|
"عراقي" العالم
س.ع.ن في صيف السنة الاخيرة من عقد السبعينات تخرج "عراقي" من الجامعة التكنولوجية حاملا شهادة البلكوريوس الكهربائية وكلهيب صيف الحار كانت الاحداث تنتظره بحرارة اكثر. كان "عراقي" من الطلاب المتميزين والعاشق لاختصاصه بجنون قيس لليلاه، دوائر وشبكات وتصاميم ومشاريع كانت جل اهتمامه في كهربائه السعيد. التحق مكلفا لاداء خدمة العلم والتي أهم من علمه لا برأيه او اختياره لكن برأي المهندس الاكبر والمهتمين بشؤون الجبهات والعريف جاويد. كان "عراقي" يجوب البلاد من ثكنة الى اخرى ومن رعيل الى رعيل ومن جبهة الى اتعس منها، قواعد وافواج وكتائب كانت جل همه في جيشه الجديد. وقد كان والهم شاغله كالشلو بين مخالب الاسد، متعب الفكر، مشغول البال، مجهد الحال، ايامه ترميه من حال الى اتعس حال، شهداء واسرى ومفقودين كان جل عيشه النكيد. دعاه من يعرف ثقله في الالكترونات الى الترحال عبر بحار الافرنجة الى مأوى العالم الحديث حيث محبيه، اقمار ومحطات وفضاء والذي جل مناه الوحيد. فرار من التكليف ونزع ملابس الجندرمة وهروب من عالم الحروب الى الحرية ولبس الحرير الدمسقلي مسألة لا تغتفر لا برأيه او اختياره، لكن برأي الاخ الاكبر والمهتمين بشؤون الفارين من الوغى ومن قبضة السلطات وبعض الرفاق الاجاويد. سنة مضت فاذا سألت عن ذلك المهندس لفار لوجدته في احدى الولايات الذهبية ذات التقنيات الحديثة مدير لبرامجيات هموم العصر الحديث والقديم منها يعمل بلا كد وبجهد جهيد. وفي ربيع الثالث من عقد القرن الجديد اتت اليه بشرى الخبر السعيد باستيطان احلامه السعيدة في بلد احزانه التليد. كان "عراقي" افرنجي الطباع فرنسي الرومانسية جيرماني المواعيد انكليزي النبل وعربي الاصل والشجاعة عراقي السخاء والحنين الظاهر منه والباطن وهو جل حياته في طبعه الفريد. هزت مضاجعه حنينه الى اهله، بلاد الرافدين، نصب الحرية، دجلة والفرات، موصل الحدباء، بابل الفيحاء، كربلاء الحسين، بصرة شط العرب والعشار، نواعير هيت وسد حديثة وكثير منها وكثير بروحه تعيش حيث كان جل حبه القريب منها والبعيد. تجول في شوارعها وعانق حائط نصبها وشرب من دجلتها وفراتها، فرحا مسرورا يكاد قلبه يخرج لولا بعض من كان من محبيه القدامى مرافقا لتجواله البعيد. من سخريات قدره ان يكتب في تأريخه ضرتان تتفقان بخبره من شرقيته وعراقيته وتذيع نهاية هذا العالم الشهيد بعبوة ناسفة كانت مركونة على جانب طريق مارا به خاتمة بذلك كل حلم جميل في صباه وفي منفاه وكل قطرة ماء كان قد شربها من دجلتها وفراتها وهذه كانت جل خاتمة "عراقي" الشهيد. كتبوا على حجرات جدثه سطرا به عضة لكل من له قلب دامع: هذا العالم العراقي ابن، بلاد الرافدين، نصب الحرية، دجلة والفرات، موصل الحدباء، بابل الفيحاء، كربلاء الحسين، بصرة شط العرب والعشار، نواعير هيت وسد حديثة، بروحه تعيش لن تموت الى ابد الابدين، "عراقي" الشهيد.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |