|
خالص جلبي – من الديناصورات إلى آخر الحضارات!! سهيل أحمد بهجت نشر الكاتب "خالص جلبي" مقالا في جريدة الأهالي العدد 269 بعنوان (هـل هي نهاية أمريكا)؟ و المقال هو الجزء الأول من إثنين، غير أنني قررت أن أكتب حول هذا المقال دون أن أنتظر القسم الثاني، فالكاتب لم يترك للقراء مجالا لتوقع أي شيء جديد من خلال الإجابة على عنوان المقال الذي صاغه على شكل سؤال، و إذا كان الكاتب ظن نفسه حكيما قادرا على الحكم على مصير أمة عظمى كالأمة الأمريكية بمجرد استشهاده ببضعة أسماء أو صيغ تراثية، فهو مخطيء بالتأكيد، لأن عوامل الأزمة الاقتصادية الأمريكية ليست مسألة "غضب إلهي" كما يحلو للكاتب و للملالي – المصابين بداء الكره – أن يصوروه. حكومة الولايات المتحدة تسمي ما حصل من إفلاس للبنوك و بعض الشركات بالأزمة خوفا منها من أن يغضب الشارع الأمريكي و المواطن الذي يمتلك حق الإطاحة بالحكومة عبر الانتخاب و الطرق الدستورية، بالتالي فإن الأزمة لا تعني أن أمريكا كدولة في خطر و إنما لحرص الحكومة على أن لا يعاني المواطن، فكاتبنا العزيز خالص جلبي لا يتكلم ببنت شفة عن أنظمة الخليج و الدول العربية "الميتة" و يذهب بالمقابل متنمنيا سقوط رمز من رموز الديمقراطية واصفا إياها بكل قبيح، و هذا لعمري كارثة، فإذا كان حكماءنا و مثقفونا من هذا النمط الموبوء؟ فكيف بالمواطن البسيط المعدوم الثقافة؟ اكتشفت السبب الحقيقي لرواج مقالات كاتب خدع الجمهور بعبارات الوسطية و العقلانية و الحوار ثم و على حين غفلة كشف عن حزنه العميق لإسقاط أقبح نظام عرفه التاريخ – البعث الصدامي – و محاولا أن ينتقم من أؤلئك الذين أسقطوه و كأن إسقاط نظام قائم على الدم و الجماجم هو جريمة؟. بعد عنوان المقال (هل هي نهاية أمريكا)؟ يجيب الكاتب: والجواب إن الديناصورات اختفت من وجه البسيطة، وأمريكا ليست أصعب في الاختفاء من الديناصورات اللاحمة؟.. "نهاية الاقتباس"، نقول متسائلين، هل من صياغة علمية لهذا الجواب و ما هو وجه المقارنة بين حيوانات انقرضت دون أن تشعر بذاتها حتى كمخلوقات و بين حضارة إنسانية امتلكت ناصية العلم و الديمقراطية متجسدة في نظامها السياسي المتكامل و منعكسا على تطورها الاقتصادي و التكنولوجي و العسكري، و إذا كان العالم مليئا بالحساد فالذنب ليس ذنب الولايات المتحدة التي لم تكن يوما ما دولة استعمارية كروسيا و بريطانيا، فلماذا يسكت الجميع عن العملاق الروسي و يتمنون الموت لأمريكا؟ الجواب البسيط و السهل – و هو ليس أكثر بساطة من جواب خالص جلبي على سؤاله الخطير – هو أن روسيا تدعم الأنظمة الدكتاتورية و الفاسدة التي تلتهم شعوبها التهاما، كذلك بريطانيا التي تستطيع التفاهم مع أنظمة الطغيان رغم بعض مواقفها المشرفة و الداعمة للديمقراطية. يضيف الكاتب قائلا: في نهاية سبتمبر 2008م أعلن بوش النفير العام، وقال في خطاب عام، أن سفينة أمريكا مهددة بالغرق، وأن عليها حشو خرق السفينة بـ 700 مليار دولار على الأقل؟ وهي حكايات أشبه بالخرافات، لذا علينا الاستعانة بكتب الخرافات، فقد كتب (إيسوب) في القرن السادس قبل الميلاد كتاباً عن (الخرافات) فقال: زعموا أن ضفدعتين سكنتا في بركة، فجفت بحرارة الصيف، فتركتاها وذهبت للبحث عن سكن آخر، وأثناء البحث عثرتا على بئر عميقة تترقرق المياه في قاعها. قالت إحداهما للأخرى: اقفزي بدون تردد فتكون لنا سكنا لأولنا وآخرنا. قالت الثانية بحذر أكبر: ولكن افترضي أن الماء جف، كما حصل مع بركتنا الأولى فكيف سنخرج من هذا الجب العميق؟ يقول إيسوب: لا تفعل شيئا دون النظر في العواقب. "نهاية.." إنه يريد الحكم على أزمة اقتصادية عالمية بحكم إيسوب التي كتبها للأطفال و ما يجهله السيد جلبي هو أن الحضارات و النظم الحديثة ليست من صنف حكام آل سعود و البعث و ملالي قم و طهران الذين يديرون السياسة و الحكم و الأنظمة الاقتصادية من خلال الروايات و التنبؤات و رؤى المشعوذين، فالموضوع كله لا يعدو كونه حقيقة غابت عن العقل التجريبي و نظم الأبحاث و سيتم تجاوز تلك الأخطاء و إذا كان هناك من سيعتبرني مبالغا في التفائل فالجواب هو أنني لعلمي بأن النظام الاقتصادي الأمريكي لا تتم إدارته آليا و بتوجيه من "جلالة الملك خادم الحرمين"!! أو "مفتي الديار السعودية و المصرية"!! أو "البطل القومي"!! أو "سماحة الولي السفيه"!!.. و إنما عبر نظام ديمقراطي تم إقامته من قبل أُناس منتخبين، و كمال قال سيناتور أمريكي قبل أقل من مائة عام: قد لا تضمن الديمقراطية الرفاه الاقتصادي..!! لكن الدكتاتورية تضمن الفشل الاقتصادي..". هذا هو الفرق بين أنظمة الظلم و الجور و نهب الشعب بثرواته و بين الأنظمة الديمقراطية القائمة على حقوق الإنسان و الفرد و حريته في التعبير، و لكن فنستمر مع الكاتب خالص جلبي لنرى إلى أين سنصل، يقول: "فأما سيء الذكر، الألماني الأصل، (رونالد رمسفيلد) الذي يذكر بآبائه النازيين، فقد مضى غير مأسوف عليه.. ومصير بوش سيكون مثل فرعون وهامان وقارون وكلا أخذنا بذنبه؟ ويقول منظر علم الحرب (كلاوسيفيتس Clausewitz): 'لا يوجد سوى عدد قليل جدا من الرجال القادرين على التفكير والشعور بما هو أبعد من اللحظة الراهنة وهؤلاء هم الاستثناء' والسياسيون في العادة مصابون بالحول لأنهم يحدقون في أرنبة أنفهم فيكبوا على مناخرهم حصائد نظرهم القصير.." – "نهاية الاقتباس". هنا نحن أمام خطيب أو واعظ لا يختلف في التعبير قط عن أي واعظ و تبدو لنا الصحيفة "اللبرالية"!! التي نشرت المقال كأي منبر من منابر النفاق و الدجل، و ما أكثرها في عالمنا الإسلامي، و لاحظ معي مدى فشل المقارنة بين فرعون و جماعته و بين بوش الرئيس المنتخب ديمقراطيا و لمرتين على التوالي، ثم يقفز بنا الكاتب فجأة ليستشهد بكلام منظر الحرب الألماني الذي خبر الحرب القديمة دون أن يدرك أن أؤلئك السياسيين "المصابين بالحول" أسقطوا نظام القهر الذي حكم العراق 35 عاما بالنار و الحديد و أفشل ثلاث انتفاضات شعبية و خاض ثلاثة حروب و بدد مليارات الدولارات، سقط خلال 21 يوما فقط، و إذا كانت هناك أخطاء في السياسة الأمريكية فإن "ملالي آل سعود" ينسبون إلى النبي ما هو أقبح من فعل أسفه جندي أمريكي صادف وجوده على أرص العراق. هذا الرجل يتكلم بالعاطفة و المشاعر لا بالمنطق و العقل كما سنرى، يقول الكاتب: "ولكن المشكلة أكبر من بوش المقبل على الرحيل، أو رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي السابق، سيء الذكر، الملطخ من مفرق رأسه إلى أخمص قدمه بالدم والقذارات، فأمريكا كما وصفها (باتريك سيل) في مقالته في مجلة (العالِم) التي نشرت قبل عدة سنوات تواجه: 'أزمة مالية خانقة تأخذ أبعاداً كارثية