خمسة سنوات من "النفاق السياسي"!!

 

سهيل أحمد بهجت

sohel_writer72@yahoo.com

منذ خمسة سنوات مضت أثبتت التجربة الواقعية العراقية بما لا يترك مجالا لشكاك ومرتاب بأن تجربتنا السياسية محكوم عليها بالفشل في ظل أحزاب الكانتونات الطائفية والقومية، فكل حزب تحول إلى "عصابة" يقودها أفاق من الأفاقين منتشيا بمكاسبه القومية والطائفية، هذا بدلا من أن يحصل العراقيون على فدرالية من النمط السويسري والأمريكي، لكن للأسف أصيب العراقيون بأكبر كارثة تصورها أي مثقف ومفكر حينما صوتوا على دستور مشوه وممسوخ خيب الآمال.

فالديمقراطية في عرفنا العراقي هي "الفوضى"، والفدرالية تعني مجموعة زرائب لها أصحاب يتصارع كل واحد منهم لسرقة مزيد من القطعان، والقانون هومجموعة أعراف تختلف من مجموعة إلى أخرى، والحكومة المركزية تمثال شمعي لا يستطيع ضرا ولا نفعا لأحد، من هنا نجد أن ماكنة القتل والتفخيخ والإرهاب – رغم إنجازات القوات الأمنية الوطنية – لا تتوقف، فموارد ودعم هذا الإرهاب يأتي نتيجة طبيعية لتنفذ أحزاب = عصابات لا تملك عقلية الدولة وأي منجز حضاري.

إن البلدان التي تبتلى بأحزاب أيديولوجية من النمط البعثي، تعيش حالة مستمرة من المعاناة والواقع المؤلم الذي يعيد وبشكل متكرر صناعة وصياغة المآسي والمشاكل، وكدليل على مدى سقوط وانحطاط المسؤولين الحاليين – مع استثناءات نادرة –  وعدم اهتمامهم بمعاناة المواطنين هوأن كل الأحداث المأساوية والإرهابية تنتهي ضد مجهول وتربط مباشرة بتنظيم القاعدة "الوحش الكارتوني"، فصار اسم هذا التنظيم المنقرض شماعة يخبيء بها هؤلاء المتنفذون فسادهم وجرائمهم.

كان الأحرى بالعراقيين أن يترجموا الدستور السويسري والأمريكي ثم يقوموا بتطبيقه "عراقيا"، والتجربة التركية في هذا المضمار هوأحد أروع الأمثلة، فهذه الدولة فقيرة إذا ما قورنت بالعراق وثرواته الضخمة ولكن الدخل السنوي للمواطن التركي والنظام والترتيب الذي يعيشه هذا البلد يرجع إلى أن هذا البلد تبنى النمط الأوروبي العلماني الديمقراطي وتم فصل رجال الدين عن السياسة – وليس عن الحياة – بينما في العراق تقوم أحزاب قومجية بمنع "الإسلاميين" من التجمعات السياسية في الجوامع والتكايا بينما يحل لهذه الأحزاب أن يمتطوا عمامة رجل الدين والجامع لاستغلال الدين في "قضية قومية"!!

والمؤسف أن مواطننا العراقي لا يمتلك لحد الآن الوعي الكافي الذي يفصل بين الدولة ككائن خدمي دنيوي بحت وبين وظيفة الدين المحصورة في الأخلاق الاجتماعية والفردية وبناء منظومة خلقية متكاملة بعيدا عن هيمنة الحكومة، فعلمانيتنا وإسلاميتنا كلاهما مسخران للنفاق السياسي، فكلنا يسأل عن الأخلاق الشخصية للرئيس ورئيس الوزراء – مثلا : هل هويشرب الخمر..؟ هل يعجب بالراقصات والفنانات..؟ هل يصلي ويصوم..؟ كم طول مسبحته..؟ بينما لا أحد يسأل عن نزاهته كشخص وهل هومتهم بالفساد أم لا؟ لا بد من الفصل الكامل بين الوظيفة الدينية والحكومية، كخطوة أولى، ولا بد أيضا أن يكون العراق كله ديمقراطيا لا أن يصبح "مهزلة" فيكون طرف من البلد فوضى والطرف الآخر "دكتاتورية جبرية أموية" وطرف ثالث تاه بين الدين والحرية؟ إن التجربة العراقية تفتتت عبر دستور "المجاملات" والذي جاء كنوع من الرفض لمحاولات الأمريكيين بناء دستور متكامل وراق.

للأسف فإن العراقيين كرهوا العلمانية حينما تجسدت أمام أعينهم في أحزاب قومية كريهة تؤمن بشيء واحد من الفلسفة الماركسية "القبيحة أصلا" هو"الدكتاتورية" وترسيخ الدين كـ"مخدّر" للشعب لكي لا يهتم بمشاكله ويكتشف الكذبة الكبيرة التي يعيشها، لوفهم العراقيون العلمانية على أنها مجرد "حيادية السلطة" في التعامل مع المواطنين لربما تجاوزنا كثيرا من المحن وأن العلمانية لا تعني "عداء للدين" بقدر ما تحمي للمواطنين الحرية في الإيمان والاعتقاد.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com