المكونات الكبيرة تبتلع المكونات الصغيرة بتصويت البرلمانيين الأشاوس

 

أحمد رجب

 ahmad.rustom@comhem.se

في الفترة الأخيرة وفي جلسة من جلسات مجلس النواب أقدم البعض من (البرلمانيين الديموقراطيين  الأشاوس) على حذف حصة أهم وأقدم مكونات الشعب العراقي في قانون إنتخابات مجالس المحافظات بدوافع التعصب الديني والقومي لإقصاء الذين تعرضوا في السابق والحاضر للعديد من حملات الإبادة الجماعية من قبل الأعداء والأنظمة الدكتاتورية الشمولية والقوى التكفيرية الظالمة بغية تصفيتهم والإستيلاء على قدراتهم وممتلكاتهم.

أن حذف المادة (50) الخاصة بنظام الكوتا من قبل المكونات الكبيرة يعتبر ناقوس خطر لهضم حقوق المكونات الأصيلة التي ساهمت في بناء الحضارة الإنسانية قديماً وفي بناء العراق حديثاً، ومن المؤسف أنّ الأكثرية البرلمانية قد صوّتت بأغلبية ساحقة على إلغاء هذا النظام، وانّ هذه المكونات تشكل نسبة لا يستهان بها، وعاشت جنباً إلى جنب مع بقية مكونات الشعب العراقي، وهي تعتز بإنتمائها للوطن.

انّ إلغاء حصة القوميات (الكوتا) في قانون انتخابات مجالس المحافظات تحمل في طيّاتها إبعاد المكونات الصغيرة، او بالأحرى إبعاد الكلدان الآشور السريان والإيزديين والصابئة المندائيين من العمل داخل مجالس المحافظات، وعدم تمتعهم بالحقوق المدنية والسياسية وهو في الأساس يعني الإقصاء والإنتقاص من حقوقهم التي يضمنها الدستوروكل المواثيق الدولية والإتفاقيات التي تخص حقوق الإنسان، وحقوق القوميات التي تعيش معاً دون التفريق بين صغيرها أو كبيرها، وانّ إلغاء المادة (50) أي (الكوتا) قرار مجحف يرفضه كل الأخيار والأحزاب الوطنية والقوى التقدمية من جانب، وتصفق له الجماعات المرتبطة بالبعثيين والزمر التي تعمل بإيحاء من أعداء العراق الديموقراطي الفيدرالي.

انّ مؤيدي قرار حذف المادة (50) يعلمون بانّ أبناء المكونات العراقية الصغيرة ""الاقليات"" كانوا ولا يزالوا مخلصين ومرتبطين بأرضهم وعاداتهم وطقوسهم وبوطنهم، وهم قد أغنوا المجتمع العراقي بتاريخهم المشّرف ونضالهم المستمر وثقافتهم المضيئة، وهم يعملون كما كانوا في الماضي من أجل إرساء وتثبيت دعائم المجتمع المدني، وتقوية أواصر الاخوة مع أبناء القوميات العراقية الأخرى، ولكن بالمقابل تصطدم هذه المكونات بعوائق، وممارسات شوفينية وعنصرية تنتهك حقوقها إلى حد كبير بدعم ومباركة بعض الأحزاب السياسية التي تعمل بجد ونشاط من أجل جمع المال بطرق غير شرعية.

لقد تعّرض أبناء المكونات الصغيرة على مدى التاريخ القديم والحديث إلى الحروب والكوارث التي أدّت إلى فقدان قسم كبير منهم، وقد حاول الأعداء إزالتهم والقضاء عليهم باسم الدين تارة، وباسم عدم الإنصياع للذين أرادوا لهم المذلة والخنوع تارة أخرى، وفي ظل الحكومات الرجعية والدكتاتورية البغيضة تعرض الشعب العراقي بصورة عامة إلى قمع وأضطهاد ومصادرة حرياته الأساسية في التعبير السياسي والثقافي، وأبناء (الأقليات) بصورة خاصة لعدم تمكنهم في التعبير عن معتقداتهم وإستمرار الضغط عليهم من كل الجهات لقبول الإنتهاكات التي تقلل من شأنهم ووزنهم، وبعد سقوط الطاغية صدام حسين ونظامه العروبي تعّرّض هؤلاء الأصلاء إلى حملات قسرية منّظمة وقتلهم في وضح النهار من قبل السلفيين والتكفيريين والصداميين بمساعدة لوجيستية ومخابراتية من الدول المجاورة للعراق ذات الأنظمة الدكتاتورية والشوفينية والرجعية بهدف زعزعة الأوضاع المأساوية للعراقيين أكثر فأكثر، وذلك بإستخدام مختلف الأسلحة، كالمسدسات والرشاشات والأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة إبتداءً من القتل الفردي في البصرة والعمارة وبغداد والموصل، فمن قتل النساء المسيحيات والإعتداء على الصابئة المندائيين وحرق دور العبادة الخاصة بهم، إلى حرق كنائس المسيحيين في بغداد والموصل وكركوك والقيام بجرائم الإبادة الوحشية للإيزديين بتفجير أربع سيارات مفخخة في تل عزير وسيبا شيخدري في قضاء شنكال، والتي أدّت إلى إستشهاد وجرح وسقوط أكثر من ثمانمائة شخص من الأبرياء.

انّ نظام صدام حسين المنهار لم يستطع حل القضية الكوردية في العراق بالأساليب الديموقراطية على أساس الإقرار بحق الشعب الكوردي في تقرير مصيره بنفسه، وصيانة حقوق القوميات الأخرى الإدارية والثقافية في نصوص دستورية واضحة، كما أخفق في حل المسألة الدينية والطائفية من منطلق الإعتراف بحق كل أصحاب دين أو طائفة في أن يعيشوا وفق منطق الدين والطائفة التي ينتمون إليها، بما لا يخل بالمصلحة الإجتماعية العامة.

من الضروري أن يتمتع العراقيون جميعاً وخاصةً أنّ العراق يتجه إلى إعتناق الديموقراطية بالحقوق المدنية والسياسية دون إستثناء من أجل بناء عراق ديموقراطي فيدرالي مزدهر، وأنّ أي إهمال لحقوق القوميات الصغيرة أو (الأقليات حسب تعريف مجلس النواب الدارج) يعتبر كارثة للديموقراطية والحياة البرلمانية.

لكل ما سبق يستنتج بأنّ نظام الحصص (الكوتا) ضرورة لا بدّ منه لوصول المكونات الصغيرة إلى تبوأ مراكزها، والكوتا يمنع إحتكار الفئات ذات التوجهات الشوفينية، أو المعاكسة لتوجهات القوميات الأخرى من فرض الإرادة، لأنّ الكوتا نوع من التوازن الديموقراطي بين مختلف الفئات، أي بين القوميات الكبيرة والقوميات الصغيرة.

ان إلغاء المادة (50) الخاصة بتمثيل مكونات أساسية وتاريخية للشعب العراقي يضر بلا شك بمسيرة الديموقراطية المنشودة، وبالمصلحة الوطنية، وهو تكريس لنهج لا يخدم بتاتاً بناء عراقي ديموقراطي إتحادي قوي يقف في وجه قوى الظلام والجهل والغل الشوفيني.

ان بعض الإتجاهات السياسية، ومنها إتجاهات إسلامية في مجلس النوّاب العراقي مارست في الحقب الماضية، كما تمارس الآن من خلال العمل سياسة إرضاء طرف، وإلغاء وإقصاء طرف آخر، وهذا العمل يعمق بشكل أو بآخر الفجوة بين القوميات المختلفة، وإنطلاقاً من مقولات التاريخ، ومسيرة العمل الأخوي بين مكونات الشعب العراقي أجمع، نتلمس بأنّ التجاوز والإلغاء والترفع عن التنسيق يعني عدم الإعتراف بأخوة المسيرة ممّن شاركوا معاً بقدر أو بآخر في عملية إنقاذ العراق من عذاباته ومن السلطة الفاشية، وانّ الإصرار على إلغاء الكوتا أمر لا يتقبله كل مخلص شريف لوطنه ومبادئه الإنسانية من الذين يرون بأنّ الشراكة مع أبناء المكونات الصغيرة تخدم التوجهات الصحيحة نحو بناء البلد على أسس الإخاء الوطني والسير به نحو الديموقراطية والحياة البرلمانية الحقيقية.

علينا جميعاً المشاركة مع أبناء القوميات الصغيرة ""الأقليات"" في التظاهرات الجماهيرية والمطالبة بإعادة حقوق هذه النخب الجميلة في الموزاييك العراقي، ومن دون شك أن قوة أصواتنا ستسهم بالتأكيد مساعدة أعضاء مجلس النواب للنظر في هذه القضية التي ما لم تحل بشكل ديموقراطي وسلس تسوق البلاد نحو تأجيج الصراعات التي تعيق المسيرة الديموقراطية للعراق، وأن واجباتنا الوطنية والإنسانية تدعونا للعمل السريع، وتكثيف فعالياتنا وتسخير كل ما نملك لإعادة الحقوق إلى أصحابها.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com