وقد تكون مقبلة على انهيار اقتصادي كبير مشابه للذي حدث عام 1929 م). وهذا يعني أن أمريكا ومعها العالم يدخل منعطفاً جديدا." – نهاية الاقتباس – هنا قفزنا من العسكر إلى الاقتصاد في طرفة عين و دون أن يكون هناك أي رابط بين الموضوعين، و يبدو و كأن باتريك سيل (حفظه الله و رعاه) لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه و ما دام الرجل تنبأ بعودة الولايات المتحدة إلى سنوات الكساد فهو "الخبير البصير" و لكن لو كان باتريك سيل نفسه أعلن تفاؤله حول هذه الأزمة لكان الكاتب اعتبره "من المغضوب عليهم"، و لكن باتريك سيل هذا لا يختلف مزاجه عن مزاج أمثال "رامزي كلارك" أو "جورج غالاوي"، الذي يسميه العراقيون "جورج علاوي" على سبيل النكتة، من المتعاطفين مع أنظمة الطغيان الشرق أوسطية، بالتالي لا غرابة في أن يحلم هؤلاء بأحلام سيئة تجاه أمريكا بل و يتمنون سقوط الغرب كله. بعد ذلك يتوجه الكاتب نحو ابن خلدون المنظر الواقعي لأنظمة الجبر و القهر فيقول: وبتعبير (ابن خلدون)' وإذا تبدلت الأحوال جملة، فكأنما تبدل الخلق من أصله، وتحول العالم بأسره، وكأنه خلق جديد، ونشأة مستأنفة، وعالم محدث، فاحتاج لهذا العهد من يدون أحوال الخليقة'. إن العالم يدخل مرحلة جديدة تذكر بوضع روما بعد معركة زاما عام 146 ق. م وتفرد قوة واحدة في العالم القديم، حيث اعتبر (أوسفالد شبنجلر) في كتابه (أفول الغرب) أن نهاية (قرطاجنة) أعلنت نهاية (روما) فانتهت الجمهورية لتتحول إلى دولة استعمارية.." نهاية الاقتباس" إن حرب العراق و أفغانستان اللتين يريد الكاتب بينهما و بين معركة زاما و التي تغيرت بعدها روما إلى الانحلال، لا يمكن لهذه المحاولة أن تنجح، و إذا من حق الكاتب أن يخمن عن مستقبل سقوط الولايات المتحدة فهو كامتلاك أي واحد منا الحق في التنبؤ بنهاية العالم، فعطسة الاقتصاد الأمريكي أصابت العالم ليس بالزكام فحسب بل و الشيزوفرينيا و الكوليرا، فالعالم أجمع يعتمد على الثقل الأمريكي و سقوط هذه القوة لن يكون بالأمر الإيجابي إن لم نقل أنه سيكون كارثة حقيقية و حينها لن يتمكن خالص جلبي من الكتابة و النشر عبر الإنترنت و ربما بالكاد يكتب على العظام لأن الإنترنت "بدعة" أمريكية. يقول أيضا: "وهو التحول المورفولوجي الحالي الذي يتلبس أمريكا مثل الشيطان، فبعد إعلان و(ويلسون وودرو) بفقراته الـ 14 عن حرية تقرير المصير للشعوب، قاموا بتسليم الشرق الأدنى لقصابين، هما مارك سايكس البريطاني المعلون الذي التهمته فيروسات الحرب، وجورج بيكو الفرنسي المخنث، فقطعونا بأشد من أنياب ذئاب منغوليا، بعد أن قضوا على الدولة العثمانية، بيد أبناءها من مجرمي الاتحاد والترقي.. " – نهاية الاقتباس – هنا انتقلنا من الواعظ الذي يقيم في الجامع مع زوجاته الأربع و يأخذ راتبه من السيد الرئيس و الملك "حفظ الله كلاهما" لنجد أنفسنا أمام بطل قومي عـروبي يوزع علينا خطابات الثورة العربية و المؤامرات التي تتعرض لها قطعان الأغنام الإسلامية العربية في خطاب قومي عاطفي يذكرنا بأيام صدام حسين و البعث و حروبه التخريبية، إنها فوضى المنطق أو منطق الفوضى و كلا العبارتين صحيحة، فالسيد خالص لا يمتلك – على الأقل في هذا المقال – منطقا سياسيا أو فكريا و المقال لا يصلح حتى أن يكون فوضى شعر سياسي، إنها بالأحرى أوهام شيخ مقلد يتمنى سقوط "الكفار و الصليبيين"!! كما يرددون دوما. يضيف جلبي قائلا: ويعزي شبنجلر سبب تمدد روما في حوض المتوسط إلى فقدان قدرة (تقرير المصير) عند شعوب المنطقة أكثر من حيوية روما، فأصبحت غنائم وأسلاب لكل نهاب أثيم. وهو الذي يفسر استرداد الإسلام المنطقة بمعارك رمزية في القرن السابع الميلادي لأنها وجدت شعوبا ترحب بقدومها. فيدحر سعد فارس وخالد بيزنطة بكل حشودهم، حيا الله الاثنين من أبطال الإسلام، الذين أدخلونا بوابة التاريخ؛ فنذكرهم ونحن نبكي لحالنا.. مقابل ما فعل بنا الجاسوس فيليب ولورنس والشقراء الأفعى مس بيل وآخر من شكلهم أزواج.." – نهاية الاقتباس. مرة أخرى يعود بنا إلى مفاخر "الفتوحات الإسلامية"!! حينما كان أؤلئك المحررون يأخذون بنات الشعوب الأخرى سبايا – على عكس الأمريكيين الذين أحضروا نسائهم الجميلات معهم – و هذه العبارات إشارات صريحة لتمجيد العنف و "المقاومة" النتنة في المنطقة، بمعنى آخر فقد قرر الكاتب أن لا لوم على المسلمين، عدا كونهم مقصرين لأنهم ليسوا عنيفين كفاية، و أن اللوم كله يقع على رقاب الأمريكيين، و ما مقاراناته بين الإمبراطورية الرومانية و الولايات المتحدة إلا انعكاسا لعقل "آل سعود" المريض الذي روج لهذه المقارنات، بل إن آل سعود مولوا صانعي برامج أمريكية – مستغلين الحرية – للترويج لنظرية تشابه المصير بين الإمبراطوريتين، و هكذا فهم يحلمون أن يقوم "بطلا الإسلام السعودي" أسامة بن لادن و أيمن الظواهري بدور سعد و خالد "البطلين"!!. و بعد أن يتمرغ طويلا في التفلسف في فلسفة التاريخ، يحاول إقناع القراء عبر تخصصه الطبي – و الشهادة الطبية لا تكفي كتقييم للأفراد كما أن الظواهري كطبيب إرهابي خير مثال على ما نقول – فيقول: "ونحن نعلم في الطب، أن من يصاب بعرطلة وضخامة في الذقن والحواجب والأطراف، فهو دليل ورم في الغدة النخامية، يسمى (مرض ضخامة الأطراف Acromegaly) يجب أن يوقف بفتح الجمجمة، وإدخال مادة الراديوم لمكافحة الورم.. وأمريكا مصابة بورم سوف يقضي عليها، كما يقضي ورم الغدة النخامية على صاحبه، ولكن هذا لايعترف به المريض، ولا من لا يفقه سنن الطبيعة ويعي قوانين التاريخ وعلم الطب، كما في خروج قارون على الناس بزينته؛ فقال الذين لايعلمون لولا لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم، وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون.. وفي النهاية خسف الله بقارون الأرض.." – نهاية الاقتباس إن قوانين الأمم و الشعوب – كما أعمارها – تختلف كليا عن تلك القوانين التي تحكم جسد الإنسان الفرد، بل إن الصورة في النظام الديمقراطي تختلف كليا عن جسم الإنسان الذي يبدو فيه الدماغ الموجه الفعلي و الحقيقي للجسد ككل، ففي الديمقراطية الشعب هو الذي يقوم بإعطاء التوجيهات إلى الحكومة و بالتالي يكون الحاكم على الأغلب مجرد منفذ، و كم من حكومات ديمقراطية سقطت بعد نزع الثقة عنها، أما أنظمة الشرق الأوسط المتخلفة فهي التي تريد التشبه بالجسم البشري كتبرير لإقامة مجتمعات الطغيان. أخيرا نقول للدكتور خالص جلبي أن فألكم سيخيب قريبا كما سنرى، لأن الديمقراطية تنهض دوما رغم الكبوات و المشاكل و العثرات، فالملالي يصرخون و يصمون الآذان و قافلة الحضارة تسير.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |