رُسل التسامح في محنتهم الأخيرة

 

جاسم الحلفي

mrch_31_1934@yahoo.com

تواصلت أعمال العنف، في مدينة الموصل، مستهدفة هذه المرة العوائل المسيحية في عملية منظمة تهدف، على ما يبدو، الى تهجير المسيحيين منها. وتتم هذه العملية عبر برنامج عنصري لا انساني منسق يبدأ بإلقاء رسائل تهديد في بيوت المواطنين تطالبهم بتغيير دينهم او دفع الجزية او ترك المدينة وهجرتها، تعقبها عمليات تهديد مباشرة وابتزاز قذر، وقتل وتصفيات. ولم يكتف المجرمون الأوباش بتهجير هؤلاء المواطنين والمواطنات من بيوتهم وزرع الخوف والرعب في نفوسهم بل قاموا بتفجير عدد من البيوت بعد ان غادرها ساكنوها.

وحين التمعن في مغزى توقيت هذه الأعمال الدنيئة. في وقت كان البرلمان يناقش فيه تعديل قانون انتخابات مجالس المحافظات، وبعد المسيرات السلمية التي انطلقت في مدينة الموصل للمطالبة بتمثيل "الأقليات" في تلك المجالس، تتضح، من دون أي لبس، الدوافع العنصرية والشوفينية للقوى التي خططت ونفذت هذه الأعمال الشنيعة. والهدف واضح من ذلك كله، ويتمثل في إفراغ مدينة الموصل من مكونات أساسية، وجعلها مدينة خالية من تنوعها ألاثني والديني الذي امتازت به عبر تاريخها.

وتأكيدا للحقيقة المعروفة للجميع، وهي ان هذه العملية التي تستهدف في احد عناوينها إجبار أبناء شعبنا من الكلدانيين، الآشوريين، والسريان وغيرهم من "الأقليات"، على تغيير دينهم، لم تكن الأولى. فقد سبق ان قام أصحاب الفكر الشوفيني بإجبار المواطنين من الكرد والتركمان ومن المكونات الأخرى على تغيير انتماءاتهم القومية قسرا، حيث انتهج النظام المباد سياسة التعريب، مستخدما في تنفيذها أساليب الترغيب والترهيب سيئة الصيت، جاعلا منها سياسة عامة للدولة. غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يجرأ أيتام الفكر العنصري والشوفيني اليوم على مواصلة تلك السياسية المرفوضة، مرة أخرى، وبطريقة أبشع واخطر، في وقت يمضي فيه العراق بخطوات جديدة بعيدا عن الإرث العنصري، وهيمنة الفكر الواحد؟ ثم كيف يستقيم ما ذهب إليه الدستور العراقي من احترام للتعددية الفكرية والدينية والقومية، في إطار الدولة المدنية الديمقراطية، دولة المواطنة والقانون والمؤسسات الدستورية، مع تلك الأعمال المشينة التي تطال جزءا أساسياً من مكونات شعبنا في الموصل، دون رادع؟.

 لقد تحدثت التقارير ونقلت لنا المشاهدات الحية عن المعاناة المؤلمة لأبناء شعبنا من الكلدان، الآشوريين، السريان في الموصل، جراء تطاول عصابات الجريمة المنظمة والإرهابيين والمتطرفين، في وقت تتطلع فيه أعينهم نحو دور الحكومة الاتحادية التي استبشروا، ونحن معهم، بخطتها الأمنية التي أعلنتها قبل فترة، وبدأت في تنفيذها قبل أكثر من شهرين. تلك الخطة التي لم يكتب لها النجاح كما يبدو، وللأسف الشديد، لأسباب لازالت مجهولة، ولا يعرف ما اذا كانت عسكرية أم تقنية بحت؟ وهل ان تلك الأسباب تكمن في بناء الخطة ذاتها ام في التنفيذ، والإعداد والعدة؟.

لكن التقارير التي أدلى بها الناطقون باسم الخطة آنذاك، أكدت على التعاون الملفت للمواطنين مع الأجهزة الأمنية، وتحدثت عن نجاحات سريعة، حتى ان قائد عملية ام الربيعين، سارع بإصدار أمر لرفع الحواجز الكونكريتية تسهيلا لحركة المواطنين إشارة الى انحسار نشاط الإرهابيين واندحارهم!.

وبغض النظر عن كل هذه القضايا فان إحلال الأمن يبقى، في كل الأحوال، مسؤولية الحكومة ومؤسساتها الأمنية. فتوفير الحماية والأمان لأبناء شعبنا من الكلدان، الآشوريين، السريان، هو واجب آني وملح لا مناص عنه. فهؤلاء الذين لم يشهد العراق طوال تاريخه منهم غير العطاء المتواصل والتفاني في صنع خيراته المادية والمعنوية، والذين شكلوا جزءا أساسياً من هويته الثقافية والوطنية، ولم يعرف عنهم أية مغالاة إلا في حبهم للخير والتسامح، جديرون بكل إشكال التضامن والدعم لمنع أعمال التهجير وتواصل الأعمال الإجرامية ضدهم.

فلا واجب أسمى من حماية الناس حين يتعرضون لمحنة وأذى. إنها مسؤولية تبقى في ذمة الحكومةّ!.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com