|
الديمقراطية .. (2) رشيد كَرمـة إستكمالا ً لما قدمته مـن بحث ٍ مختصر ٍ’ و مقدمة ٍ شديدة الإيجاز لمفهوم حداثي ـ الديمقراطية ـ كونها لغة العصر , وهي رغما ً عن أنف المُدعين والمتقوليين , ثقافة جديدة ,لايصح إسقاطها على أنها منجز ديني حوته وحضت عليه كتبا ً سماوية ً, قبل آلاف السنين .!. كما طرحت ُ فـي الرابط المرفق في ذيل المقال , تصورات ٌُ أحدث , لما بعد الحداثة ِ ليس لمفهوم لغة ونظام وآلية الديمقراطية فحسب وإنما لتشكل (عالم) يبتلع الجميع , بعد أن يخترق الجميع وينتزع منها ـ كل شئ ـ وما يحتويه كتاب ( الإمبراطورية ) من فلسفة لايمكنني إلا أن أصفها بسريالية لاتمت الى الواقع السيريالي بصلة , إنها صورة ٌُ مشوهة ٌُ للماركسية التي تراهن على الصراع الطبقي , والتي سيربحها المكافحون من أجل العدالة والإنسانية , ولو بعد حين , ومـا يقدمه مؤلفا الكتاب بتصورهما ماهو إلا تفسيرٌُ أعرج ٌُ لحركة التأريخ ولنضال الناس ضمن أحزاب وحركات تحرر وطني ’ يُريد لها أن ترفع الراية البيضاء وتركع أمام جبروت اليمين الذي يقوده رجال الدين تحت هذه الحجة وتلك وبأسم ذلك المبدأ أو تلك القيم . إن سلاح الدين لازال هو نفس السلاح القديم الذي جوبهت به الأفكار التنويرية , وإن إختلفت ملابس المحاربين , ولا يخشى عتاة الرأسماليون من أداء دور القديسين والأولياء وتقمص شخصياتهم وهيئاتهم كما لا يخشى رجال الدين والكهنة والقساوسة مـن لبس أربطة َ عنق ٍ حديثة لمهمة بناء الإمبراطورية ....طالما هدفها السلطة والتي تشكل بابا ً واسعة للإستغلال وللسلب والربح . ولعل إختياري للموضوع " تناقضات عصر الأمبراطورية ووعوده " الذي قدم علـى أساس حلقة ُ بحث ٍونقاش ودراسة للشهيد الشيوعي , شهيد المثقفين و الثقافة العراقية النجم " كامل شياع " والمنشور في الثقافة الجديدة العدد 309 سنة 2003 , لم يأتي إعتباطا ً , إذ تثبت الأحداث والواقع أن لا مفرمن حرب ضروس تقودها الدول الرأسمالية وإن بأشكال متعددة , كالتي تجري رحاها في العراق تحت واجهة الديمقراطية وحقوق الأنسان التي يلغيها الدين علنا ً . وعلى مدار الساعة وعلى إمتداد الرقعة العربية والإسلامية ... كتب " كامل شياع " ـ مؤشرات السيادة الامبراطورية ـ يمكن تشخيص الامبراطورية الناشئة في الحقبة التاريخية المعاصرة بمفاهيم مثل العولمة وما بعد الحداثة إلا أن أساسها المتين قائم في المجال السياسي حيث يتجلى كنمط للسيادة الشاملة لايستثني بلدا ً أو منطقة ً في العالم . ثمة ثلاثة مؤشرات لتشكل هذه السيادة اولا ً:ـ إن فكرة الحق الدولي في تعبيرها القانوني ما عادت مستندة في سياق الامبراطورية الناشئة على اتفاقات وتعاقدات حرة بين دول مستقلة بل على شبكات من الاتفاقات و قنوات الوساطة وحل النزاعات وضبط مجال حركة الدول في إطار نظام أشمل للسيادة . هذه السيادة تجمع القوى المتنازعة والمنتاقضة عالميا ًفي بنية واحدة وتعاملها وفق مفهوم خاص للحق يستندعلـى نمط جديد للانتاج , و وسائل قانونية للاخضاع و القسر من أجل ضمان التقيد بالاتفاقات وتسوية النزاعات . الحق القانوني في إطار الامبراطورية يعكس واقع ما بعد الامبريالية تهيمن عليه قوةعليا فوق قومية او ما بعد قومية . يرتكز الأساس