان رئيسا لاتحاد العلماء المسلمين بشكله النظري والفكري فما يكون هذا امام من ملك السلطان والامبراطورية في ايران وبعده العراق واردافه في لبنان واخضع امريكا وارعب اسرائيل بقوة !.

ان من حضر المقابلة التي اجريت بين الرجل الثاني في جمهورية ايران الاسلامية والشيخ القرضاوي على قناة الجزيرة، لابد انه ادرك او شعر كيفية الحاح الشيخ القرضاوي على ضرورة ايجاد شيئ مكتوب يقرر مايريده الامام القرضاوي من مذكرة تفاهم بين جناحي الامة !.

كما انه لابد ادرك ايضا او شعر كيفية تملص الشيخ رفسنجاني من اعطاء هذه الريادة للعلامة القرضاوي، او الاعتراف به كقيادة يجب التعامل معها برسمية !.

ومن هذا اللقاء ادركنا ان هناك شيئ يتغير في نمطية فكر وسلوك الشيخ القرضاوي تجاه الشيعة في العالم والتشيّع في المنطقة على وجه الخصوص، والمتابع الجيد سيجد ان تصريحات الشيخ القرضاوي ضد التشيّع بدأت بالفعل تأخذ طريقا مختلف بعد هذا اللقاء المشهور بين الشيخ القرضاوي والشيخ رفسنجاني من على قتاة الجزيرة !.

الخلاصة : هو القول اننا نفهم من مجريات الامور ان الشيخ القرضاوي اراد ان يكون المعادلة الصعبة في العالم الاسلامي التي توصل رسالة للعالم الاسلامي الشيعي انه الوحيد القادر على مسك العصا من المنتصف، وانه وباعتباره الزعيم الروحي الكبير لعلماء المسلمين في العالم فيجب على جمهورية ايران وماتمثله للتشيّع الاسلامي في العالم ان تتعامل معه كمحور للعالم السني ومايملكه من ثقل يؤهله الى لعب دور المتحدث الرسمي عن العالم السني الاسلامي، ويجب في هذه الحالة ان يفرض شروطه اللائقة لصياغة معادلة اسلامية بين السنة والشيعة تكون له الريادة فيها !.

عند هذا الحد لم يكن من الشيعة الايرانيين غير الاعراض وعدم الاكتراث بمثل هذه المطالب الكبيرة من قبل الشيخ القرضاوي فكانت القطيعة، وكان قرار الامام القرضاوي بالطلاق مع التشيّع ثلاثا !.

نعم هناك المعادلة الاخرى في فكر الامام القرضاوي وهي معادلة (( السلفية التكفيرية )) التي ناهضت الشيخ القرضاوي كثيرا وكفرته ورمته بالضلال بسبب مواقفه المعتدلة اسلاميا في ما مضى من سنين مع الشيعة وغيرهم، هي كذالك معادلة مستعصية على الحل باعتبار انه لايمكن الجمع بالنسبة للامام القرضاوي بين القبول بالشيعة المسلمين وقضية التشيّع عندهم، وبين سلفية الخليج العربي وقبولهم بالطرف الاخر الاسلامي !.

ومن هنا نفهم ما العلاقة والارتباط في مواقف الشيخ القرضاوي بين يأسه من قيادة الشيعة، او خضوع التشيّع للمطالب الكبيرة للشيخ القرضاوي، وبين ارتماء تصريحات الشيخ القرضاوي الاخيرة في قضية (( الخطر الشيعي )) بتمدده وغزوه للعالم السني بالكلية في الاحضان السلفية، فبعد ان ادرك العلامة القرضاوي استحالة السيطرة او قيادة الحركة الشيعية في العالم المعاصر، اتجه بحركة التصريحات الى الجانب الاخر لكسبه بدلا من خسارته ايضا، فكان الشيخ صريحا عندها بانه قرر ان لايخسر الجانبين !.

تمام كانت لردّة الفعل الغير متوقعة من الشيخ القرضاوي بعد تصريحاته المناهضة للتشيع في صحيفة المصري اليوم الاثر او القشة التي قصمت ظهر البعير، فانبرى مجموعة من كبار علماء الشيعة لوضع حد لتصريحات الشيخ القرضاوي المتكررة، مما اذهل الشيخ القرضاوي نفسه، تبعها موقف شبه رسمي لجمهورية ايران الاسلامية من صحيفة مهر الايرانية اربكت الشيخ بقوة، ودفعت برسالة شيعية شيه تيار حرّك الكثير من الاطراف ضد الامام القرضاوي، مما اغلق الباب ونهائيا من امكانية عودة الامام القرضاوي عن توجهاته الجديدة ضد التشيّع !.

وهذا ايضا مايوضح لماذية اصرار الشيخ القرضاوي على تكرار موقفه بين الفينة والاخرى في الصحف والاعلاميات العربية والاسلامية كلما هدئت الموجة، باعتبار انه لاخيار بعد هذه الهوجة للشيخ القرضاوي من العودة للمربع الاول، ولاامل بفتح حوار يضمن من جديد ماكانت تتميز به شخصية القرضاوي من قبل بالاعتدال والانفتاح على الاخر  !.

نعم ان تفكير الشيخ القرضاوي بقيادة التيار السلفي العالمي بعد نكث يده من امكانية الرجوع مجددا لحضيرة الاعتدال الاسلامية ليس بالشيئ السيئ بالنسبة ليّ شخصيا على الاقل، فهذا التيار السلفي التكفيري من احد مشاكله العظيمة انه تيار لارأس له ولامرجعية  في التاريخ وحتى اليوم، لذالك هو يجتهد دائما ويتضارب بشكل عجيب غريب مما يّوقعه بكوارث ودماء وتناقض وتضارب لامثيل لها في باقي التيارات والمذاهب الاسلامية الاخرى، وماهذه الظاهرة في التيار السلفي الا بسبب عدم وجود القيادة الموحدة لهم، وعدم اجتماع قياداتهم على رؤية تنسق من تحركهم المتشتت دائما بقدرة الله وحكمته، وعند هذا عندما يأتي رائد كالشيخ القرضاوي بعلمه وحكمته المعروفة ليقود هذا التيار فعلى الاقل نحن نكون اكثر امانا من هلوسات هذا التيار اذا كان تحت قيادة من هو على الاقل معروف بالعلم الشرعي الاسلامي  !.

لكنّ قبل ان نقررقيادة الامام لهذا التيار الصعب الاخلاق، علينا ان نجيب عن سؤال : ماهو الشرط الاساس الذي تعتبره السلفية الاسلامية شرطا اساسيا لقيادتها الفعلية في العالم اليوم ؟.

الجواب : ان الشرط الاساس هو تبني منهج وفكر السلفية التاريخية والحديثة بكل مبادئها المعروفة، واول هذه المبادئ تقديس الصحابة وتكفير من ينتقدهم واظهار العداء الشديد للتشيّع باعتبارهم اهل ضلال وبدع !.

وهذا بالضبط ماطرحه الامام القرضاوي في تصريحاته الاخيرة ضد المدّ الشيعي، فهو تخوّف من الشيعة وطالب بعدم سبّ الصحابة، وترك البدع واتهام الشيعة ..... بكل ماكانت السلفية التكفيرية ترفعه بوجه الشيعة والتشيع ويمتنع عن اعلانه الامام القرضاوي علنا في الماضي، مما يشير وبكل قوة : ان الامام القرضاوي قرر تبني المبادئ السلفية ليعلن وبشكل صريح صلاحيته لقيادة التيار السلفي بالعالم بلا ادنى تحفظ من قبله على مبادئ افكارهم المعروفة !.

اذن من ضمن ادراكنا لتصريحات الشيخ الاخيرة نفهم ان هناك دافع وسبب( طمع ) الشيخ الامام القرضاوي بقيادة التيارات السلفية في العالم الاسلامي في لبنان وفي الخليج وفي مصر وفي المغرب العربي وباقي اقطار الدنيا، من منطلق انتقاله بغير تحفظ الى تبني افكارهم ومبادئهم العقدية التي تتميز بلون خاص من الوان التفكير الاسلامي المنغلق، وهذا كله لايتوفر بلا تهيئة الارضية التي تقنع السلفيين بلا ادنى ريب من ادانه للشيعة واتهامهم بالبدع والتمدد على حساب التسنن وقولهم بالقرءان .....الى اخر هذه العناوين المتكررة في ادبيات الفكر السلفي ضد الشيعة، وهذا مافعله الامام بالتمام !.

تمام كانت هناك دوافع نفسية واخرى شخصية وراء حركة وتصريحات الشيخ القرضاوي الاخيرة تختصر كل ما استهدفه الشيخ القرضاوي من انقلابه الكبير على الاعتدال فيه، كما انه كانت هناك دوافع واسباب اجتماعية ايضا ذكرناها على تعقيبنا لمقالة الشيخ التسخيري بوجود ضغوطات سلفية تكفيرية على الشيخ دفعته للتحول من رحمة الاعتدال الى جحيم وألم التشددّ والعصبية !.

******* 

الحقيقة انه بامكاننا ايضا من خلال هذه الدراسة ان نبحث في ماهية الشروط التي وضعها الشيخ القرضاوي للتقريب مرّة اخرى بين السنة والشيعة لاسيما شرط (( عدم التعرض للصحابة بسوء )) وكيفية ان هذا الشرط منطلق من ذهنية دين السلطة وليس سلطة الدين، لندلل على ان مثل هذه الشروط التي يطرحها الشيخ القرضاوي لعملية التقريب بين المذاهب، ماهي الا وجه اخر من وجوه عدم ادراك الواقع الشيعي واختلافه عن الواقع السلطوي السني، فالشيخ القرضاوي وباعتباره ينتمي الى دين السلطة السني التاريخي يعتقد ان التشيع والشيعة هم ايضا اناس خاضعين لدين السلطة الشيعية ومن هنا اعتقد ان قرارا سياسيا مكتوبا بعدم التعرض للصحابة الكرام ينهي مشكلة سب الصحابة عند الشيعة باعتبار ان السلطة ستعاقب من يتعرض للصحابة الكرام بسوء !.

لكنّ الحقيقة الشيعية التي لم يستطع فهمها العلامة القرضاوي غير ذالك تماما، فالتركيبة الاجتماعية والفكرية الشيعية تؤمن بحرية الفرد بالعقيدة، كما ايمانها بان السلطة الفعلية للدين وليس للدولة والحكومة حتى تكون هناك امكانية للحجر على التفكير وعقول الناس والتعبير عن مافي داخلهم عقليا، ومن هنا فمن المستحيل في الاجتماع والتركيبة الشيعية ان تكون هناك سلطة للدولة على افكار الناس ومقرراتهم الايمانية، وحرية العقيدة والتفكير في المعتقد الشيعي مكفولة دينيا وليس حكوميا، فمن حق المؤمن الشيعي، بل وحرام عليه ان يقلد في الاصول الدينية غير اجتهاده الشخصي ومهما كان بسيطا، بمعنى ان الامامة مثلا وهي السلطة الدينيا والسياسية العليا بعد النبوة يجب ان يدركها الفرد الشيعي ويؤمن بها من خلال اجتهاده الشخصي الخاص ولايقلد فيها سلطان او عالم، ومثل هذا الفكر وهذا الايمان لايمكن الحجر عليه او وضع شروط تقيد من انطلاقه في البحث والنقد والتقييم وهذا مالم يفهمه الشيخ القرضاوي عن تركيبة المذهب الشيعي الفكرية والعقدية والاجتماعية، لذالك هو طالب بوجوب وضع شرط يجرّم سب الصحابة لعملية التقارب المذهبية وهذا مستحيل في العرف الشيعي !.

نعم بامكاننا تناول الكثير مما اثاره الشيخ القرضاوي من زوبعته الاخيرة ضد التشيع ولكن مخافة الاطالة اكتفينا بذكر الدوافع والاسباب فحسب ونرحب بكل انتقاداتكم ومقترحاتكم وافكاركم التي ترى ابعاد اخرى غير ماذكر عن هذه الظاهرة التي خلقت القرضاوي ولم يخلقها هو مع الاسف !.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com