القانوني للامبراطورية التي هـي بخلاف الإمبريالية التي وجدت وتجد أساسها المادي في الدولة القومية على مبدأين أ ـ مكاني ,, و بـ ـ زماني ,, يقوم اولهما على نظام موحد لإسناد فكرة الحق الامبراطوري فـي كل بقاع العالم دون إستثناء أما المبدأ الثاني فيقوم على إعتماد معيار أخلاقي يـدعي أنه مُلزم وصالح لجميع الأزمنة التأريخية والحضارية المتعايشة والمتجاورة في كوكبنا.... النموذج الكلاسيكي لتضافر هذين المبدأين تحققَ في الامبراطورية الرومانية التي دفعت بالبعدين القانوني والاخلاقي الشاملين الى أقصى حد ممكن لتضمن الاستقرار والسلام وسيادة القانون لجميع المناطق الخاضعة لنفوذها وارتباطا بقانون الامبراطورية الرومانية وبطانتة الاخلاقية تبلورمبدأ الحرب العادلة الـذي عادَ للظهور ِمؤخرا ً فـي ظل الامبراطورية المعاصرة في حرب الخليج الثانية عام 1991 التي تم شنها كفعل بوليسي ضد خصم أٌعتبر خارجا عن القانون والترويج لها كممارسة شرعية للقوة من مثل حرب الخليج وما تلاه في يوغوسلافيا السابقة وكوسوفو وافغانستان ... بدا واضحا إن السلطة الامبراطورية توظف فعلها العسكري لأغراض أمنية فهي أشبه بشرطة دولية تتدخل لحفظ النظام ولفرض معيارها الخاص عن الحق والسلام ......... (الشرطي الدولي ) الذي تمثله ُ الامبراطورية يعمل بالشكل الآتـي , أولا ً :ـ تحديد المشكلة الحاصلة على انها مشكلة إستثنائية أو طارئة والتلويح بضرورة التدخل لإعتبارات قانونية .!! ثانيا ً: ـ القدرة على إستخدام الوسائل المسلحة فـي ظروف متباينة بهدف التعامل مع المشكلة أوالأزمة ُالقائمة ُ .. وهنا يثير الكتاب تساؤلا ً عن مدى تطابق الحق الإمبراطوري في التدخل مع فكرة الحق المجردة , وعن معنى الحق و ( القانون ) عندما يُختزل الى عنصر الفاعيلة او التاثير أو النجاعة . مهما يكن مـن أمر هذا التساؤل فان الكتاب يتوصل الى انه فـي سياق التحول نحو الإمبراطورية يسود القانون فوق القومي على القوانين الوطنية ويخترقها ويكيفها بـل ويحددها أو يَحِدَ منها بقدر كبير, إضافة الى ذلك فقانون الإمبراطورية يسود على ميثاق الامم المتحدة من ناحية مبادئة وآليات تطبيقه أو فرضه , فالأمرُ ما عاد يتعلق بصيانة او احترام اتفاقات موقعة بين دول ذات سيادة ولا في الاحتكام للاجماع والحق الدوليين , وإنما في إباحة التدخل نتيجة حصول ظرف طارئ وبإسم مبادئ أخلاقية سامية وقيم عدالة شاملة مزعومة , غير ان اللجوء الى مبدأ التدخل لحل الازمات لا يدل على استقرار النظام العالمي الجديد , اي النظام الامبراطوري بقدر ما يدل على عدم استقراره وتقلبه ألا أنه في حالة ازمة وحرب دائمتين .... الامبراطورية كما يستنتج الكتاب ولدت في الأزمة وتتجلى كأزمة ناتجة عن التعارض بين البنية القانونية للامبراطورية والقوة المكونة لها والفاعلة فيها من جهة وبين مصلحة الجمع المُتشَكل من ذوات منتجة ومبدعة , مـن جهة ٍأخرى وما كان لهذة الازمة أن تظهر لولا هيمنة نظام محدد للسيطرة السياسية ـ الحياتية ( المقصود بهذا المصطالح تحويل الحياة الى موضوع مباشر للسلطة حيث يتم إنتاج الوجود الإنسساني ماديا ًومعنويا ً ) فهذة الأزمة التي كان الفيلسوف الظاهراتي " هو سير " قد عزاها إلى هيمنة العقلية العلمية الرياضية على عالم الحياة المعاش تـُكمن بنظر مؤلفى الكتاب في التدخل المخل لسياسة رأس المال فـي عالم الحياة .. هذة السياسة وذلك العالم لا يمكنهما في الشروط القائمة ان يتواءما على المديين القريب والبعيد ,, السمة ُالمميزة ُ لأزمة الإمبراطورية أنها لا تتجلى فـي صراع رئيسي ولا تتموضع في جبهة واحدة لأنها جملة أزمات جزئية صغيرة متوالدة ومتتابعة وذلك ما يضفي عليها طابع الديمومة والحضور الكلي أما حرب الامبراطورية فلا يتم شنها ضد خصم خارجي محدد ,, لأنها سلسلة حروب أهلية ومناسبات للتدخل البوليسي بقوة عسكرية عالية التسلح والكفاءة وهذا بالضبط ما حدث فـي اضطرابات لوس انجليز 1992 ومقديشو و في سراييفو وافغانستان وتكرر حدوثه في العراق مرتين... ثانيا ً:ـ لا تقتصر الإمبراطورية الناشئة على الاطار القانوني فقط لأنَ لها بعدا ً ماديا ً يتمثل في السوق العالمي الذي لولاه لا يكتمل فهم السيادة الامبراطورية بمكونيها السياسي والقانوني ويعتبرالكتاب إن عولمة الإنتاج والسوق تمثل حالة جديدة غير مسبوقة تاريخياً من هذا المنظور فهو يرفض الرأئ القائل بان الظاهرة الرأسمالية عملت دائما كسوق عالمي , وبالتالي فليس هناك إختلاف جوهري بين صورتها الكلاسيكية في القرن التاسع عشر وصورتها الراهنة في القرن الحادي والعشرين . كذلك فهو يرفض رأي من يراهن على إستمرار الدولة القومية في الغرب في أداء دورها لإحكام طوق الهيمنة الإمبريالية على الدول والمناطق الأخرى في العالم , فإن صح هذان الرأيان , فهما لايصحان , بنظر مؤلفي الكتاب إلا بصورة جزئية لإن المستجدات الحاصلة في الإقتصاد والسياسة تشير الى تحول نوعـي بإتجاه ظهور قوة ما بعد إمبريالية أو مابعد إستعمارية , قوة تدور في فلكها كل التناقضات والصراعات المحلية والعالمية , إنها قوة تحتوي جميع الظواهر والأحداث, وتحدد مجالات الأفعال والتجارب , وتملي الخيارات الجماعية والفردية , السياسية والثقافية , والإقتصادية والأخلاقية . في سياق الإمبراطورية تلازمَ نشوء السوق العالمي مع تـَحول جذري في سيرورة الإنتاج التي إتسع نطاقها ليشمل إنتاج الحياة ذاتها , فبموازاة الإنتاج المادي , يتم إنتاج الذوات المنتجة أي أجساد البشر وعقولهم , حاجاتهم وعلاقاتهم , أذواقهم ورغباتهم , وذلك هو حقل صناعة الثقافة وأنماط الحياة , مجتمع الإمبراطورية هو مجتمع سيطرة قصوى قائم على إنتاج وإعادة إنتاج الحياة ذاتها بواسطة آليات قيادة وتحكم أكثر ديمقراطية وأقل تعسفاً إذا ما قورنت بأساليب المجتمع الحديث الذي هـو حسب وصف ( ميشيل فوكو ) مجتمع إنضباطي يتطلب العزل , والعقاب , والمراقبة مـن خلال مؤسسات كاالمدرسة والسجن والمستشفى والمصح والثكنة والمصنع , لكن مفعول تلك الآليات " اللطيفة " أكثر تحولاً في جسد المجتمع , وأعمق تجذرا ًفي روحه . في مجتمع الإمبراطورية ما بعد الحداثي تقوم هذه الآليات بتأطير المجال الإجتماعي بأسره عبر شبكات مرنة وديناميكية لتنشئ نموذجا ًجديدا ً للسلطة معنيا ًبشكل مباشر , بالحياة ذاتها حيث تتولى إحتوائها وتصميمها وفهمها وتفسيرها , إن سيرورة إنتاج الذوات داخل الإمبراطورية تسير بتواز مع عملية إنتاج البضائع , في حين يعتمد فائض القيمة إعتمادا ً متزايدا ًعلى العمل الذهني والمعلوماتي , خارج النظام الكلي لشبكات الإتصال التكنولوجية لايوجد ثمة مرجع يحتكم إليه كأن يكون الحقيقة أو الإنسان أو الروح المطلقة , فهي في الواقع والممكن معا ً, وهي الضرورة ونقيضها مجتمعان . نظام الإمبراطورية يجسد إلى حد كبيرة فكرة القفص الحديدي للتأريخ , لكنه مع ذلك ليس نظاما ًشموليا ً( توتاليتاريا ً) بالمعنى المتعارف عليه , ففيه تختمر ممكنات التحرر وتنبثق بدائل المستقبل , ينبغي الإشارة هنا إلى أن تفسير " نغيري وهارت " للرأسمالية المعاصره لا يعتمد النموذج الماركسي القائل بأولوية العامل الاقتصادي كعامل مقرر ولو في المطاف الاخير انه يميل الى تفسير الرأسمالية في تجليها كإمبراطورية مـن منظور سياسي يركز علـى نقاط مثل وظيفة السلطة , واليات ممارستها , أشكال مقاومتها , والبدائل المضادة لها , المصادر القانونية والاخلاقية للشرعية ومبدا التدخل الخارجى و الحرب العادلة يستند الكتاب في اثارتة لهذا النقاط على مفهوم علاقات القوة المستوحى من " نيتشة والنيتشوييون الجدد" خصوصا ( ميشيل فوكو وجيل دولز وغوتاري ) غير ان عدم اعتماد مؤلفي الكتاب على النموذج الماركسي التقليدي في التحليل لايعني تناولهما لعلاقات القوة بصورة مجردة من مضمونها المادي ,, فما يتفاداه المؤلفان هو تحديدا النظرة الاقتصادية الاختزالية التي تفترض ان للقوة اتجاها واحدا صاعدا من الاسفل الى الاعلى او منتشرا من المركز الى الاطراف ...,.. إن للقوة او للسلطة في عالم الامبراطورية مراكز متعددة ونقاطا متناثرة انها موزعة في كل مكان وليست متموضعة في مصنع او شركة او دولة او منطقة جغرافية ..... بصورتها المتعددة الأبعاد هذة تستند علاقات القوة على مضمون مادي هو الاستغلال الرأسمالى الذي غدا فـي مجتمع ما بعد الإمبريالية اي مجتمع الامبراطورية أكثر قسوة وشدة مما سبق والذى صارت شبكتة تغطي البشرية جمعاء وان بدرجات متفاوتة إنتشار الرأسمالية عالميا ًلا يعني زوال الحدود الجغرافية والعرقية للقمع والاستغلال بل تعزيزها وتكثيفها وهذا بالنسبة " لنغيري وهارت " مدعاة للتفاؤل لأن الامبراطورية برأيهما أحدثت نقلة الى الامام لا يمكن التراجع عنها الأمر الذي يقطع الطريق على السياسات القديمة والمحافظة المرتكزةعلى مصالح الدول القومية فهما في حذوهما حذو ماركس الذي فسر الرأسمالية كظاهرة تاريخية تقدمية مقارنة ً بانماط الانتاج التي سبقتها يذهبان الـى أن الامبراطورية تطرح نموذجا للمجتمع والانتاج اكثر تقدمية من الامبرياليه التي اعتبرها لينين اعلى مراحل الراسمالية بعبارة اخرى تمثل العولمة التي هي سياسة الامبراطورية واقتصادها الشرط الوحيد للتحرر فمقابل العولمة ينبغي لليسار ان يطرح عولمة بديلة ومقابل امبراطورية راس المال ينبغي ان تشكل البشرية امبراطورية مضادة فلا عودة ممكنة الى الوراء بإسم الهويات الوطنية والخصوصيات الثقافية لان هذا خيار خاطئ وضار .... الهوامش الرابط أدناه يشكل الجزء الأول من البحث . http://www.al-nnas.com/ARTICLE/RKarma/9dem.htm http://www.irak-k-k.org/wesima_articles/makal-20081010-24843.html يتبع
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |